العراق : من يمتلك القوة ؟

آراء وأفكار 2019/01/01 06:35:10 م

العراق : من يمتلك القوة ؟

علاء حميد*

حدثني سائق التاكسي الذي ركبت معه يوم الجمعة الماضية، حين كنت قاصداً إحدى أحياء بغداد لكي أعود صديقاً أجرى عملية لقلبه، انه تفأجى في أحدى الايام وهو سائر بسيارته في منطقة المشتل؛ واذا بالشارع الذي هو فيه، قد أغلق بسبب وقوع خلاف كاد يصل الى حد الصدام المسلح بين حمايات " الحجي" الذي لا يعرف من هو، واحدى مفارز الشرطة الاتحادية، لا ينسى رد فعل حمايات الحجي على ما قام به أفراد الشرطة حين أوقفوا سيارته – الحجي – لغرض التفتيش، واذ بهم يجلبون سلاحهم المتوسط والخفيف لتأديب هذه المفرزة ومن فيها، كما ظل في باله – السائق – ما كان يردده أفراد حمايته " ترى الحجي زعل " والذي ظهر واقفا بقامته القصيرة بينهم يحرك سبحته دون كلام.
بعد أن انتهى هذا السائق من سرد هذه الواقعة تساءل على بساطته، كيف يمكن لأفراد حماية شخص معين معاقبة أفراد إحدى الاجهزة الامنية التابعة للدولة، دفعني حديث السائق نحو التفكير بمعنى آخر لتساؤله حول من يمتلك القوة في العراق اليوم ؟، قد لا أستطيع الاجابة المباشرة عليه ولكن امتلك القدرة على التفكير به .

القوة قبل 2003 : محتكرة ومتركزة بيد السلطة " بيده "
بالامس القريب كان العراقيون يطلقون مقولة " بخت الحكومة " حين كانت تسير الأمور في المرافق العامة، على الرغم من تقاعس الموظفين عن أداء واجبهم ، وحين يطول إنجاز قضية كانوا يقولون " نفس الحكومة طويل " وبين بخت الحكومة ونفسها تحضر القوة بردعها والخوف من الاصطدام بها، ولذلك حرص العراقيون على تجنب سخطها بشتى الطرق " الواسطة ، الرشوة ، الولاء له " ، الواضح عند العراقيين إن مصدر القوة وامتلاكها بيد شخص واحد حتى لو ادعى غيره بذلك، بل مقدار الولاء له هو ما يمنح الموالي هامشاً من الاقتراب ونيل جزء بسيط منها، ولذلك شهد العراقيون، كيف يمكن لشرطي بسيط أو عضو في حزب السلطة يمتلك تمثيل قوتها، التحكم بمنطقة ما واهلها.
بقيت القوة بيد السلطة وحاكمها لغاية تسعينيات القرن الماضي، لتقع بعدها في محنة ترهلها بسبب ما مرّت به من أزمات، افرغتها من مضمونها،؛ ولذلك باتت تبحث عن مضمون جديد يعوضها ما فقدته طوال تلك الازمات، لم تجد غير الدين مصدراً تحاول من خلاله استعادة قوتها، حيث عملت على اطلاق حملة إيمانية لعلها تسترد من جديد قوتها وهيبتها عند المجتمع ، ومضت في ذلك لتفتح باباً كانت تظن إنها تقوى على إدارته دون الالتفات الى أن الفعل يستوجب رده، فحين اعتمدت على لون معين من الجانب الديني في الحملة الايمانية استلزم الرد من جانبه الاخر ، واخذت رويدا تفقد السلطة زخم قوتها ؛ لانها انحازت ولم يبقى عندها من القوة الا صورتها المادية التي تقتل بها.
ثم بعد ذلك أخذت هذه القوة المادية تواجه أزمة الديمومة؛ بسبب الانهاك الذي تركه تكرار الازمات والانفصال عن المحيط الداخلي والاقليمي لرأس السلطة ، كذلك أخذت تضمر وظيفة المؤسسات التي تمثل رصيداً معنوياً ومادياً لقوتها وزخمها، وأصبح الفساد والمحسوبية هما الدافع لاداء تلك المؤسسات لوظيفتها ، لقد فقدت السلطة قوتها ووقعت في مسار انتظار لحظة سقوطها وتمّ ذلك، وتحولت القوة الى عامل كامن ينتظر من يفعله بشكله المناسب لشكل النظام الجديد.

