قمر «بيت الحكمة» العربي

آراء وأفكار 2019/04/09 12:00:00 ص

قمر «بيت الحكمة» العربي

محمد عارف

علماء «بيت الحكمة» في بغداد، الذين رحلوا قبل أكثر من ألف عام، لم يغادرونا، بل يتطلعون إلينا ويساعدوننا، وإلا كيف يمكن أن يقرر «مؤتمر الفضاء العالمي» المنعقد الأسبوع الماضي في أبوظبي تأسيس «المجموعة العربية للفضاء» لإطلاق أول قمر يصنعه بالكامل علماء عرب. وقد قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في تغريدة على صفحته في موقع تويتر: «سمينا القمر الصناعي الذي سيعمل عليه العلماء العرب (813).. وهو تاريخ بداية ازدهار بيت الحكمة في بغداد في عهد المأمون.. البيت الذي جمع العلماء وترجم المعارف وأطلق الطاقات العلمية لأبناء المنطقة.. منطقتنا منطقة حضارة.. وشبابنا بناة حضارات.. لا بد أن نؤمن جميعاً بهذا المبدأ».
ويوجع القلب أن لا يكون بلد «بيت الحكمة» (العراق) ضمن 11 دولة عربية يساهم علماؤها في تصميم وصنع القمر الذي تموِله «وكالة الإمارات الفضائية»، ويشرف «المركز الوطني للعلوم وتكنولوجيا الفضاء» في «جامعة الإمارات» على تصميمه وصنعه، لرصد الأرض، وقياس مكونات المناخ والبيئة في الدول العربية، والمساحات الخضراء، والتربة، والمعادن، وموارد المياه، والتلوث، ومستويات الغبار، والغازات «الدفيئة» المسؤولة عن تغير المناخ العالمي. وتُرسَلُ معطياتُ القمر إلى محطات أرضية في الإمارات، وبلدان عربية، مساهمة في القمر، ومؤسساتها المعنية بالقطاع الزراعي، والتخطيط العمراني.
و«بيت الحكمة» في آن ثمرة الحضارة العربية الإسلامية، وصانع نهضتها العلمية، فهو دار للكتب وأكاديمية للبحث، وتعليم علوم الطبيعة، والفلك، والجغرافيا، والفقه، والفلسفة، وحتى فنون الموسيقى.. وهو مؤسسة للترجمة من لغات عدة، ولتأليف الكتب واستنساخها وتجليدها، وعقد ندوات للمناقشة والحوار والمناظرة، دون حدود. وعمل في «بيت الحكمة» أبرز العلماء العرب والمسلمين، وبينهم «الخوارزمي»، مؤسس علم «الجبر» المستخدم حتى اليوم في حسابات الكومبيوتر، والعالم والفيلسوف الموسوعي «يعقوب بن إسحاق الكندي» المشهور بأعماله في الفلك والطب والرياضيات، ومن مؤلفاته رسالة «العالَمُ كله كروي الشكل»، و«لا تُنال الفلسفة إلاّ بعلم الرياضيات». وشارك في «بيت الحكمة» بنو موسى، محمد وأحمد والحسن، وكان المأمون قد تولى رعايتهم بعد وفاة أبيهم العالم موسى بن شاكر، وبرزوا في الفلك، والرياضيات، و«علم الحيل» (أي «الميكانيك»). وعقد المأمون علاقات ومراسلات واتفاقات مع أباطرة بيزنطة والروم للحصول على نسخ من كتب مكتباتهم، ونقلت قافلة من مئة بعير الكتب من إيران لبغداد.
وعلى كلِّ كتابٍ جديد عن «بيت الحكمة» الإبحار في الثورة العلمية العربية المتلاطمة الأمواج. فعل ذلك كتابان بالإنجليزية عنوانهما «بيت الحكمة»، يتناول أحدهما «كيف غيّر العرب الحضارة الغربية»، مؤلفه الباحث الأسترالي «جوناثان ليونز»، الذي بلغ افتتانه بالعلماء العرب حد القول بأنهم «اخترعوا الغرب». ويروي الكتاب الثاني «كيف حفظ العلم العربي المعرفة القديمة وأعطانا عصر النهضة» ومؤلفه «جيم الخليلي»، عالم الفيزياء العراقي البريطاني، وأستاذ الفيزياء النووية في «جامعة سَرِيْ » في إنجلترا.
والكتاب الذي ينتظره العالم عن الخليفة المأمون، المسؤول عن حكم أكبر وأعقد إمبراطورية عربية إسلامية في التاريخ، وقيادة ثورتها العلمية العظمى، حيث لم يكن يكتفي بالتوجيه، بل كان يشارك مباشرة في أعمالها، وبينها إنجاز أول مرصد فلكي عربي إسلامي سنة 829، وترجمة أهم مؤلفات الفلك الإغريقية، ومنها «كتاب المجسطي» الذي ألفه «بطليموس». وناقش «المأمون» العلماء في توضيح رسومه، وفهم عمل آلاته، وصنع مثلها، واستخدامها في «مرصد الشماسية» في ضواحي بغداد، لقياس الكواكب، ومعرفة أوضاعها، وحساب مقدار سنة الشمس الرصدية. ومع ذلك كان المأمون يجد الوقت والمزاج لمناظرة الفلاسفة ومطارحة الشعراء، وحتى كتابة شعر مداعب لجاريته «عريب»: "أنا المأمون والملك الهمامُ، ولكني بحبك مستهامُ. أتَرضي أن أموت عليكِ وجداً، ويبقى الناس ليس لهم إمامُ"

عن الاتحاد الامارتية

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top