وزارة داعش الناعمة

آراء وأفكار 2018/12/18 06:32:24 م

وزارة داعش الناعمة

سليم سوزه

يتساءل كثيرون من أين أتت داعش، فيحيلها بعضهم الى الأسباب السياسية والاقتصادية والإجتماعية، فيما يلصقها آخرون بالنصوص الإسلامية العنيفة التي إنطوت عليها المدونة الفقهية بشقيها السنّي والشيعي. كل هذه الأسباب صحيحة إلّا أن أخطرها وأكثرها وضوحاً في إنتاج المنظمات الدينية المتطرّفة هي نصوص الدين نفسه، تلك التي تتسلل إلينا عبر أشكال خطابية متعددة، بعضها صريح ومباشر وأخرى بلغة مُرّمَزة غير مباشرة.
إن كان من السهل معالجة الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتحجيم العنف الديني، فأنه من الصعب جداً معالجة تلك النصوص الدينية التي تبشّر للجماعات المتطرّفة وتبرر لها عنفها المقدّس، ذلك لأن هذه النصوص غير قابلة للنقاش أو النقد عند أصحابها، وأي مراجعة نقدية لها ستستفز جمعاً مؤمناً إعتاد أن يعبد نصاً بدلاً من عقل.
منهاج الدين لطلبة الصف الخامس الإبتدائي في العراق والذي أثيرت بشأنه ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً ما هو إلّا مثال لذلك العنف المُرَمَّز وغير المرئي، عنف ناعم يستهدف إثارة طالبات لم تكتمل أسنانهن الدائمية بعد، ضد طالبات أخريات جريمتهن فقط أنهن غير محجبات. إذ تقول إحدى صفحات كتاب الدين هذا وعبر بيت شعر سخيف ومبتذل "حجابي فريضة .. وأني الصحيحة وغيري المريضة". كما تزدري تلك الصفحة المتعلمين ناشري "الأفكار المادية والصيحات الغربية التي حرصت على تشويه الحقائق وجعلت من العلم والسفور توأمان لا يفترقان ...".
هل هذا الكتاب سوى تحريض على "الآخر"؟
هذه محاولة رخيصة تحاول من خلالها طبقة إسلاموية مُتَدَعْشِنة وفاشلة مَرْكَزة قضية الحجاب بوصفها إحدى أهم المشاكل التي يدور حولها الصراع الحضاري بين الإسلاميين والعلمانيين. في حين ليس الحجاب سوى حرية شخصية تختارها البنت بإرادتها حين تنضج وليس بقمعها او تلقينها الكراهية ضد زميلتها غير المحجبة. تخيلوا المرور على هذه الصفحة في صف فيه فتاة صغيرة غير محجبة وسط أغلبية محجبات. كيف ستنظر إليها زميلاتها المحجبات عند قراءة هكذا نص؟ كيف ستنظر هي لنفسها وسط هذا الجو العدائي لشعرها؟ ستقول "داعش الناعمة" أنها بالنهاية ليست فرضاً وأنما وسيلة سلمية مثلى للضغط على غير المحجبة من أجل تعليمها شؤون دينها وتثقيفها في ما فشل فيه والداها. لكنه سرعان ما ينقلب هذا التبرير الى شيءٍ آخر لو كان قد حصل العكس وإتجه مثل هذا العنف الرمزي ضد محجبة في صف ذي أغلبية غير محجبة. المصيبة الأكبر لو حصل هكذا أمر لمحجبة في بلدٍ غير إسلامي، فستقوم قيامة هؤلاء الداعشيين وتُشن حرباً ضد القيم الغربية التي تحارب "الاسلام الحنيف" وتنكّل بالمحجبات المضطهدات علناً بلا رحمة.
لقد علّق وزير التربية العراقي في إحدى المجموعات الواتسابية المغلقة أن بيت الشعر أعلاه قد حُذِف من المنهج قبل سنتين، وإنه من الصعب على الوزير فرض رأيه على لجان متخصصة وضعت المناهج التربوية بالاتفاق مع الوقفين السنّي والشيعي. مع ذلك، لم يعطنا رأيه بما كُتِب في ذات الصفحة التحريضية ضد "ناشري القيم الغربية" لأنه، ببساطة شديدة، لا يراها مشكلة في الوزارة الداعشية الناعمة التي يرأسها، بل قل حكومة داعشية ناعمة لا همّ لها سوى تحويل الصراع الخدماتي-السياسي الى صراع وهمي بين مؤمنين وكفّار. لا ألومه شخصاً ووزيراً، إنما ألوم تلك البنية الإسلاموية المتحكمة به وبتفاصيل حياتنا اليومية عبر مؤسسات مؤدلجة تبدأ من المدرسة ولا تنتهي عند المنظومة الأمنية والعسكرية.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top