تأمين البعد الجيوسياسي – الاقتصادي للأمن الغذائي يعزز إستقلالية القرار السيادي العراقي

آراء وأفكار 2019/03/05 12:00:00 ص

تأمين البعد الجيوسياسي – الاقتصادي للأمن الغذائي يعزز  إستقلالية القرار السيادي العراقي

 د.أحمد عبد الرزاق شكارة

تجيئ المقالة بناءً على بوادر إيجابية نسبياً تمثلت في إهتمام مجدد لحكومة الاستاذ عادل عبد المهدي لإعطاء القطاع الزراعي أهمية متصاعدة أو أولوية في إطار البرنامج الحكومي الجديد تمثلت في ضرورة توفر الامن الغذائي للشعب العراقي من خلال استخدام كل الامكانات المادية والبشرية المتخصصة لتنشيط وتفعيل القطاع الزراعي . عرفت بلاد الرافدين التي تقع على ضفتي نهري دجلة والفرات منذ اكثر من 8000 عام على أنها من أقدم الحضارات الانسانية التي أزدهرت جيوسياسيا – اقتصاديا - سكانيا- إجتماعيا بصورة لم تعهدها أو تنافسها فيه إلا بعض الحضارات الانسانية الأخرى من أمثال الفرعونية - المصرية القديمة، الهندية والصينية. يقع العراق في القلب من منطقة مايعرف ب"الهلال الخصيب" التي تغطي بلاد الشام (سوريا ولبنان والاردن وفلسطين) الثرية في جودة منتجاتها الزراعية إن إلاعتناء بالمسألة الزراعية من كل جوانبها في إطار بيئة نظيفة خضراء خالية من التلوث تعد من الأهمية بمكان نظراً لضرورة تصاعد وتيرة إعتماد ابناء العراق على إمكاناتهم ومواردهم أولاً مع الاعتراف ثانيا بضرورة مد الجسور للتعاون والتنسيق مع الدول والمنظمات الاقليمية والدولية الزراعية التي لديها أجهزة مهنية متخصصة تترافق مع مسيرة مؤسسات مهنية رصينة وأشخاص لديهم باع وخبرات مهمة في تطوير قدرات الشأن الزراعي من أمثال العلماء والمهندسين والمرشدين الزراعيين الذين ولفترة طويلة نسبياً لم توجه اليهم الحكومات العراقية الساببقة إهتماما خاصا. عل حكومة عادل عبد المهدي تنجح في مساعيها المهنية ضمن مراحل زمنية محددة ، علماً بإن أمثلة محددة أخرى بينت أن بعض مسؤولي الحكومات العراقية السابقة عرفوا أيضاً بحسهم البناء للمسألة الزراعية من أمثال الاستاذ عباس مهدي (النائب والوزير السابق للافتصاد والمواصلات في العهد الملكي) الذي أشار مثلاً إلى إهتمام مديرية الزراعة "بإعداد خطة غايتها تحسين منتوج التبغ حتى أصبح لدى العراق تبغ محسن مايعادل نسبة 30 % من محصول التبغ المحسن" القابل للتصدير إلى الخارج. أكثر من ذلك ، تبنى ذات المسؤول العراقي تأسيس "شركة وطنية خاصة بالفواكه المجففة بإيدي وطنية من ذوي الاختصاص". إن أزدهار الزراعة في العراق يعتمد بشكل كبير على مايلي من عوامل مترابطة : تعبئة الكفاءات العلمية المتخصصة ، استمرار واستدامة توفر المياه الكافية ، وتوفر التقنيات الزراعية الحديثة والمصادر البشرية المدربة والمؤهلة علمياً وفنياً بشكل يتناغم ويلبي إحتياجات خطط التنمية الزراعية التي تمكن البلاد من الوصول لمرحلة الاكتفاء الغذائي أو ما يعرف "الأمن الغذائي" بل وربما يتمكن العراق من الولوج في حقل التصدير للمحاصيل الزراعية التي تدر قيما مالية مهمة للعراق. ..