نافذة من موسكو..في خلفيات الصراع على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة

آراء وأفكار 2018/11/18 06:12:44 م

نافذة من موسكو..في خلفيات الصراع على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة

د. فالح الحمراني

دخلت " ملحمة" تشكيل الحكومة العراقية الجديدة في باب شبه مغلق، وبقيت في حالة معلقة. واللافت إن الصراع يدور بين" الثلاثي" النيابي من الكتل الأكبر على الوزارات التي تدر الأرباح المالية والاستئثار بها لأعضائها. وتجلى ذلك أكثر في التنافس على وزارتي الداخلية والدفاع والوزارات التي ستساهم في إعادة بناء المدن المتضررة من الحرب، لأن هناك خلفها ملايين الدولارات.
ووفقاً لتقدير دراسة بالروسية عن مستجدات تشكيل الحكومة الجديدة فان بعض الكتل تمكنت من جعل رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي صنيعة بيدها، وحصلت على موافقته لنيل الحقائب المدرة مالياً. وحسب رأي الدراسة فإن "عادل عبد المهدي شخصية اسمية" ( لاحول ولا قوة لديه) وإنه لا يعدو غير " الرأس المتحدث" للسلطة التنفيذية. وبهذا المعنى" والكلام للدراسة" فإن رئيسي الوزراء السابقين كانوا أكثر أهلية منه بكثير وأكثر استقلالية. ويتجلى هذا في تراجعه عن تعهداته بان حكومته لن تكون حكومة محاصصة، وها هو يشكل حكومة محاصصة بامتياز وصراحة، سيترتب عليها جعل الوضع السياسي في حالة هشة وقابل للانفجار في أية لحظة.
وقالت الدراسة إن اتفاق زعماء الأحزاب السياسية الممثلة بالبرلمان في 11 تشرين الثاني بعدم إفشاء مضمون اتفاقهم الأخير، وجرى تبرير ذلك بتجنب الضغط على رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بشأن أسماء المرشحين للحقائب الوزارية المتبقية. وإن التصويت سيكون مرة واحدة على الجميع ولن تؤجل أية حقيبة.
وأوضحت الدراسة إن كل هذه التحركات هي نتائج لما وصفته بتشكيل "الثلاثي" الذي أسفرت عنه الانتخابات البرلمانية. فلن يتمكن أي تكتل فائز بما فيه " سائرون" من أن يضمن لنفسه الأغلبية الحاسمة، وبالمحصلة يجري الصراع على الاستئثار كل لنفسه بالحقائب الوزارية الهامة والأكثر ربحاً، فقد حصلت سائرون وحزب رئيس الوزراء السابق ودعاة المركز من تكتل عمار الحكيم، على حوالي عشرة مناصب وزارية مفصلية، وتقرر أن يذهب النصف الثاني إلى الأحزاب التي حصلت على أصوات أقل باستثناء حقيبتي الداخلية والدفاع.
وعلى حد تقييم الدراسة إن المشكلة تكمن في تهميش التكتلات الأصغر وشل نفسها بنفسها. وقالت إن هذه "التكتلات من أجل الإصلاح" و"الاتجاه الوطني" و" التحالف من أجل التغيير"، وممثلي التركمان وممثلي المحافظات وبالتالي المستقلين وغيرهم، تتمتع بقدرة ضعيفة على الاتفاق ولا تستطيع تشكيل تكتل قابل بقدر ما على الحياة، من أجل تمرير مرشحها، وبالإضافة إلى ذلك تتوجه على الدوام الى " التكتل الأكبر" الى ذلك " الثلاثي" للشكوى على بعضها الآخر وتطلب منها الدعم.
وقالت بالطبع عند ذلك تجري عملية بيع طبيعي لأصواتها لصالح هذا المرشح أو ذاك. وإن "الثلاثي" غير مهتم بهذه الجلبة، وإذا كان يتنازل لها، ففقط من أجل تحقيق مصالحه، وتحسين مواقعه الخاصة من زاوية آفاق مستقبل الصفقات أو المواجهات.
