سؤال التنوير..الكل يُحسب كواحد و لا أحد يُحسب أكثر من واحد

سؤال التنوير..الكل يُحسب كواحد و لا أحد يُحسب أكثر من واحد

|   الحلقة الخامسة   |

 علــي حســـين

من بين كل الحكومات التي تقرر مصير الانسان وفي عقر دار عدة دول معظمها استبدادي توجد سلطة محددة تتحكم في العقول فقط.. تلك السلطة نطلق عليها اسما شريفا هو الجمهورية لانها تحافظ على قدر من الاستقلالية ولانه من صميم جوهورها انها تترك الفرد حراً. انها سلطة الموهبة والفكر، ان اعضاء هذه الجمعية يشكلون صنفا مميزا بما لهم من فضل ويكتسبون سمعة تضاهي في ألمعيتها ما للقوى العظمى على الارض".

جيرمي بنتام


أخبر أصدقاءه وهو على فراش المرض أن يحافظوا على جسده من التلف، فهو بالنسبة له أشبه بإيقونة تُذكر الناس بان صاحب هذا الجسد النحيل عاش حياته يدافع عن السعادة، في شبابه صاغ مبدأه عن المنفعة وخلاصته :"ينبغي أن تفعل كل شيء بهدف ضمان أعظم قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس.. كان جيرمي بينتام الذي عاش أربعة وثمانين عاماً حاول خلالها أن يخلق بيئة صالحة تحل محل البيئة الفاسدة..ووضع بذلك المسودة النهائية لمهمة عظيمة هي الهندسة الاجتماعية. وكان رأي بينتام أن يقوم الفيلسوف بهذه المهمة نيابة عن الطبقة السياسية التي كان يعرفها جيداً، فهذه الطبقة تتابع وتناقش ما يجري حولها، وبسبب تمتعها بامتيازات خاصة، فإنها ترى في البيئة الفاسدة المكان الأفضل لها، وقد أدرك بنتام عجزه عن اقناع هذه الطبقة بقبول الإصلاحات التي يبشر بها، ولهذا كان لابد أن يلجأ الى الناس لمساعدته في تحقيق هذا التحوّل.. ولم يمض وقت طويل حتى خرج ببيان ينادي بالديمقراطية، ويدعو الى اعتماد مبدأ الاقتراع العام في اختيار السلطات، وضرورة إجراء انتخابات ضماناً لتناوب الحكام في شغل المناصب الرئيسة، وفي السبعين من عمره أعلن بنتام بصراحة أن على الجماهير أن تجري التغيرات التي لاتريد الطبقات المترفة الإيمان بها.
ولد جيرمي بنتام في الخامس عشر من شباط عام 1748 لعائلة ميسورة، والدته مغرمة بالمسرح، تقرأ أعمال شكسبير ومارلو، وبسبب شغفها هذا قررت أن تنشِئ مسرحاً صغيراً في ركن من أركان حديثة المنزل حيث كانت تمارس هوايتها في التمثيل، وكانت ترى بابنها ذي السنوات الأربع إنه ناضج عقلياً فقررت أن تعلمه اللاتينية، وحلمت أن يصبح يوماً كاتباً مسرحياً كبيراً، إلا أن الأب وجهه ابنه في النهاية باتجاه مهنة المحاماة، فدرس القانون في جامعة اكسفورد، وقد وجد في دراسة القانون الكثير من الأسئلة التي يجب أن تُطرح للنقاش..وكان من أبرزها : ما غرض القانون؟ هل الغرض مرغوب فيه؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل القانون أو النظام القضائي يكفلان في النهاية تحقيق هذا الغرض، والأهم كيف نحكم على القوانين من وجهة نظر منفعتنا الذاتية.
إن معيار المنفعة الذي نادى به بنتام كان يتلخص بكلمات قليلة وهي :"كيف يمكن تحقيق السعادة لأكبر عدد ممكن من الناس". فالقانون الصحيح بنظر بنتام هو الذي يجلب القدر الأكبر من السعادة للمواطنين. ولتحقيق هذا المبدأ طالب بنتام بان يتم إصلاح قوانين إنكلترا حتى تكون قابلة لتحقيق قدر أكبر من السعادة.
لكن ما هي السعادة التي ينادي بها بنتام؟ نعرف جيداً إن الناس تستخدم كلمة سعادة بطرق واستعمالات مختلفة..إلا أن بنتام كانت له إجابة أخرى فالسعادة في نظره هي المتعة وغياب الألم.. وكلما كانت جرعة المتعة التي يتلقاها الناس أكثر من الألم، فذلك يعني إن المجتمع يعيش في سعادة أكثر. ويقر بنتام إن الطبيعة منحتنا المتعة والألم كدليل على استمرار الحياة.وعلينا من أجل الارتقاء بالمجتمع أن نبحث عن المتعة ونتجنب الألم وآثاره الكارثية.فـ :"المتعة هي الشيء الوحيد الجيد في حد ذاته، كل شيء آخر نرغب فيه لأننا نعتقد إنه يجلب لنا المتعة و يساعدنا على تجنب الألم".
