قرارات الحكومة السابقة تُشعل خلافاً حادّاً بين عبد المهدي والعبادي

قرارات الحكومة السابقة تُشعل خلافاً حادّاً بين عبد المهدي والعبادي

إلغاء الإجراء يشمل العقد المبرم مع سيمنز وجنرال إلكتريك ومخصصات للبصرة

 تعطيل بعض العقود يصبّ بصالح إيران التي تواجه عقوبات أميركية

 العبادي: قرار الحكومة الحاليّة يؤسِّس لسابقة خطيرة تلغي قرارات تصدر عن الحكومات المتعاقبة

 بغداد/ وائل نعمة

ما الذي أغضب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في قرارات سلفه حيدر العبادي التي اتخذها في آخر أربعة أشهر من ولايته؟. أعاد عبدالمهدي الكلام عن إبطال تلك الإجراءات مرتين خلال فترة تكليفه بالحكومة ووضعها في سلّم أولويات برنامجه الحكومي، وأخيرا أعادها في آخر اجتماع لمجلس الوزراء.
تذهب أغلب التوقعات إلى أن عبد المهدي يقصد العقود التي أبرمها العبادي في الشهر الأخير من عمر حكومته، الخاصة بمشاريع تنموية لاسيما في مجال تطوير الكهرباء، التي بلغ عقدها نحو 25 مليار دولار.
وستكون بالمقابل إيران التي تواجه عقوبات حادة من واشنطن هي الرابح الاكبر من عملية إلغاء تلك الاتفاقيات، لأنها ستبقى المورد الأكبر للطاقة الى العراق وتضطر بغداد الى تمديد التعاون مع طهران في مجال الغاز الخاص بتشغيل محطات الكهرباء، الذي يفترض أن يتوقف نهاية شهر كانون الاول الحالي، على وفق المدة التي حددتها واشنطن الشهر الماضي بـ"45 يوماً".

من أين بدأت الحكاية؟
-قبل ثلاثة أيام من بدء عمليات العد والفرز اليدوي لصناديق الاقتراع الخاصة بالانتخابات التشريعية الاخيرة في تموز الماضي، كان البرلمان قد أعلن انتهاء دورته التشريعية، فيما بقي وقت تشكيل الحكومة الجديدة مفتوحا ومقترنا بانتهاء عمليات تدقيق الصناديق.
وبحكم الواقع تحولت حكومة العبادي الى"تسيير أعمال يومية"على الرغم من عدم وجود نص قانوني او دستوري ينظم شؤون الحكومة المؤقتة.
ولم يعالج الدستور في مواده التي تفوق الـ140 مادة، حالة انتهاء ولاية البرلمان أو صلاحيات الحكومة بعد ذلك.
في ذلك الوقت بدأت الشكوك تدور حول استبداد رئيس الوزراء في إجراءاته، مستغلاً عدم وجود البرلمان، لكنّ الشكوك كانت ضعيفة بسبب المعروف عن شخصية العبادي المترددة خصوصا في مواجهة الفساد الذي تعهد به مراراً وتكراراً.
وكان بعض العراقيين ينتظرون في تلك اللحظة استثمار العبادي تعطيل البرلمان لـ"ضرب الفاسدين"نظراً للصلاحيات الواسعة التي سيتمتع بها، وهو طالما تذرّع بأنه مقيد ببعض السلطات التي فرضها النظام السياسي في العراق.
وذهب طموح بعض العراقيين الذين كانوا غاضبين مما آلت اليه نتائج الانتخابات والحديث عن تزوير كبير، الى الطلب من العبادي وقتذاك، بتجميد الدستور وإعلان حكومة طوارئ، واعتقال النواب المتهمين بقضايا مختلفة خصوصا أن الحصانة قد رُفعت عنهم.