يبدو إن بداية قراءة الموازنة ستكون حاسمة، ولكن أول " بالون اختبار" بطرح مشروع موازنة 2019، انتهت كما هو متوقع بإرجاعة إلى الحكومة، وبهذه الصورة، فان القضية ستكون من حيث المبدأ، ربما إلى الربيع القادم، كما كانت عليه في السنة الماضية، ومن ثم فان الوزير لا يعد الموازنة وفق رؤيته، وإنما يقوم بهذا جهازه، وجميع الفنيين بالإساس، ومعظمهم عملوا، ويعملون مع الحكومة القائمة.
ولفتت الدراسة إلى أن مشاورات " الثلاثي" الأخيرة كانت برأي الناطق باسم مجلس النواب تشير إلى وجود تنسيق بين أعضائه، بالإضافة إلى ذلك إن الرئيس ورئيس الوزراء يشعران بدعم دائم من المؤسسة التشريعية وبالدرجة الأولى من رئيس البرلمان محمود الحلبوسي.
وقالت " برأينا لو إنهما يشعران، " فلا يشعران إلا بالتعب من كل هذه المضاربات التي لا نهاية لها، والتي هي جزء لا يتجزأ من النظام البرلماني الذي في دولة مثل العراق، لا يعمل مطلقاً".
والمهم في بيان الناطق باسم مجلس النواب، كما قالت الدراسة، هو الإشارة إلى أن جميع من يتفق عليه " الثلاثي" سيطرح للتصويت في لائحة واحدة، من دون مناقشة تمهيدية وإمكانية فرز واحد منهم لمناقشة ترشيحه وأهليته للوزارة التي يشغلها. وهذه 8 وزرات مازالت معلقة. وفسرت قرار الثلاثي التصويت عليهم بالجملة وفوراً إلى أولاً: إنها وزارات غير مهمة ولا تدر الأرباح المالية الكبيرة، ما عدا وزارة الداخلية. وثانياً إن قسماً منهم أصبح رهينة للتوجهات الجديدة والمناقشات عن دور ومكانة المحافظة والأقليات في حياة العراق، أي لكل جهة وزارتها. وإن قسماً من الحقائب يرتبط بصرف أموال الموازنة على استعادة بناء المحافظات التي تضررت من الأعمال القتالية، وإنها مبالغ غير قليلة، وهذا ما يسبب الصراع على هذه الوزارات.
إلى جانب ذلك، والكلام للدراسة، إن جميع المشاركين في العملية السياسية لم ينسوا أن يرددوا كليشهات العبارات الجاهزة عن " ضرورة الالتزام بالأطر الدستورية" وعن تفاعل مؤسسات الدولة ودعم بعضها الآخر. وفي الوقت نفسه فان تنافس مرشحيهم بالذات على المناصب الوزارية هو حجر العثرة، وموضوع المضاربة بين الأغلبية البرلمانية، والجهاز الحكومي. وكما أشير فان رئيس الوزراء وافق على أغلبهم، من دون إيضاحات أخرى.
ولاحظت الدراسة إن من بين الوزارات المعلقة هي وزارة الداخلية التي دارت حولها معركة ضارية. وأشارت إلى أن موازنة هذه المؤسسات التي تبلغ الملايين الكثيرة تعد بحذ ذاتها "لقمة شهية ولذيذة"، ناهيك عن الحالات السياسية التي ستتلاعب بها. ومازال الصراع يدور أيضاً على منصب وزير الدفاع، على الرغم من أن هناك معطيات تشير إلى وجود موافقة على المرشحين للوزارتين.
وقالت إن تعقيد وقيمة المسألة مع الأخذ بعين الاعتبار جميع مكوناتها، ستمهد لتأجيل تعيين وزيري الدفاع والداخلية على الأقل لعدة أيام أو لأسبوع. وبما أن الكلام يدورعن لائحة تعيين، فان استكمال تشكيل الوزارة الجديدة سيبقى أيضاً معلقاً.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top