لقد اهتم بنتام في البداية بالإصلاح الاقتصادي، ولم يكن في بداية الأمر متحمساً للديمقراطية التي كان ينظر إليها في شبابه بأنها لغو فارغ، إلا أن عدم الاهتمام بخططه في إصلاح القانون ومعارضة الطبقة السياسية له، جعله يرفع شعار الإصلاح السياسي، ليذهب به في نهاية المطاف الى المطالبة بالغاء النظام الملكي، والغاء مجلس اللوردات، وإبعاد الكنيسة ورجال الدين عن شؤون السياسة، وإدخال حق التصويت العام وتداول الحكم.. كان موقف بنتام مما يجري في انكلترا يشبه مواقف فلاسفة التنوير الفرنسيين في ضجرهم من التقاليد والقوانين السائدة وإيمانهم أن كل شيء سيكون أفضل إذا ساد العقل، فالعقل يمكن أن يبين للناس كيف تعمل الطبيعة، وكيف يمكن أن يهدي الناس الى القوانين التي تحفظ لهم إنسانيتهم.
إن المبدأ الأساس في نظرية بنتام هو إن الناس تنشد المتعة وتتحاشى الألم، وحيث إن هذه هي الحقيقة، إذن وجب قبولها كخير اخلاقي، ومن ثم فإن جوهر الحكم هو صوغ نظام للثواب والعقاب، بمعنى أن أي عمل يؤديه الفرد ويكون مقبولاً اجتماعياً واخلاقياً يثمر له دائماً قدراً من اللذّة أكثر من الألم، وكذلك فإن أي عمل غير مقبول اجتماعياً وأخلاقياً ينبغي أن يعود عليه دائماً بقدر من الألم، ويصر بنتام على صياغة قادة قانونية تحكم المجتمع يكون فيها العقل هو الذي يهدينا الى أي قرار، فالسرقة مثلاً يجب معاقبتها لأنها تجلب ألماً للضحية، كما تجلب ألماً في صورة خوف وقلق يصيب كل من يعلم بأمر السرقة، (إذ يخشى أن يحدث لهم نفس الشيء) ويتجاوز الألم هنا حجم الربح الذي يجنيه اللص. لكن العقل يقول إن أفكاراً عن الخطيئة واللعنة والندم وما شابه ذلك من مشاعر تجاه السرقة هي هراء لامعنى له.
كثيراً ما ترك بنتام مسودات لكتب لم تكتمل، ونشر بعض كتبه بمساعدة أصدقاءه وتلامذته، حيث، ظهر جزء من كتابه"المجمل في الاقتصاد السياسي"عام 1793 وظهر كتابه"مقدمة لمبادئ الأخلاق والتشريع عام 1879 وكان يهدف الى أن يجعل من هذا الكتاب موسوعة بعدة أجزاء، فيما نشر كتابه"مغالطات فوضوية"عام 1791، وفي عام 1812 نشر تلميذه جيمس ميل كتاباً بعنوان"وجهة نظر تمهيدية عن الأساس العقلي للبرهان"ويضم عدداً من بحوث بنتام، وفي عام 1825 نشر ميل أيضاً خمسة مجلدات لأبحاث بنتام في التشريع، كما أعطى بنتام اهتماماً للقانون الدستوري فنشر عدداً من المؤلفات في هذا المجال، فيما نشر عام 1816 كتاب أبحاث في التربية، وبعدها نشر تلميذه جيمس ميل مجلدين تضمت مذكراته وكتاب علم الأخلاق
توفي بنتام في السادس من حزيران عام 1832 تاركاً وصية والتي طالب فيها بتشريح جثته لصالح العلم، وبعد ذلك تحنيطها وعرضها للناس
انشغل بنتام بأسئلة من عينة كيف لنا أن نقيس السعادة؟ وهو يدعو كل إنسان أن يتذكر وقتاً كان فيه سعيداً جداً. ليعرف كيف كان إحساسه؟ وهل يمكن إعطاء رقم كعلامة على مدى سعادة الإنسان؟.
كان"حساب فليسيفيك"هو الاسم الذي أعطاه لطريقته لقياس السعادة. أولاً احسب كمية المتعة التي يمكن لفعل ما أن ينتجها، خذ بعين الاعتبار المدة التي يمكن لهذه المتعة أن تدوم، و قوتها و إذا ما كان بإمكانها أن تخلق متعاً أخرى. ثم اخصم وحدات الألم التي يمكن لهذا الفعل أن يحدثه. ما سيبقى لديك هو قيمة السعادة لهذا الفعل. كان بنثام يسمي هذه القيمة"نفعية"الفعل لأنه كلما جلب فعل ما سعادة أكثر كلما كان أكثر فائدة للمجتمع. و لهذا تعرف النظرية بالنفعية. قارن بين نفعية فعل ما و نتائج أفعال أخرى، و اختر الفعل الذي يجلب سعادة أكثر. إنها عملية بسيطة.
لكن ما هي مصادر المتعة؟ بالنسبة لبنثام. لا تهم الطريقة التي نحصل بها على المتعة على الإطلاق. بالنسبة إليه فحلم اليقظة لا يختلف عن مشاهدة مسرحية لشكسبير إذا كانوا يجعلونك سعيداً بطريقة متعادلة.
كانت نظرية بنتام في النفعية تبدو للبعض متطرفة نوعاً ما ولعل أحد أسباب هذا التطرّف هو أن سعادة كل الناس هي متساوية في قياس السعادة، و حسب تعبير بنثام:"الكل يُحسب كواحد و لا أحد يُحسب أكثر من واحد". لا يحصل أي أحد على تعامل خاص. لا يجوز أن يحصل الأرستقراطي على مقدار من السعادة بأكثر من سعادة العامل الفقير.
ظل بنتام طوال حياته منغمساً في مشاكل عصره، متحمساً لإيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية التي كانت تحيط به. وسيأتي من بعده تلميذه جون ستيوارت ميل ليقدم نظرية جديدة عن السعادة والحرية.
********

