سيكولوجيا التديّن في العراق وأصنافه

آراء وأفكار 2019/04/14 12:00:00 ص

سيكولوجيا التديّن في العراق وأصنافه

د.قاسم حسين صالح

من عادتي أنني استطلع رأي العراقيين في الظواهر السياسية والاجتماعية والدينية.ولأن الحديث عن الدين والتديّن قد كثر في العراق بعد (2003)،فاننا توجهنا عبر مواقع التواصل الأجتماعي بهذا النص:

المتدينون ثلاثة أصناف:
• صنف يؤدي العبادات ويتجنب الزنا والخمر والقمار والمحرمّات..هدفه الفوز بالجنة.
• وصنف يزيد عليها بانشغاله بهموم الناس..يساعد المحتاج، ولديه نزعة انسانية.
• وصنف يدعو الناس الى التمسك بالدين،لكنه يمارس ويشرعن أعمالاً تتنافى وقيم دينه.
أي صنف منها ترى هو الشائع الآن في العراق؟)
بلغ عدد المشاركين (2737) وعدد التعليقات (317) شارك فيها أكاديميون ومثقفون وإعلاميون من الجنسين،وكانت النتائج على النحو الآتي:
• احتل الصنف الثالث المرتبة الأولى بنسبة 63 %،تلاه الصنف الأول بنسبة 21 %،يليهما الصنف الثاني بنسبة 11 %،فيما كانت اجابات 5 % عامة لا تمثل موقفاً محدداً.

تحليل الأجابات:
ترى غالبية المستجيبين أن صنف (التظاهر بالدين الذي يدعو الى التمسك به ويمارس ويشرعن أعمالاً تتنافى وقيم دينه) هو الشائع بين العراقيين الآن،ويعزون الأسباب الى:
- طبيعة الحكم الحالي
- لأن السياسيين يتخذون من الدين وسيلة ليس فقط لكي يعيشوا هنيئاً بل بجشع على حساب حياة الآخرين ولا يهمهم إن مات الناس بسبب شراهتهم.
- الناس ثلاثة..عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع يميلون مع كل ريح. والصنف الثالث هو الأكثر انتشاراً بمجتمعنا مع الأسف.
- الأصناف الثلاثة موجودة بمجتمعنا لكن المسؤولين هم الذين اشاعوا الصنف الأخير.
- الصنف الثالث،أهل النصب والاحتيال وقتل الآخرين وتجهيل الناس وإفقارهم.
- الثالث..كانوا بالامس تجّار مخدرات ويجيزون العهر بدعوى المتعة واليوم معممون وأصحاب لحى يحرمّون الخمر ويشجعون على الاغتيالات ولديهم عمامة الحصانة من اعتقالهم.
- كل الأصناف موجودة ،لكن الثالث اعتنق السياسة وصار هو السائد.
- الثالث..انتهازيو السلطة وعبدة الدولار..وصوليون منتفعون يجدونها فرصتهم فيستغلونها.
- الصنف الثالث طبعاً ونسبتهم كبيرة يليه الصنف الأول وأكثرهم جماعة الأغلبية الصامتة،والصنف الثاني قليل جداً ولكنه بدأ يتنامى بفعل انتشار الوعي المجتمعي رغم محدوديته.
- العبادات ثلاثة أنواع..قوم يعبدون الله رهبة وتلك عبادة العبيد،وقوم يعبدونه رغبة وتلك عبادة التجار،وقوم يعبدونه شكراً وهذه عبادة الأحرار وهي أفضل العبادات. أما من يتلبس اللحى ويتمظهر بلباس الدين والتقوى وهو يكذب ويسرق فهذا منافق ودجال كبير.

ومن الإجابات التي فيها طرافة أو سخرية :
- هناك صنف رابع لا يؤذي ولا يزيد في العبادات وفعل الخير ولا يتظاهر بالدين..هذا الصنف يخلق لنفسه عالماً فردوسياً، يعيش فيه وهو يحلم، ولا يستفيق من حلمه إلا في نزعات الموت.
- شيوع الصنف الثالث جعلنا لا نميز بين الناس الى أي صنف ينتمون.
- في النجف وجدت الصنف الأول بكثرة وفي بغداد وجدت الصنف الثالث يكتسح الساحة.
وجاءت خمس إجابات لها موقف مختلف تمثلها العبارة الاتية:
- الأغلب هم الصنفان الأول و الثاني،واما الهجمة الموجودة كأنما الصنف الثالث هو الشائع فهي عملية مصطنعة وراءها أيدي خفية،من أجل تسقيط القدوة وهم مراجع الدين.

