ادينا مايّ

ادينا مايّ

ترجمة: صلاح سرميني

تُعاني السينما التجريبية السويسرية من تشظيها، وتتواجد في هامش السينما السائدة، وأحياناً تتقاطع مع الفنّ المعاصر، ومن المرجح أن تكون جزءاً من سلسلة تقاطعاتٍ مع فضاءاتٍ أخرى، وبفضل سلسلة من المعارض تحت عنوان (انهيار الفيلم) التي تمّ تنظيمها في كلٍّ من:

FriArt /فريبورغ، ومتحف التصميم /زيوريخ، ومؤسّسة مدرار/القاهرة، تمكّنت من إعادة بنائها من خلال منظور تاريخ الفن المعاصر.
وبناءً على دعوة من الدورة العشرين لمهرجان باريس للسينمات المختلفة، والتجريبية (3-14 أكتوبر 2018) بهدف إعادة النظر في السينما التجريبية من وجهة نظر مفهوم الدناءة/الحقارة، و"شعرية النفايات"، أو "جمالية الخراب"، هذه السينما التي تقع في هامش مركز غير موجود في سويسرا، سوف تسمح بقراءتها كحثالة، أو فضلاتٍ من جسد الفن.
تشكل كائنات السينما التجريبية، أو الفيلم نفسه بصفته كائناً، انفصالاً عن عالم المعاني، وبالتالي تحطم التمييز بين الكائن الجمالي، والعادي.
في ضوء "عقيدة تنظر إلى المادية على أنها الحقيقة الوحيدة"، اقترح البرنامج المادة الأولية، واستكشاف ماديات الفيلم التجريبي في سويسرا، وتداخل هذا الاهتمام مع القضايا البيئية.

Kick that Habit
حالة النفايات، هي وُفقاً لمعيارية سينمائية معينة، تنشغل عن طيب خاطر بالصوت، تمّ إنجازه من قبل مخرجه كفيلم ـ صوت(يّ)، يعتزم Kick that Habit من إنتاج عام 1989 لمؤلفه "بيتر ليختي" تحدي هذا التقسيم في وسائط الإعلام السمعية، والبصرية، وأنظمة الحساسية من خلال تنظيم البنية الاهتزازية للصوت، يتألف الفيلم من ثلاثة أجزاء، متميزة تقنياً، وموضوعاتياً، ويمزج بين الأداء الصوتي المباشر، والأصوات البيئية، والتي تتواجد في حالة تواصلية، الأصوات الأولى يؤديها بارتجال الثنائي الموسيقى "نوربيرت موزلانغ"، و"أندي غول"، نراهما يستخدما الأسطوانات الدوّارة، ومسجلات الأشرطة، والميكروفونات، والأشياء اليومية.
ينتج أداء الموسيقييّن، كما أصوات الأشياء، والإيماءات الفنية، والعادية، مشهداً سمعياً، حالة من الانفصام ناتجة عن التشكيلات المغناطيسية، والصدمات، والاحتكاكات الجسدية، يتمحور هذا المشهد الصوتي حول تيمة مفضلة عند "بيتر ليختي"، وهي الصور البانورامية في شرق سويسرا التي كان يعيش فيها، وعن طريق معالجتها من قبل المخرج، يصبح الجبل - رمز سويسرا محافظة - مكاناً متناقضاً حيث يتمّ تجريب نظاماً صوتياً/مرئياً جديداً، واهتزازياً، لذلك، إذا كان بإمكان اللغة أن تكون سينمائية، فإن هذا "الفيلم ـ الصوتي" يبين، ويوضح ما بين حصتيّ السينما: كلمتها، وصمتها.

Ging
Ging (تعني مشي باللغة الألمانية)، فيلم "أندريه ليمان" من إنتاج عام 1993 هو استكشاف جوهريّ للزمان، والمكان، حيث تنتج مشاهد، وإيقاع الفيلم بشكلٍ كامل عن طريق مسيرة المخرج في أماكن طبيعية، وصناعية، وحضرية، وبينما يبدو مساره بشكلٍ أساسيّ مستقيماً، أيّ يتقدم بدون عائق، هو يمشي بنفسه عبر أماكن، وأزمنة مختلفة.
في الواقع، يتأرجح Ging بين عناصر متضادة مثل الطبيعة/المدينة، الأرض/المياه، المساحات غير المأهولة/ الفضاءات المزدحمة، والفصول المتعاقبة، وينتج الإيقاع البصري عن طريق الحركة العمودية المستمرة لخطوات "ليهمان"، بينما يتناضد الصوت الرتيب - جزئياً الذي سجله بنفسه - مع تكويناتٍ، وأصواتٍ من بيئاتٍ مختلفة.
ومع أنه يخضع بشكل أساسي للحركات الجسدية للمخرج، ينطلق Ging من نظرة شبه مستقلة، عائمة، أو حتى ما بعد ما هو بشريّ.

Das Portrait der Cordua
"هـانز هـيلموت كلاوس شونهير"، الشخصية الأكثر نموذجية في السينما التجريبية السويسرية، يدعو إلى "سينما محطمة" (Kaputte Kino)، مؤلف بنية متقنة إلى حدٍّ بعيد من خلال قواعد، وقيود شكلية محددة مسبقاً.
في فيلمه Das Portrait der Cordua إنتاج عام 1969، تركز الكاميرا على الراقصة "بياتريس كوردوا" أثناء تدريباتٍ جماعية، ومنفردة، وفي حياتها الخاصة، في المنزل مع شريكها (شقيق المخرج)، قام "شونهير" بتصوير الفيلم بأربعة بكرات من الفيلم الخام باستخدام كاميرا بوليكس محمولة، تمّ ترتيب الكادرات مسبقًا على ورقة، وفي النهاية حقق صانع الفيلم بورتريه متحرك استناداً إلى تراكب الصور، وإيقاع الكادرات المنفردة، تمّ نشر نظاماً تراكميّاً، وتناظرياً - تصميم رقصات "كوردوا"، والكادرات المنفردة المُمنتجة مباشرة خلال التصوير- يُضاف إليها الموسيقى في حدها الأدنى لآلة التشيلو من تأليف، وأداء المخرج نفسه، بالتناوب مع قصيدة مركبة من مقتطفات كلام تافه.
يذكرنا الوله بجسد "كوردوا"، عارية في بعض اللقطات، بمادية الشريط الحساس للفيلم، بينما يفاقم المونتاج الحركة الموجودة في كلّ جزء من الصورة، ويحثّ على البعد المادي للتجربة السينمائية.
"أدينا ماي"، باحثٌ في "مدرسة الفنون في لوزان/سويسرا"، كان عضواً في مشروع بحث "الفيلم التجريبي السويسري"، كما شارك في تنظيم سلسلة معارض تحت عنوان "انهيار الفيلم"، كما قام أيضاً بتنظيم Neo Geography I & II في(مركز نيوشاتل للفنون، ويوجونجوك، وسيئول عام 2017)، ويعمل حالياً على إصدار كتاب من أطروحة الدكتوراه الخاصة به بعنوان :

The Cybernetisation of the Exhibition. Experimental Film and the Exhibition as Medium

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top