د. فالح الحمـراني

الإعلان عن ظهور زعيم جماعة داعش ابو بكر البغدادي الاثنين الماضي في تسجيل مصور، لم يكن فقط لتأكيد إنه ما يزال على قيد الحياة، ونفي الأنباء التي تتردد عن تصفيته، وإنما لتحديد ساعة التحرك الجديد للجماعة الإرهابية، في العراق ونشر الفوضى والقتل المجاني في مختلف مناطقه.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: "نحن على علم بالفيديو [ الذي ظهر فيه البغدادي]، اليوم [يوم الاثنين]". "وسوف نعتمد على أجهزة الاستخبارات للتحقق من صحته." وأشار الدبلوماسي في الوقت نفسه إلى الحاجة إلى تقديم جميع قادة داعش إلى العدالة. بدوره، قال الممثل الرسمي لوزارة الدفاع الأميركية شون روبرتسون أيضاً : إن البنتاغون على علم بهذا التسجيل. وقال "نحن نواصل دعم القوى الشريكة في مهمتها لإلحاق هزيمة كاملة بداعش". وأكد روبرتسون مرة أخرى على ضرورة القضاء على جميع قنوات "تمويل الإرهابيين وتجنيد متطرفين جدد". وكان الممثل الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا، جيمس جيفري قد صرح في مارس / آذار الماضي، بأن الولايات المتحدة لا تملك حالياً معلومات عن مكان وجود البغدادي. "لا نعرف أين هو". وقال للصحافيين في معرض رده على سؤال عن موقع البغدادي المحتمل: إن القبض على رئيس هذه الجماعات الإرهابية، وغيرها لا يزال يمثل أولوية للولايات المتحدة. وكان الأدميرال إيغور كوستيوكوف، نائب رئيس الإدارة العامة للأركان العامة للقوات المسلحة للاتحاد الروسي قد أبلغ وكالة أنباء تاس في وقت سابق من شهر نيسان: إن المخابرات العسكرية الروسية ليس لديها معلومات حول الموقع الدقيق لزعيم الجماعة الإسلامية.
في هذا الصدد ، دعونا نسعى لفهم ما وراء الفيديو الجديد الذي تضمن بيان زعيم داعش. بادئ ذي بدء نلاحظ أن ليس هناك من طرح - بشكل واضح- أي شيء عن ما كان هذا البيان بالفعل. ونجازف بالقول إنه في الواقع لم يحمل هدفاً محدداً، باستثناء هدف محدد واحد. الإعلان للعالم أن داعش على قيد الحياة، وهذا في حد ذاته يعني أن سخط المكون السنّي في العراق لم يختف، ولم تنجح حتى الآن كل محاولات بغداد لإيجاد نوع من التسوية مع هذ المكون. في 24 شباط/فبراير، أصدرت بوابة "أخبار العراق" بيانًا مفاده أن البغدادي في غربي العراق، ويقوم بتعبئة المتشددين الذين يغادرون سوريا. ونقلت البوابة عن مصادر المخابرات العراقية، قولها: إن حوالي 500 مسلح وصلوا إلى العراق عبر أحد الأنفاق التي تربط دير الزور السورية بمدينة القائم في العراق. ووفقًا لفرضية المخابرات العراقية، فإن البغدادي يتحرك باستمرار، مستخدماً الانفاق تحت الأرض في التضاريس الصحراوية في محافظة الأنبار. في هذا الصدد، نلاحظ أن هذه البيانات تؤكد بشكل كامل من خلال ما ذكرناه سابقاً فقط. إن زعيم داعش يتنقل ما بين الاراضي العراقية والسورية ، والأكثر من ذلك، ليس في إفريقيا أو في سيناء ، كما ذكرت مصادر المخابرات العراقية نفسها مراراً وتكراراً .