ولعل من المناسب الإشارة أيضاً إلى أن انتعاش القطاع الزراعي في العراق في مراحل سابقة من بداية القرن العشرين قد مكنت العراق فعلياً من أن يحصل على أمنه الغذائي -لحد كبير - مع إمكانية واضحة لإنتهازه فرصاً حيوية يتم من خلالها تصدير منتجاته من الحبوب والتمور والمحاصيل الزراعية الأخرى من خضراوات وفاكهة للأسواق الإقليمية والدولية. من أمثلة ذلك أيضاً ، تمكن العراق من تصدير ثلث كمية إنتاجه الزراعي لبريطانيا مع استيراد لثلثي إحتياجاته منها. إن تحسن الاوضاع والسياسات الزراعية بصورة ممنهجة ومنتظمة ومخطط لها مسألة غاية في الأهمية تسهم - إن تمت بشكل مناسب - بتنمية الناتج الزراعي يعزز من سمعة وهيبة الدولة بنفس الوقت . لاشك أن توفر الإمكانات المائية المناسبة والوسائل التقنية الحديثة للزراعة مع استخدام شبكات رصينة حديثة للري فتحت نافذة للاستجابة الاساسية للاحتياجات المتصاعدة للسكان الذين اخذت أعدادهم بالازدياد المستمر. إذن هي مسألة تستدعي الوقوف عندها بجدية وموضوعية . ما اشاهده في كل زيارة للعراق شئ يدمي القلب حقا نظرا لتنامي قطع الاراضي القاحلة الصحراوية برغم كون معظم تربة العراق من المفترض أن تكون "خصبة طميية غرينيية" تسمح بإنتاج محاصيل زراعية مهمة تلبي كافة الاحتياجات السكانية بل وقد تفيض عن حاجة سكانها مايعطي للعراق مزية تنافسية – تصديرية لبعض محاصيله. من المفارقات إن العراق عرف تاريخياً ايضا بِ"بلاد السواد" لكثرة حجم وكثافة المساحات المزروعة من أشجار النخيل في العراق خاصة في منطقتي وسط وجنوبي العراق. إذ منذ القدم عرف العراق بأن لديه كميات كبيرة جدا من أشجار النخيل التي وصلت أعدادها في الذاكرة الوطنية إلى مايقارب أكثر من 30 مليون نخلة "عمتي النخلة". أما وقد أضحى العراق مسرحاً غير مناسب لأمن البشر كنتيجة للصراعات والحروب المستمرة فإن المنتجات الزراعية بضمنها التمور أخذت بالتناقص الكبير. كي نضع الأمور في نصابها المناسب لابد من تقديم رؤية جيوسياسية – إقتصادية مركزة للامن الغذائي العربي ومن ضمن ذلك العراق الذي عرف على أنه في مراحل تاريخية سابقة في مقتبل القرن العشرين كان منتجاً ومصدراً أصيلاً للحبوب وللتمور وغيرها. لم يستمر وضع كهذا طويلاً نظراً لتصاعد نسب الصراعات الداخلية والحروب المتعددة المدمرة التي أصابت المنطقة عموماً والعراق بشكل خاص تراجع نصيب العراق من إنتاج الغلة الزراعية الاساسية من حبوب وتمور كثيراً ما اسفر عنه تنامي المآسي الإنسانية للعراقيين خاصة "الفئات الفقيرة والمحرومة" . أشارت جين هاريغان في كتابها المترجم بعنوان الاقتصاد السياسي للسيادة الغذائية في الدول العربية إلى ما يلي: "المنطقة العربية تعد أكثر مناطق العالم عجزاً في الغذاء، كما تشير إلى ذلك واردات الحبوب بوصفها نسبة من الاستهلاك. فمعظم البلدان العربية تستورد مابين 25 و50 في المائة من إحتياجاتها الغذائية ، حيث يأتي نحو 35 في المائة من السعرات الحرارية اليومية في المنطقة من القمح وحده. وتتراوح نسبة واردات الحبوب في المنطقة