هل من عهد جديد مع الوزير الجديد؟ .. التعليم العالي وتجاوز السياقات الأكاديمية

آراء وأفكار 2019/01/20 06:29:54 م

هل من عهد جديد مع الوزير الجديد؟ .. التعليم العالي وتجاوز السياقات الأكاديمية

د. نجم عبدالله كاظم

1-2

( 1 )
بدايةً يجب أن أقول إني لست متفائلاً كثيراً بالتعليم العالي في عهد الوزير الجديد، مع بقاء مسؤولي التعليم العالي رؤساءَ جامعاتٍ، إذ لم نرَ منهم ما يدفع هذا التعليم إلى الأمام. مع هذا، وفي ظل احتمال ضعيف في أن أكون على خطأ تأتي هذه المقالة. وحين أعبّر عن محدودية التفاؤلٍ، فإني أبداً لا أعني شخص الدكتور قصي السهيل تحديداً، بل لأنني وجل أساتذة التعليم العالي والأكاديميين قد كُوينا مرات ومرات من قبل. فبعد خروج العراق من عنق زجاجة الطائفية عام 2008، والبداية البطيئة، ولكن الحثيثة، للتعليم العالي في السير نحو التعافي ليدعونا إلى التفاؤل بمستقبل جديد، تولّى الأستاذ علي الأديب وزارة التعليم العالي، فكُوينا بقراراته ومواقفه السلبية من الأكاديمية والأستاذ الجامعي التي أعادت التعليم العالي والجامعات إلى الوراء. وبعد عودة الوزارة إلى المسؤول الأكاديمي متمثّلاً في الدكتور الشهرستاني واستبشرنا به خيراً، كوينا مرة أخرى بسيره على خطى الوزير السابق. وحين تفاءلنا أخيراً بالوزير التالي الدكتور عبد الرزاق العيسى، كوينا هذه المرة بسلبيته ليغادر الوزارة وكأنه لم يدخلْها أصلاً. وهكذا أحجم جميع الوزراء السابقين تقريباً عن الإقدام على التغيير الجذري الذي يحتاجه التعليم العالي. هنا نستحضر قولة المالكي المكررة بأن الآخرين يريدون أن يعيدونا إلى المربع الأول. فمع أنْ ليس إلا القليلون كانوا يريدون العودة إلى المربع الأول، فإن الأفضل كان سيتحقّق للعراق والتعليم العالي، لو كانوا قد أعادونا فعلاً إلى المربع الأول وتحديداً مربع ما بعد بريمر. فليس صدفةً أو أمراً غير ذي دلالة أن التعليم العالي في العراق بعد أن كان قد صُنّف نهاية السبعينيات بكونه أحسن تعليم في جنوب آسيا والشرق الأوسط، ما عاد يحتل اليوم أي مكانة معتبرة في التصنيفات الجادة للتعليم العالي والجامعات في العالم، بل يعجز عن تخطّي إلا القليل جداً من سلبياته الكثيرة، ولننسَ اللافتة المرفوعة عند مدخل جامعة بغداد حول مركزها وفق تصنيف QS، فهو تصنيف سيّئ الصيت، والحقيقة أن تعليمنا العالي وجامعاتنا تغرق في الظواهر والممارسات والأوضاع السلبية.