في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن البحث عن زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي لم يتوقف طوال هذا الوقت، وقد قاد هذا السباق الآن أجهزة المخابرات من جميع أنحاء العالم إلى محافظة الأنبار العراقية. إنهم جميعا يريدون أن يكونوا أول من يصل إلى "القائد!" المطلوب للجهاديين. في هذه الحالة، تكون هذه المنافسة بين مختلف المخابرات منطقية: الرئيس الأميركي دونالد ترامب مسكون بمجد براك أوباما، الذي نجح في تنفيذ عملية للقضاء على أسامة بن لادن، والإيرانيون يريدون ضربه بأي ثمن، وبالتالي القضاء على شوكته. وتتنافس فرق الولايات المتحدة والبنتاغون الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزية، وبمساعدة مستشارين ووكلاء عراقيين في مديرية المخابرات العامة الأردنية، الآن بنشاط في هذا المجال مع عملاء إيرانيين وأمناء محليين. كما تعمل كتيبة صغيرة من الفرنسيين في هذا الاتجاه ، وكذلك أعضاء من جهاز الأمن الكردي العراقي وضباط أتراك . في حين قامت القوات الأميركية بتوزيع منشورات وعدت بتقديم مكافآت للحصول على معلومات تؤدي إلى القبض على البغدادي، وحاولت كل هذه المجموعات التواصل مع زعيم جماعة الجهاد الإسلامي مع البدو المحليين في محافظة الأنبار. تعتقد بعض مصادر المخابرات المحلية أن البغدادي يختبئ في مكان ما بين أبو كمال، وهي مدينة سورية على الفرات، والجزء الغربي من محافظة الأنبار الحدودية العراقية. لكن على أي حال - هذا، كما قلنا من البداية، أرض عراقية وليست سورية. تجدر الإشارة إلى أن الأمريكيين يعتمدون في المقام الأول على مكونات عراقية كجزء من جهودهم للقبض على البغدادي أو احتواءه. ولم يكن الدافع لتكثيف عمليات البحث هذه هو التسجيل المذكور، فقد سبق وأن نُشر تسجيل صوتي جديد لمدة 55 دقيقة لأبي بكر البغدادي في 22 آب/أغسطس 2018 ، الذي دحض في ذلك الوقت جميع الفرضيات التي تقول إنه ربما يكون قد مات. كان هناك دوائر تعرف بالفعل أن زعيم "الدولة الإسلامية" لا يزال على قيد الحياة. وتلقت هذه البيانات من السجناء، والتي تم تأكيدها من قبل مواد الفيديو. في 12 آب/ أغسطس من العام الماضي، زار أبو ظبي والرياض وفد كبير من ميليشيا قوات الدفاع الذاتي الشعبية، وهي فرع مسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري. قدم الوفد السياسي والأمني التابع للرابطة الوطنية برئاسة القائد سيبان هيمو أدلة ليس فقط على أن البغدادي لا يزال على قيد الحياة، ولكن أيضًا أنه يختبئ بين محافظة الأنبار وفي الحدود السورية، ويتنقل مع بداية الظلام من ملجأ إلى آخر . وفي 14 آب/ أغسطس من العام الماضي، أكدت مصادر في أربيل تلك المعطيات أيضا.
لقد وعد البغدادي في بيانه في آب/ أغسطس الماضي (والآن كرر ذلك) بأنه سيعود إلى شن حرب أكثر كلاسيكية. وعلى ما يبدو، فإن ظروف لذلك أصبحت الآن ناضجة ، ولهذا يرجع ظهوره الجديد " للجمهور". ووفقًا لتقديرات جهاز المخابرات الوطني العراقي، في بداية هذا العام فان هناك حوالي 3000 من مقاتلي داعش في أنحاء البلاد. وهذا هو العمود الفقري الذي يمكن أن يعتمد عليه قائد داعش الآن. لقد استقروا في صحراء الأنبار، حيث يقيم "السكان السنّة" بشكل رئيس، وفي الضواحي السنّية في بعض المدن الرئيسة في البلاد، مثل كركوك. ومع ذلك ، ليس لدى المخابرات العراقية تفاصيل كافية حول ما يفعله الدواعش، ومع من يقفون؟ وإلى أين يعتزمون الذهاب إلى أبعد من ذلك؟. وهذا الجانب يحد بشكل كبير من قدرات الإيرانيين، الذين اخترقوا بشدة جهاز المخابرات العراقي، في إطار البحث عن البغدادي. وللسبب نفسه، يعتمد الأميركيون الآن بشكل متزايد على المساعدة من الأجهزة الأمنية في أنحاء العراق الأخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•اعتمدت المادة على مواد نشرت في مراكز التحليل السياسي بموسكو عن ظهور تسجيل مصور للبغدادي