من إجمالي الاستهلاك بين 40 و50 في المائة ، وتصل في بعض البلدان ، مثل العراق واليمن ولبنان وفلسطين إلى 70 في المائة". من منظور مكمل تصل نسبة الواردات الغذائية ( أكبر حصة من إجمالي السلع المستوردة ) "مابين 11 و34 في المائة من إجمالي السلع المستوردة من قبل الدول العربية .. حيث تبلغ فاتورة الواردات الغذائية نحو 5 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي". ترتيباً على ماتقدم "تعد البلدان العربية أكبر مستورد للحبوب نتيجة لإعتمادها على الواردات ، وفي العام 2010 ، بلغ صافي واردات العالم العربي من الحبوب 66 مليون طن ، مقارنة ب63 مليوناً في آسيا (بما في ذلك الصين) و53 مليوناً (من دون الصين) و26 مليوناً في افريقيا جنوب الصحراء الكبرى (المصدر : أرقام تجارة الحبوب المتاحة في إحصاءات منظمة الزراعة “(FAOSTAT. جدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية ، الكويت وقطر وليبيا وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة ، وعمان والبحرين وقعت ضمن "أكبر 20 مستورداً للحبوب بالنسبة إلى الفرد في العالم- في عام 2010- ." العراق أيضاً وبحكم اعتماده على عوائد النفط بصورة كبيرة جدا أضاع فرصاً حيوية مهمة في قيام إداراته المتعاقبة بإدارة وتخطيط شؤونه الانتاجية الزراعية والصناعية حيث لم تنجح الحكومات العراقية بتنويع مصادر الدخل كما لم تقم بجهد مهم لتنويع مصادر الطاقة والموارد الاولية ما أثر سلباً على البعد الجيوسياسي (الاقتصاد السياسي) للعراق منتجاً تداعيات خطيرة على الدورة الاقتصادية الكلية والجزئية لفترات زمنية قادمة. مصداقا لذلك ، اشار الدكتور مظهر صالح (مستشار لرئيس وزراء العراق في عام 2015) "أن العراق يستورد كل السلع والبضائع ويصدر سلعة واحدة هي النفط ، مايرتب أخطارا كبيرة على الاقتصاد على المدى البعيد مالم يحصل نهوض بالقطاعات الانتاجية كالزراعة والصناعة مشيرا إلا أن ذلك يبين الحاجة العاجلة لمراكمة فوائض مالية وقائية نظرا الى أن الاداء المالي والخارجي للعراق يتسم بحساسية بالغة إزاء تقلبات أسعار النفط". مايهمنا في هذه المقالة تسليط مزيدا من الضوء على القضية الزراعية بما تحمله من هموم وشجون ومصالح لشعبنا الذي ينتظر بفروغ الصبر أن يدار البعد الجيوسياسي – الاقتصادي بنظرة وطنية وشمولية موضوعية تتسم بالتنوع بعيداعن النظرة الاحادية الضيقة للزراعة. بمعنى أخر إعطاء مزيدا من الاهتمام للشأن الزراعي ضمن حلقة متكاملة لمسؤوليات وواجبات الادارات المتخصصة التي يمكنني وصفها بالسيادية حيث يجب أن تعنى جميع المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص بشؤون الوطن والمواطن بالدرجة الاولى . من هنا تأتي أهمية النظرة أو الرؤية الجيوسياسية – الاقتصادية التي تتكامل حلقاتها الحياتية من خلال التركيز على إمكانية توفر حل أو حلول للقضايا وللازمات التي تقع في قطاعات رائدة تتمثل في :حقول المياه – الغذاء – الطاقة – والبيئة

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top