( 2 )
ولأننا تعرّضنا لجل ما رصدناه من سلبيات من خلال أكثر من عشرين مقالة نُشرت في جريدة "المدى" خلال سنتَي 2014 و2015، وضمها كتابنا "التعليم العالي في العراق إلى أين؟"، لا نجد من حاجة هنا إلى العودة إليها جميعاً، بل نُجمل أهمها وبعض ما تراكم عليها عسى أن يجد بعضها طريقه إلى المعالجة.
فأولها مركزية الإدارة والقرارات الفوقية، وهي التي مورست أكثر ما مورست ابتداءً من عهد الوزير الأسبق الأستاذ علي الأديب ومَن رافقه من مسؤولين في التعليم الجامعي والجامعات التي هي تتعارض طبيعةً عن البيروقراطية المركزية، وهو الأمر الذي قاد المسؤولين إلى اختيار مَن هم غير كفوئين أو مناسبين للإدارات التابعة لهم ليضمنوا لهم التبعية وتطبيق ما يريدونه ويتّخذونه من قرارات، ولاسيما ما يتعلق منها بالأكاديمية والمسار التعلمي. وضمن أهم ما ترتب على ذلك غربة المسؤول عما هو مسؤول عنه من كادر واختصاص، وعدم التزامه بالسياقات الجامعية والأكاديمية، إما جهلاً بها، أو تعالياً عليها، الأمر الذي قاد، في النهاية، إلى الكثير من النتائج السيئة التي نراها اليوم في كل مرفق من مرافق المؤسسات الأكاديمية، وكما سنمثل لها في نهاية مقالنا بمثال حديث. فنحن نعرف أن القرار العلمي/ الأكاديمي الصحي، بشأن الأستاذ الجامعي والعمل البحثي والمؤتمر العلمي ومسار العملية التعليمية، أفضل ما يكون حين يصدر عن القسم العلمي المختص، بينما جُردت الأقسام العلمية عندنا من جلّ صلاحياتها، حتى وإنْ ليس بشكل صريح دائماً، ليأتي القرار الفوقي في النتيجة مربكاً ومعرقلاً غالباً للعملية الأكاديمية، كما وقع مثل هكذا إرباك حين اتخذ الوزير الأسبق قراراته الفوقية بالتخلّص من النخبة الأرقى من أساتذة الجامعات، وكما وقع لطلبة الدراسات العليا الإنسانية حين رفضت رئاسة جامعة بغداد، قبل سنتين، طلبات تمديداتهم المشروعة، وكما يجري لأقسام بعض الكليات باتخاذ عمدائها قرارات غير صائبة ولا يتفق معهم فيها رؤساء تلك الأقسام، وغير ذلك كثير.
في هذا السياق تحضر تأثيرات المسؤول والجهاز الإداري السلبية. فمع أنه من المنطقي، في التعليم العالي والجامعات، أنْ تتسيّد الأكاديمية والعمل الأكاديمي على الإدارة والجهاز الإداري، وتحت مظلة القانون والأنظمة بالطبع، فواقع الحال يرينا أن ممارسات الجهاز الإداري، بمسؤوليه وموظفيه المطلقي الأيدي، هي أحد أكثر معوقات العملية التعليمية والأكاديمية، وأحد مرهقات الأستاذ الجامعي ومعذباته. ونعتقد أن وراء هذه الممارسات عوامل لعل أهمها: الأول الأنظمة والتعليمات و(القوانين) التي تُعملق مسؤوليها. الثاني ممارسة السلطة والمسؤوليات بدون مظلة قانونية ونظامية. الثالث إخضاع الأكاديمية، نظاماً وقِيماً وإنساناً ومسؤولاً، للإدارة والإداري المسؤول وليس للقانون والنُظم. الرابع جهل المسؤول والإداري أو تجاهلهما لمسؤولياتهم الحقيقية. والخامس، وفوق كل كذلك، انطلاق المسؤول والإداري من هوس بالسلطة مهما كانت صغيرة، وبممارستها بحق الأكاديميين الذين يُفترض أن وجود هذا المسؤول والجهاز إنما هو تسهيل مهمتهم وتسهيل العملية الأكاديمية والتعليمية، فكانا بدلاً من ذلك عبئاً عليهم وعلى الأكاديمية ومعرقلاً كبيراً لمسار العملية التعليمية وما يرافقها. الواقع أن هذه الممارسة كثيراً ما تتماهى مع التوجه الواضح للتعليم العالي خلال السنوات العشر الأخيرة نحو استهداف الأستاذ الجامعي، حين هذا الجهاز أداةَ تعذيبٍ، بل إذلال له أحياناً، وعرقلة لعمله التعليمي والبحثي والأكاديمي. هنا يجب أن نعترف بأن بعض سلبيات التعليم العالي والأكاديمية هي من فعل أكاديميين أو برضاهم، وتحديداً حين يتولون هم أنفسهم مسؤوليات إدارية، وحين يسكتون على التجاوزات غير القانونية على الأكاديمية والأكاديمي. ولنتوقف عن نماذج محدودة على هذه الممارسات.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top