يقرر وهو في الثالثة والخمسين من عمره ان ينشر كتابا سيضع له عنوانا :"عن الحرية"، وفي سيرته الذاتية بخبرنا جون ستيوارت ميل :"إذا كان هناك شيء كامن في قرارة أنفسنا ونحاول التعبير عنه، فلا بد أن نجد أولاً شكلاً من أشكال الحرية، وبعبارة أدق أن نستحضر الحرية أولاً". كان ستيوارت ابناً وحيداً للسيد جيمس مل، الصحفي والمترجم ومدير لشركة الهند الشرقية، لكنه ترك كل هذا وقرر التفرغ للعمل مساعداً للفيلسوف الأنكليزي جيريمي بنثام صاحب المواقف المؤيدة لحرية الأفراد والفصل بين الكنيسة والدولة والمساواة في الحقوق، ويذكر كاتبو سيرة بنثام إنه عرف منذ صغره بذكاء خارق، إذ تمكّن من تعلّم اليونانيّة واللاتينيّة، ولم يتخطّ عامه الرابع، ولقّب بـ"الفيلسوف"عندما كان في الخامسة من عمره، وهو الأمر الذي أراد جيمس ميل لابنه ستيوارت أن يسير على خطاه، حيث كان يفخر الأب أن ابنه يتقن اللاتينية والانكليزية والفرنسية، وهو لم يتجاوز الثالثة من عمره، ومثل بنثام أصر الأب أن يطلق على جيمس الابن لقب فيلسوف وهو في السابعة من عمره، حين ناقش معه كتاب التأملات لديكارت.
ولد جون ستيوارت ميل عام 1906، ومن الثامنة من عمره وحتى الحادية عشرة حفظ معظم الأدب اليوناني، وفي الثالثة عشرة تفرغ لقراءة أعمال أرسطو، ويخبرنا في سيرته الذاتية إن كتاب ألف ليلة وليلة كان مصدراً مهماً من مصادر ثقافته حيث زوده هذا الكتاب بالخيال، ونجد والده يكتب الى الفيلسوف بنثام :"ما من خاطر يفزعني ويحمل الضيق الى نفسي، كما يفزعني ويضايقني خاطر الموت، فأرى أني أفارق هذا العالم وعقل الصغير لم يتكون بعد، فإن رحبت مسروراً برعايتك له وتربيته، فلأنه وريثنا الخليق بكل منا"فيوعد بنثام بكفالته ورعايته، وفي السادسة عشرة من عمره يتحمس للمذهب النفعي الذي أراد بنثام أن يرسخه كفلسفة في مجال الأخلاق، ويذهب جيمس بعيداً فيشكل جمعية تبشر بالمذهب النفعي، وأخذ ينشر المقالات مبشراً بفلسفة استاذه بنثام، إلا أن مذهب النفعية أخذ على يديه معنىً جديداً، فأنكر أن تكون السعادة غاية مباشرة أو شعوراً قائماً، فحالما تسأل عما إذا كنت سعيداً، توقف شعورك بالسعادة بانصرافك إلى السؤال وجوابه، كما تبين كيف يروض الألم فيحوله إلى إحساس بلذة الحياة وما فيها من متع.
ويروي لنا جيمس، كيف أراد أبوه أن يجعل منه رجل منطق صارم. لكن المشكلة، أن الابن سرعان ما تبدّى رجل عاطفة سريع التأثر مهتماً بالفكر الإصلاحي وعازماً على العمل في سبيل مصلحة شركائه في المواطنة. مقابل الصورة الفكرية الخالصة التي أرادها الأب للإبن، عمل هذا على أن يجعل لنفسه صورة المفكر المناضل.
في موسوعته عن تاريخ الفلسفة يوصينا فريدريك كوبلستون"أن لانكتفي بالحديث عن جون ستيوارت ميل باعتباره منظراً لمفهوم الحرية، بل ينبغي أن نضع كتاباته مقابل كتابات هيغل وكونت، فقد استطاع ثلاثتهم أن يبحثوا عن الحرية ضمن مسار التاريخ، وإذا كان اهتمام هيغل وكونت منصباً في الدرجة الأولى على مسار العقل والأفكار، فقد كان اهتمام ميل يتركز على المسائل التي في ترتبط بعلاقات الإنسان بمجتمعه، فقد كان يرى أن الحرية هي الصورة الوحيدة للوجود الإنساني.