نهاية العدّ والفرز
بعد الإعلان عن انتهاء عمليات العد والفرز اليدوي في آب الماضي، بدأ مارثون تشكيل الكتلة الاكبر والحكومة، وعلى خلاف المتوقع ترك العبادي ملف الفساد، وذهب بحسب نواب، الى تغييرات واسعة في المناصب الحساسة بالدولة.
وفي آخر شهرين من حكومته عيّن العبادي نفسه رئيساً لهيئة الحشد الشعبي، بعدما أقال حليفه السابق فالح الفياض، تزامناً مع إعلان الأخير الانشقاق عن التحالف الذي يقوده رئيس الوزراء السابق (النصر) والانضمام الى جبهة هادي العامري (الفتح).
وفي الشهر الاخير، تشرين الاول الماضي، عيّن وزير الداخلية السابق قاسم الاعرجي مستشاراً للامن الوطني، كما عيّن وزير النفط السابق جبار لعيبي رئيساً لشركة النفط الوطنية.
وفي أول صدام غير مباشر سُجِّل بين رئيس الوزراء المنتهية ولايته آنذاك حيدر العبادي والمكلف حينها بتشكيل الحكومة الجديدة عادل عبد المهدي، توعد الأخير بإبطال إجراءات الاول واعتبرها"غير دستورية"ولا تدخل ضمن صلاحيات تصريف الأعمال اليومية.
وقال عدي عواد النائب عن تحالف الفتح لـ(المدى) في ذلك الوقت ان"مافعله العبادي في أيام حكمه الاخيره هو إرباك للحكومة المقبلة". وأضاف:"نحن في البرلمان لايمكن توريطنا بالإجراءات الأخيرة، كل مانحتاجه جلسة واحدة لنلغي كل شيء".
ودعا تحالف البناء وقتذاك، الى منع التعيينات"غير القانونية"والتنقلات وإبرام العقود وتخصيص العقارات خلال الفترة الحالية.

برنامج عبد المهدي
وفي منهاج حكومة عادل عبد المهدي المكون من أكثر من 120 صفحة، جاءت الديباجة نارية، حيث أشار مرة أخرى الى رفضه القبول بالإجراءات الأخيرة التي اتخذتها حكومة تصريف الأعمال.
وفي الشهر الماضي أصدر البرلمان قراراً خاصاً بنفس الشأن، وأوقف كل إجراءات الحكومة السابقة في آخر 4 أشهر من عمرها. كما طلب البرلمان من رئيس الوزراء الجديد وحكومته النظر بتلك القرارات واتخاذ ما يلزم بشأنها وفقاً لاأحكام الدستور والقوانين النافذة.
وفي الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء، يوم الثلاثاء الماضي، قرر الاخير"إيقاف العمل بقرارات وتوجيهات مجلس الوزراء ورئيس مجلس الوزراء السابقين للمدة من 1/7/2018 إلى 24/10/2018".
وقال بيان للحكومة انه:"على الوزراء خلال ٧ أيام تقديم تقييم للقرارات التي صدرت عن مجلس الوزراء (السابق) او رئيس الوزراء او الوزير كل بحسب اختصاصه الى اللجنة المشكّلة وعلى اللجنة البتّ بالقرارات خلال فترة قصيرة محددة".
وقد يمس القرار مبلغ لـ3 ترليونات دينار الذي وعد به العبادي البصرة أثناء أزمة الصيف الماضي وهو مايهدد عودة الاحتجاجات، كما يمكن ان يطول التجميد العقد المبرم مع شركتي سيمنز وجنرال إلكتريك للطاقة، وكلا الإجراءين اتخذا في الفترة التي طالب فيها عبد المهدي بتجميد القرارات.
ويأمل النائب فلاح عبد الكريم، عضو لجنة الاقتصاد في البرلمان في تصريح لـ(المدى) أمس أن"تستثي الحكومة بعض الإجراءات وخاصة المتعلقة بالخدمات المهمة المقدمة للمواطنين".
وكان العقدان المبرمان سينهيان في المستقبل استيراد العراق للطاقة والغاز من إيران لتشغيل عدة محطات كهربائية، وعكس ذلك سيكون على بغداد إقناع واشنطن في تمديد فترة الـ(45 يوماً) لاستغناء العراق عن الطاقة الإيرانية.
وقال عبد المهدي يوم الثلاثاء الماضي، إن العراق"ليس جزءاً"من العقوبات الامريكية المفروضة على إيران"، مبيناً أن"وفداً عراقياً سيذهب قريباً الى واشنطن لمناقشة وحل موضوع هذه العقوبات".
من جهته قال النائب عن تيار الحكمة علي البديري لـ(المدى) امس ان"قرار البرلمان السابق بتجميد إجراءات حكومة العبادي كان يركز على التعاقدات غير القانونية التي أبرمت في تلك الفترة".
وأكد النائب أن الحكومة الجديدة والبرلمان غير راضيين على بعض التعيينات والتنقلات للدرجات الخاصة في آخر عمر الحكومة السابقة.