القوة بعد 2003 : متناثرة بين جماعات وقوى " بيدهم " :
بات اليوم حديث العراقيين عن شؤونهم العامة يختتم بعبارة " تاييهة - خربانة " ، وهي عبارة حاضرة في أحاديثهم حين يفرغون فيها غضبهم عما وصلت اليه أحوالهم، إذ لا يمكن لهم الشعور بالنظام في أي مفصل من مفاصل الحياة اليومية، فالسير في أي شارع من شوارع بغداد او المدن الاخرى ماشياً أو راكباً سوف يحيلك الى تقبل تكرار معنى تلك العبارة التي غالبا ما ينهون بها أحاديثهم " خربانة - تاييهة " .
الخراب والتيه هما الإطار العام الذي تناثرت فيه القوة بين جماعات وقوى ذات طابع غير رسمي، إذ دائماً ما تحل معوقات مراجعة أي دائرة رسمية لها علاقة بمؤسسات الدولة من خارجها، باللجوء لمن ينتمي لتلك القوى، ولذا أمسى يحل ما هو رسمي قانوني بغير غير الرسمي، وحين نبحث عن مكانة مؤسسات السلطة عند افراد المجتمع نجدها ملحقة في خيالهم لتأثير احدى القوى التي تمتلك القوة، فعندما يضطرون للاحتكاك بتلك الدوائر فهي في بالهم خاضعة لنفوذ احدى تلك القوى.
ولهذا ثمة سؤال " هل يخاف الناس اليوم من السلطة ؟" وقد يكون طرحه غريباً على من عاش زمن تحكم النظام السابق في القوة بشكلها المستبد، الخوف هنا منشأه الردع وعدم تجاوز النظام خوفاً من العقوبة القانونية، الواضح يرى العراقيون كل يوم صور تكرس عندهم عدم الخوف من السلطة، ولكنهم في نفس الوقت يتحاشون خوفاً من الاحتكاك بقوى أخرى تمتلك القوة والاخضاع، بل يصل بهم الحال، الخوف من أبداء أي رأي نقدي اتجاه سلوكها، تظهر حياة العراقيين معلقة بين الخوف واللاخوف إذ كانوا واقعين تحت طائل جمهورية الخوف ثم بعد ذلك انتقلوا الى سلطة اللاخوف، وما بين الاثنين تبقى حياتهم غير واضحة المعالم، يظن البعض إن امتلاك القوة هو باستعادة نموذجها السابق، وهذا ما يظهر الحال الجديد بعد 2003 عاجزاً عن امتلاك القوة في سياق السلطة لأنه لا يميز بين شكل القوة المطلوب وطريقة استعمالها ، الغريب إن مقومات انتاج القوة متوفرة، ولكن الخلل يكمن في غياب إرادة امتلاكها وتوظيفها في صالح تكوين الدولة ومؤسساتها، لقد بات التشظي والانقسام هما الحافز لخروج القوة من يد السلطة وانتقالها عند من هم خارجها، وهذا ربما يكون أحد أسباب الحنين الضامر عند فئات من العراقيين الى المركزة والسلطة القوية، والذي أخذ يظهر في تذكر ملامح القوة السابقة، نحن اليوم نواجه التفريط بفرصة بناء نموذج مستقر، بالاعتماد على جماعات وقوى هي لا تريد للدولة أن تصبح واقع حال ينتبه الى أهمية القوة من داخل الدولة وقوانينها، بل أن التشظي والانقسام هما الحال المناسبة لتلك القوى وديمومة وجودها، ولهذا أصبح تكرار عبارة " تاييه وخربانه " معياراً لبقاء السلطة الجديدة بلا قوة .

* باحث أنثروبولوجي

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top