موسيقى الأحد: موكب السردار

موسيقى الأحد: موكب السردار

ثائر صالح

موكب السردار هو عنوان واحدة من المقطوعات الجميلة التي سمعتها في طفولتي، لعلها أشهر ما نعرفه من أعمال المؤلف الروسي ميخائيل ميخائيلوفيتش إبوليتوف – أيفانوف (1859 – 1935). الموكب الذي يستغرق أقل من 4 دقائق هو آخر جزء من المتتابعة رقم 1 (1894) التي تشكل مع المتتابعة رقم 2 (1896) مجموعته "تخطيطات قفقاسية".

ولد إبوليتوف – أيفانوف قرب سنت بطرسبورغ المدينة الشهيرة (تغيرت أسماؤها من سانكت بيتربورغ الى بتروغراد في 1914 ثم لينيغراد سنة 1924 قبل أن تعود الى اسمها الأول في 1991). درس في كونسرفاتوار سانت بطرسبورغ الشهير بين 1875 - 1882 وكان تلميذاً لنيكولاي ريمسكي كورساكوف، وتأثر به كثيراً. يتجلى هذا في اهتمامه بالموضوعات الشرقية التي كان معلمه الأول مغرماً بها (وتعد متتابعة شهرزاد الأكثر شهرة بينها).
كلمة سردار معروفة، فهي تعني رئيس القوم أي الحاكم أو الأمير باللغات الايرانية. استعمل الموسيقيون الروس سلم مقام النهاوند أو ما يشبهه (عبر استعمال فاصلة مقدارها تون ونصف التون) للحصول على تأثيرات توحي الى الشرق. تناولت هذه الظاهرة في عدد من كتاباتي السابقة وقلت أن احتلال روسيا القيصرية لامارات آسيا الوسطى الاسلامية في العقد السابع من القرن التاسع عشر ووصولها حدود أفغانستان هو ما جعل الموسيقيين الروس يهتمون بالموضوعات الشرقية – الاسلامية. يقابل هذا اهتمام الموسيقيين الأوروبيين عموماً بمواضيع الشرق وفنونه عموماً، بشكل خاص شرقي آسيا، وكان اهتمام الموسيقيين الفرنسيين بفنون شرقي آسيا ملموساً (ديبوسي). لم يقتصر ذلك على الموسيقى بل شمل كل الفنون في تلك الفترة المعروفة بالفن الحديث الذي ازدهر منذ ثمانينات القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الاولى.
عمل إيبوليتوف – إيفانوف بعد تخرجه لفترة في تفليس (تبليسي) عاصمة جورجيا لإدارة التعليم الموسيقي وهناك التقى بتشايكوفسكي للمرة الأولى (1886) الذي واصل صلاته بإيبوليتوف – إيفانوف حتى وفاته، وعمل على التعريف به وبموسيقاه في موسكو. انتقل الى موسكو بعد تعيينه استاذاً للتآلف الموسيقي (الهارموني) والتوزيع الاوركسترالي والتأليف في كونسرفاتوار موسكو سنة 1893 وكان راينهولد غليير أحد تلاميذه. شغل عدة مناصب منها مدير / عميد كونسرفاتوار موسكو بين 1905 – 1924 وعاد الى تفليس بين 1924-1925 ليعيد تنظيم كونسرفاتوارها، وأدار مسرح البولشوي الشهير بعد 1925.
برع إيبوليتوف – إيفانوف كذلك بقيادة الاوركسترا واهتم بالنقد الموسيقي والصحافة الموسيقية. لم يدخل طرفاً في النقاشات الحامية التي اندلعت بين الموسيقيين بعد ثورة اكتوبر، حتى بعد شغله مناصب هامة في الحياة الموسيقية السوفيتية مثل رئاسة اتحاد الكتاب والموسيقيين سنة 1922. اهتم بالموسيقى الشعبية الجورجية والأرمنية الأذربيجانية والاوزبكية والقازاخية، كذلك التركية التي طبعت بصماتها على آخر مؤلفاته مقاطع تركية (1930) والمارش التركي (1932). إذ كان قد طور اسلوبه الموسيقي الخاص به في ثمانينات القرن التاسع عشر برعاية استاذه ريمسكي – كورساكوف، وطعمه بعناصر الموسيقى الشعبية. منح وسام الراية الحمراء ولقب فنان الشعب في العشرينات.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top