العبادي يعلق
وفي مساء يوم أمس، أبدى رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، استغرابه من إلغاء مجلس الوزراء الحالي قرارات أصدرتها حكومته.
وقال العبادي في بيان تلقته (المدى):"نبدي استغرابنا الكبير من القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في جلسة يوم 11 كانون الاول 2018 المتضمن إيقاف العمل بقرارات وتوجيهات مجلس الوزراء ورئيس مجلس الوزراء للفترة الاولى من تموز الماضي ولغاية الـ24 من تشرين الاول الماضي، الذي يعدّ إجراء لا يتناسب مع مفاهيم دولة المؤسسات التي يجب أن يسير عليها البلد".
وأضاف"إننا نؤكد أن ما قام به مجلس الوزراء يعتبر سابقة خطيرة سيؤسس لحالة إرباك تتمثل بإيقاف عمل الحكومة كليا وعدم اتخاذها أي قرار بعد إجراء الانتخابات ويمكن ان يمتد الى إلغاء كل قرارات الحكومة السابقة من قبل اللاحقة"، معتبرا ان"ذلك يمثل تعطيلا لمصالح المواطنين وستعاني الحكومة الحالية التي اتخذت هذا القرار منه لأنه سيمثل طعنا لقراراتها الحالية خصوصا أنها حكومة منقوصة العدد ومطعون في بعض وزرائها كما أن آلية اختيارها شابتها مخالفات دستورية".
وتابع العبادي إن"جزءاً من القرارات التي تم إيقافها كانت تخدم المواطنين ومنها إيقاف إطلاق التخصيصات لجميع المحافظات العراقية ومنها محافظة البصرة من البترودولار لتنفيذ أعمال الخدمات وصرف حصة البصرة من إيرادات المنافذ الحدودية والتخصيصات والإجراءات التي تم اتخاذها بخصوص مطالب أهالي محافظات البصرة وذي قار وميسان والنجف وكربلاء وبابل والمثنى والديوانية وواسط وبغداد ونينوى والأنبار"، لافتاً الى أن"هذه القرارات تتضمن صرف دفعة طوارئ لشهرين الى العوائل المتعففة في البصرة وإنشاء محطات لتحلية المياه فيها وتخصيص قطعة أرض سكنية للشباب الرياضيين الحاصلين على أوسمة ذهبية أو فضية أو برونزية وإيقاف تخصيص أرض بمساحة واسعة لدار الأيتام في محافظة النجف الاشرف وتعليمات التعيين على الملاك وتخصيص أراض للمعلمين وغيرها من القرارات الخدمية".
وشدد العبادي على"أهمية إبعاد الامور السياسية عن مصالح المواطنين"، محذراً من"أن مثل هكذا قرارات غير مدروسة ويغلب عليها الطابع السياسي ولمصالح ضيقة ستؤدي إلى حالة فوضى في العمل الحكومي".
ودعا العبادي الحكومة إلى"أن لا تنجرّ لمثل هكذا قرارات تنعكس سلباً على الامور العامة والخدمات في البلد لصالح المواطنين".
وطالب العبادي بـ"التراجع عن القرار"، محملاً"رئيس ومجلس الوزراء نتائج ذلك لا سيما أن كل الشرائح العراقية سيكون لها موقف قد ينعكس سلباً على مسار عمل الحكومة خاصة أنها في أول خطواتها".

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top