موسيقى الأحد: الراحل علي الشوك والموسيقى

موسيقى الأحد: الراحل علي الشوك والموسيقى

ثائر صالح

برز الراحل علي الشوك بتعدد اهتماماته، فإلى جانب اهتماماته المتنوعة في اللغة والتاريخ والأسطورة والأدب والفيزياء والرياضيات وجوانب الفكر، اهتم بالموسيقى بشكل خاص، ولعلها كانت واحدة من اهتماماته الأثيرة الى قلبه. وقد ساعدته دراسة الهندسة والرياضيات على فهم الكثير من الظواهر المتعلقة بالفنون على نحو علمي وعقلاني. كان منفتحاً على مختلف الاتجاهات الفنية في الموسيقى، يستمتع بكل جديد ويستمع اليه. تعمق في روحه حب الموسيقى أثناء فترة دراسته الهندسة في الجامعة الأمريكية ببيروت أواخر أربعينيات القرن الماضي، ثم الرياضيات في جامعة بركلي بكاليفورنيا. لكن اهتمامه الموسيقي كان جدياُ مذ يفاعته، يقول: "بدأت أتلقى، منذ مرحلة الدراسة المتوسطة ربما في 1945، دروساً في العزف على العود، بصورة غير مباشرة، مستعيناً بارشادات ابن عمي الذي كان يتلقى دروساً في العود على يد سلمان شكر. وقد عزفت بعض السماعيات البدائية، مثل سماعي بيات، وسماعي محيّر" (الحياة 4/4/2009). (بالمناسبة، كان الشوك يحدثني عن اهتمام الفنان سلمان شكر بفك رموز التدوين الموسيقي الذي يعود الى أواخر العصر العباسي، أثناء اقامته في لندن وقبل أن يعود للعراق).
ويضيف: "لكنني في مرحلة البلوغ شهدت انقلاباً موسيقياً ملموساً في حياتي، عندما استمعت الى نماذج من الموسيقى الغربية وذهلت. لقد أحسست بأنني عثرت على كنز. كان ذلك اكبر اكتشاف في حياتي، قد يوازي أول تجربة في ممارسة عمل الحب... ولا أذكر بالضبط ما هي المقطوعة الموسيقية الغربية الاولى التي استدرجتني الى هذا العالم الآخر، الذي بدا لي أرفع وأغنى من موسيقانا. كان ذلك في العام 1946 على اغلب الاحتمال. وأذكر أن مدرس الرسم، الاستاذ الرسام عطا صبري، كان يُسمعنا متتالية شهرزاد عندما كنا نرسم في استوديو الرسم في مدرسة الاعدادية المركزية ببغداد. لكنني على يقين إن شهرزاد لم تكن اول عمل موسيقي غربي استمعت اليه. كنت على معرفة يومذاك بعدد من المقطوعات الموسيقية، التي كنت استمع اليها مع اصدقاء في بيتنا ...... فأي من هذه المقطوعات كان لها ذلك الوقع الانقلابي الاول المذهل على سمعي؟ لا أذكر بالضبط. لعلها رابسودية لست، التي عرفناها أول الأمر بصيغتها الاوركسترالية الهادرة، أداء ليوبولد ستوكوفسكي، الذي حولها من البيانو الى الاوركسترا". كل هذا كان في بغداد الأربعينيات، فأية نهضة ثقافية شهدتها هذه المدينة؟
تعود معرفتي بالراحل الشوك الى سنوات عيشنا في المجر منذ الثمانينيات حتى انتقاله الى بريطانيا في منتصف التسعينيات. كان يحدثني عن "تنقيباته" الموسيقية، مثل اهتمامه بالتأثير الهائل للموسيقى الاندلسية على موسيقى اسبانيا بالتالي موسيقى أوروبا، ومنه سمعت عن "أناشيد" الملك الفونسو الحكيم ملك قشتاله (1221 – 1284) (انظروا أغاني مريم العذراء، المدى 19/11/2011). لكن رغم اهتمامنا المشترك بالموسيقى، لم تكن هي شاغلنا الأساس كلما التقينا، بل متعة التنقيب في أصل الكلمات (الأتيمولوجيا) وعلاقة اللغات بعضها بالبعض الآخر. وكان علي الشوك من شجعني على الكتابة في هذا الشأن وسهل لي الوصول الى صحيفة الحياة اللندنية التي كان من كتابها الدائمين. وكانت كتابتي عن الجذور الأكدية والآرامية للغة العراقية في 1993 أول ما نشر لي في الحياة التي فتحت لي الباب فنشرت أكثر من مئتين من كتاباتي في الأتيمولوجيا وحضارات المشرق والفنون والترجمات الأدبية من اللغة المجرية، بالإضافة الى عدد من الكتابات عن الموسيقى أعتبرها هامة. وكثيراً ما صادف أن تنشر الحياة كتابة لي مع درة من درر الراحل الشوك على نفس الصفحة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top