استنتاجات
تشير الدراسات السيكولوجية الى أن الناس يكونون متدينين لأسباب متعددة،وتصنف الشائع منها على النحو الآتي:
1.التديّن الغرضي.ويعني التوجه نحو الدين بوصفه وسيلة للحصول على أشياء ذات قيمة،كالذهاب لأماكن العبادة لتكوين صداقات تفيد في أوقات الأزمات،وقد يحقق مكانة اجتماعية أو اعتبارية أو وظيفية.
2. التديّن الباحث عن الحقيقة.ويعني التوجه نحو الدين بوصفه سفراً دائماً من أجل فهم القضايا الاخلاقية والروحية المعقدة.
3.التديّن الحقيقي.ويعني أن يعيش الانسان دينه ويستدخل تعاليمه،لا طامعاً بهدف ولا باحثاً عن حقيقة..بل مستمتعاً بدينه الذي سلّم نفسه له طوعاً.
ذلك ما توصلت له الدراسات،فيما نرى أن الدين في جوهره هو رسالة انسانية تدعو الى تحقيق العدالة الاجتماعية وإشاعة القيم النبيلة والأخلاق الراقية،ولا يحصر مهمته في اداء العبادات وتجنب ما يحدده من محرّمات.ما يعني ان الذي يقضي حياته في الصلاة والصوم والتقرّب الى الله بهدف الفوز بالجنة هو ليس بمنزلة من يؤدي هذه العبادات ويعمل على تحقيق جوهر الرسالة الإنسانية للدين..بل الفرق بينهما كبير عند ربّه وبين الناس.
وما حصل في العراق بعد( 2003)ان هذه الأصناف من التدين تراجعت ليتصدرها صنف يتظاهر بالدين ويعمل بالضد من قيمه وأخلاقه.ويعود السبب الرئيس في إشاعته الى حزب الدعوة بوصفه المسؤول عن الحكومة،وباعتراف أمينه ورئيس وزراء العراق لثماني سنوات بان لديه (ملفات للفساد لو كشفها لأنقلب عاليها سافلها) التي وصفها العراقيون بأنه عمد لحماية فاسدي حزبه إن كشف فاسدي الحزب الاسلامي..وتلك جريمة بالمفهوم القانوني وخيانة أمانة بالمفهوم الديني.يضاف لذلك اعتراف المرجعية الدينية بوجود (حيتان فساد) وشكواها من (بح صوتها) ما يعني عجزها عن اتخاذ موقف حازم ضد الفاسدين الذين يتظاهرون بالدين.فضلا عن تبادل اتهامات عبر الفضائيات بين معممين يتهم كل منهم الآخر بالفساد.وبافتقاد الناس أنموذج القدوة صار الموظف البسيط يردّ على ضميره: «إذا كان قدوتي يرتكب هذا الفعل،فأنا لست بأحسن منه،وإذا كان حراماً فلأضرب ضربتي...ثم أذهب إلى الحج واستغفر ربي..والله غفور رحيم"!..
وفي استطلاع آخر ذي صلة..يكشف عن ما أحدثه هذا الصنف من المتدينين بردة فعل ضد الدين بين العراقيين تضمن الآتي:
(وفقاً لدراسة بعنوان( Death of God in Iraq) للمؤرخ والباحث الأمريكي في القضايا المعاصرة بتاريخ الشرق الأوسط ،جون ريكاردو كول فان( 32 % ) من الشعب العراقي "لم يعد يؤمن بوجود الله" )
• رأيك في نسبة 32 %؟
توزعت الإجابات بين (مبالغ فيها، وواقعية)..واتفق المستجيبون على أن الشباب بشكل خاص توجهوا نحو الألحاد واللاتديّن،عازين السبب الى استفراد أحزاب الاسلام السياسي بالثروة،واتهام قادتها بسرقة مليارات الدنانير فيما هم يعانون البطالة وتوالي الخيبات طوال خمس عشرة سنة،اوصلتهم الى حالة العجز من تغيير الحال،وإن رجال الدين من السياسيين الذين كانوا فقراء وأصبحوا أثرياء هم الذين أوصلوهم الى (أن يكفروا بالدين والدولة )بتعبير احدهم.
ومشكلة هذا الصنف الذي يتظاهر بالدين ويعمل بالضد من قيمه،انه يكون براغماتياً نفعياً خالصاً..يستخدم الدين وسيلة لتحقيق مصالح وامتيازات دنيوية،ولا يدرك حقيقة سيكولوجية خطيرة هي انه يتحول في النهاية الى متطرّف يبيح لنفسه حق استغلال الآخر ويشرعن تبريراً أو فتوى تبيح له قتله..وهذا ما حصل ويحصل في العراق.
إن افجع الكوارث الأخلاقية هي وجود قيادات دينية في الدولة تستغل الدين لتحقيق مصالح شخصية وامتيازات هي بالضد من قيم دينه،لاسيما في المجتمعات المتخلفة بوعيها الثقافي والمجتمعي..وإن السبيل الوحيد لإعادة القدسية للدين وإحياء قيمه الأخلاقية هي بفصل الدين عن الدولة..,وبدونه يبقى المتظاهرون بالدين في مؤسسات الدولة بالعراق يزدادون ثراءً،والعراقيون يزدادون فقراً وعجزاً في اصلاح الحال..ولك في التظاهرات التي بدأت في شباط 2011 وامتدت اكثر من مئتي جمعة دليل قاطع،فيما استطاع الجزائريون تغير حالهم بسبع (جمعات)!.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top