عندما بلغ جون ميل الخمسين من عمره أخذ يراجع تفكيره في فلسفة بنثام، حيث نجد أن أفكار سان سيمون تستهويه وخصوصاً فكرته التي تقوم على إعادة تنظيم المجتمع عن طريق العلم والمعرفة، وفي موجة الحماس يعلن أن المثال الذي ينشده مذهب سان سيمون هو أرقى ما يمكن أن ينشده المجتمع الإنساني لتقدمه وارتقائه، ونجده يتجه الى ربط حرية الفرد بمصلحة المجموع. يقسم ميل كتابه"عن الحرية"الى خمسة فصول يمهد أولها لفكرة الحرية ويخصص الثاني لحرية الفكر، والثالث يناقش مفهوم الفردية كعنصر من عناصر الحياة الطبيعية، وفي الفصل الرابع يناقش حدود سلطة الفرد على المجتمع، وفي الفصل الخامس يجري تطبيقات حول المبادئ والأفكار التي طرحها في الكتاب. في مقدمة الكتاب يحدد ميل الغرض من تأليفه كتاب عن الحرية :"لا يتناول هذا الكتاب ما يسمى حرية الإرادة، وهي التي تتعارض مع ما يدعى خطأ بفلسفة الضرورة، ولكنه بحث في الحرية المدنية والاجتماعية، وطبيعة الحدود التي يمارسها المجتمع شرعاً في سلطانه على الفرد، وهي مسألة قلما اتضحت أو كان من اليسير مناقشتها والكتابة عنها"، ويشرح ميل في الكتاب الأخطار التي تتعرض لها الحرية، فيؤكد إن أخطر ما يتعرض له الفرد هو استبداد مجتمعه، فقد درج الناس على تقاليد وعادات يرون في الإجماع عليها ما يسوغها، ويستوي في ذلك التقاليد التي تستند على العقل والمنطق، أو التي تخضع للهوى والوهم، ويتوصل ميل الى أن أكثر ما تتبدى لتلك العواطف والتقاليد ما يتعلق بالعقيدة الدينية، حيث يتجلى شعور الكراهية والحقد للمخالفين، ولهذا يجد ميل أن الحرية الدينية هي الضمان الوحيد لكل فريق في الدفاع عن قناعاته وإيمانه.. ويؤكد ميل إن التعصب لعقيدة ما، يقف حائلاً أمام حرية الفكر والضمير.ويعلن ميل إن سلطة المجتمع التي يمثلها العرف الاجتماعي وسلطة الحكومة التي يمثلها القانون هما ما يحملانه على تقرير مبدأ واضح بسيط، وهو لا يجوز التعرض لحرية الفرد، إلا لحماية الغير منه، أو لمنعه من الإضرار بغيره ويحدد ميل المنطقة التي تتحرك فيها حرية الفرد وتتمثل :
1- في حرية الضمير وما يتصل بها من حرية الفكر والعقيدة والتعبير والمناقشة بأوسع معانيها
2- في حرية الفرد في اختيار ما يوافق ذوقه ومزاجه، وتكييف حياته على ما يحب ويرضى ما دام لايتعرض للآخرين بأذى، حتى وإن جلب على نفسه الضرر
3- حرية الاجتماع دون إكراه لأي غرض
فما من مجتمع لا يحترم تلك الحريات ويكفلها إلا وهو مجتمع غير حر مهما كان شكل حكومته، فجوهر الحرية يقوم أصلاً على مساعدة الأفراد في السعي وراء مصالحهم أياً كانت هذه المصالح ما دامت لاتجلب الضرر للآخرين، فـ"الفرد سيد نفسه وبدنه وعقله". ولا تعاني البشرية من حرية ينطلق فيها الناس كما يرغبون ويحبون، كما تعاني من تكبيلهم بقيود يفرضها الغير.
ونجد ميل يوجّه نقده الشديد لنظرية كالفن التي تعتبر الإرادة وحرية الاختيار شراً مطلقاً، حيث يقول إن :"الكالفينية بدأت تتسرب الى أفكار الناس، فاعتقد البعض إن الحد من نوازع الإنسان وأهوائه هو عين ما ترضاه الإرادة الإلهية، ولكن إذا كان الدين يعرفنا إن الله خالق الإنسان حكيم عاقل، فأحرى بنا أن نعرف حكمة ما غرسه في نفوسنا منها، فنتعهدها ونرعاها، لنحقق من خلالها المثل العليا".
**********

