قناطر: الملك فيصل الثاني وأنا في البصرة

طالب عبد العزيز 2019/02/16 08:18:42 م

قناطر: الملك فيصل الثاني وأنا في البصرة

 طالب عبد العزيز

منذ عقود وأنا أتعقب تاريخ ميلادي، تقول بطاقة الاحوال المدنية أنني من مواليد 2 حزيران سنة 1953 لكنَّ أبي وأمي أعلماني بانني ولدت في يوم من أواخر الشتاء، أو بداية الربيع، وهكذا ظلت المسافة بين حزيران اللاهب وبداية الربيع واسعة، تحرضني على الدأب والسعي لمعرفة حقيقة يوم وشهر وسنة ميلادي، حتى اهتديت أخيراً الى قراءة كتاب(سيرة حياة الملك فيصل الثاني( 1935-1958 ) آخر مولود العراق، لمؤلفه طارق إبراهيم شريف) الذي دلني الى نهاية جميلة لرحلة بحثي المضنية.
ولكن، هل حقاً كنت بحاجة الى معرفة ذلك، وماذا ستضيف لي معرفتي هذه، بعد أن جاورت الخامسة والستين، وأي خيبة تلك، التي أحسُّ بها بعد أعوام من الاحتفالات مع الأهل بيوم ميلاد كاذب؟
كان أبي يحدثني، وكذلك أمي، عن يوم مولدي بحديث طريف بعض الشيء، وكيف أنهم كانوا في عوز شديد، يومئذ، بعد أن غمرت مياه فيضان ربيع 1954 بغداد والجنوب العراقي، لتستقر في البصرة، وتأتي على ما غرسوا وزرعوا، ولولا التمر الذي احتفظوا به لماتوا جوعاً. في يوم مثل هذا، طرقت القابلة (أم بدر) المرأة، ذات الأصول الزنجبارية، التي تسكن وأسرتها قرب مسجد السراجي بابنا، واستقرت بين فخذي أمي لأكون، أما أبي فقد ظل حائراً، بما يتوجب عليه دفعه لها، فهو خلوٌ من المال ، وأمّي بحاجة الى قطعة قماش كهدية بالمناسبة، أو الى دجاجة تسدُّ بها رمقها وتتقوى على آلام المخاض، فماذا يفعل والبيت خلواً أيضاً، من ذلك كله.
في مثل اليوم ذاك، كان الملك فيصل الثاني قد وصل البصرة، مع ابن عمه الملك الحسين بن طلال ملك الاردن، فذهب أبي مع الناس، الذين تجمعوا لرؤيته، كانت السماء قد منحت الأرض بعضا من غيثها الربيعي، فهي مبللة أو شبه ذلك، طينية أو أقل، ولما كانت الناس تقفز محتفلة بمقدم الملك، والبيارق ترفُّ محيية، كان أبي وسط الحشود حائراً، يقفز ساعة ويسكن أخرى، فرحه بي وحاجته للمال لا يتساوق مع مشاعره برؤية الملك، لكنه، وفي حرارة احتفال الناس لاحت لعينه الدراهم على الأرض، هنا درهم وهناك درهم آخر، وهنا عشرة فلوس فضية تلمع وتلك آنة، وآنات وعشرات وأفلاس ودراهم كثيرة، حمراء وفضية.. وفي غفلة من الجميع، بما فيهم الملك انحنى أبي على الأرض، ليلتقط منها ما تبعثر من جيوب الناس المحتفلين، الذين ما انفكوا يقفزون، فتجاوزت الدينار والدينارين.
يقول ابي: "لم أر للسعادة طعماً كذاك اليوم، لقد نلت بغيتي وليذهب الملك الى الجحيم" ومثل أخيل، المحارب الطروادي انسل ابي من الجموع ، وقصد السوق القريب، فكان الرز والسمن واللحم والسكر والشاي وقطعة القماش، حتى إذا بلغ البيت وجدني، بالخرقة البيضاء، أصرخ بين يدي القابلة الزنجبارية، التي وهبها من دراهمه ما تبقى في جيبه.
يقول صاحب الكتاب بان الملك فيصل الثاني دخل البصرة ثلاث مرات: مرة في منتصف نيسان 1953 وثانية في الأول من آذار 1954 وثالثة في تشرين أول 1957 وبما انَّ رواية أبي وأمي تؤكد المطر والطين، فقد كانت ولادتي في زيارته الثانية هي المؤكدة، بل هي الصحيحة. وهكذا، سأعيد النظر في برجي، فأنا من الحوت، وستضطر الأسرة الى تغيير موعد احتفالها بيوم ميلادي، كذلك ساغير ما مدون في صفحتي على الفيسبوك، انا، الذي يعاني من سوفان في الرقبة وتهيج القولون وذبحة صدرية وتضخم البروستاتا وكلل في العينين ووو.   

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top