 

شهد عصر التنوير تحولات كبرى في انتاج وطرح الافكار عن طريق الطباعة والنشر بصفة خاصة، حيث أنشئت مؤسسات اجتماعية جديدة اعتمدت على تبادل الافكار وليس على ظهور او تميز الطبقة الاجتماعية او الثقافية.اصبحت المعلومات والقدرة على النقاش على الملأ واحدة من الطرق التي يكتسب بها الشخص مكانته إذا كان لاينتمي إلى الطبقة الارستقراطية بالمولد.نشات في الوقت نفسه تجارة عالمية في السلع الاستهلاكية شملت المنتجات الثقافية المحمولة مثل الكتب والصحف واللوحات الفنية واصبحت الثقافة بصورة متزايدة، سلعة تجارية، وقد استكشف هذا التقدم في التحليل الفلسفي للتنوير بواسطة"هوركيهير وأدرورنو". ان سهولة الحصول على المعلومات وحضور المساجلات بالنسبة لعدد كبير أصبح عملا ربحيا كبيرا لم يقم به صفوة المجتمع من العاملين في التنوير، ولكن حشداً من محترفي الكتابة والتي لا نذكر اسم معظم اصحابها.حملت الفنون والاعمال البصرية ايضا والافكار لعدد كبير من المشاهدين غير المنتمين إلى الصفوة الاجتماعية.أدى كل هذا إلى خلق الرأي العام كقوة يمكن الاعتماد عليها.حيث اصبحت الثقافة جزءا من نظام دولي للتجارة والتبادل
دوريندا أوترام

ان الحكومة مشكلة يجب ان تعالج كما تعالج أية مسألة أخرى من مسائل الاعمال، فالخطوة الاولى هي تعريف الاغراض التي يطلب من الحكومات تشجيعها، والخطوة التالية هي الاستقراء عن اكثـر اشكال الحكومات ملاءمة لهذه الاغراض.فما دام العنصر الاول من عناصر الحكومة الصالحة هو مقدار ما يتمتع به من فضيلة وذكاء الافراد الذين يتكون منهم الجمع، فان اعلى شرف لاي شكل من اشكال الحكومات هو تشجيعه للفضيلة والذكاء عند افراد الشعب انفسهم. والسؤال الاول حول اية مؤسسة سياسية هو مدى اثرها في تنمية الصفات الاخلاقية والعقلية المرغوبة في افراد المجتمع. والحكومة التي تحقق ذلك على افضل وجه لديها الامكانية في ان تكون افضل الحكومات في جميع الاوجه..الفرد سيد على نفسه، على جسمه، على عقله.وهنا، فان النصيحة، والتعليم، والاقناع، هي الوسائل الوحيدة التي يستطيع المجتمع بواسطتها ان يعبر، معذورا، عن عدم رضاه او استهجانه لتصرف الفرد"

جون ستيوارت ميل


اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top