المدى في مهرجان كان السينمائي 72: فيلم «الخائن» لماركو بيلّوكّيو يروي عن المافيوي الذي هزم المافيا

المدى في مهرجان كان السينمائي 72: فيلم «الخائن» لماركو بيلّوكّيو يروي عن المافيوي الذي هزم المافيا

 عرفان رشيد
مهرجان (كان) السينمائي الدولي

"لا وجود لما تسمٌونها أنتم بـ «المافيا».. فحن نسمٌي ما تُطلقون عليه ذلك الاسم «كوزا نوسترا» - أي ما يخصٌنا- وأنا لست إلٌا جنديٌاً بسيطاً في جيش "كوزا نوسترا".

هذا ما يقوله عراب مافيا «كوزا نوسترا» الشهير تومٌازو بوشّيتّا في اللقاء التحقيقي الأول أمام القاضي جوفاني فالكوني وفي الاستجوابات اللاحقة داخل قاعة المحاكمة الكبرى التي أدخلت العشرات من قادة وعرّابي المافيات أقفاص الاتّهام، بالذات عبر ما أدلى به بوشّيتّا لفالكوني منذ مطلع التسعينيات بعد أن صفّىت زعامات عصابات كورليوني بزعامة توتو ريينا أفراد عائلته، بمن فيهم ولديه الشابين.
أسمى بوشّيتّا ما كان يُدلى به أمام القاضي والمحكمة بـ «الإفادات» وليس بـ «الاعترافات»، لأنه اعتبر نفسه، كما قال "لست نادماً، بل مدافعاً عن كوزا نوسترا التي حرَّفها توتر ريينا بدمويته عن مسارها. وحين أتاحت له المحكمة مواجهةً مع العراب الأكبر توتو ريينا، وهو الأكثر دموية في تاريخ كوزا نوسترا، حدّق بوشّيتّا مباشرة في عيني من أفزع الآلاف وقال له ”لن تكون الدولة هي من سيدحر «كوزا نوسترا»، بل أنت، لأنّك حرفت المنظمة عن مسارها وأخلاقيّتها».
يُصرّ تومّازو بوشّيتّا في إفاداته للقاضي فالكوني بأنه كان وما يزال «رجل كلمة الشرف»، وهي الصفة التي تُطلق على من ينتظم بشكل عضوي في صفوف المافيا. واعتبر عرّابا كوزا نوسترا المشهوران، توتو ريينا وبيرناردو پروفينتسانو، هما من قادا «كوزا نوسترا» صوب هاوية الإجرام. فـ ”المافيا القديمة لم تكن تقتل الأطفال أو النساء أو القضاة“، وبرُغم اعتراض القاضي فالكوني على تأكيدات العرّاب هذه، فقد لمس لديه، ببصيرة الصقلّي العارف لطبائع أبناء جلدته، قدراً من الصدق، الذي سرّب عبره بوشّيتّا من الأسرار التي مكّنت القضاء توجيه ضربة موجعةٍ إلى قلب المافيا، أو بالأحرى إلى «قُبّتها».
كلّ ذلك موثّقٌ في شريط المخرج هو الايطالي الكبير ماركو بيلّوكيو «الخائن» الذي تناول مافيا كوزا نوسترا الصقلّية، عبر الشخصية الرئيسة فيه هذه المنظّمة الإجراميّة. وعراب المافيا الشهير تومّازو بوشّيتّا، الذي صفّى توتو ريينا جميع أفراد عائلته، فيما سمح، هو، باعترافاته وانسحابه من كوزا نوسترا، بإماطة اللثام عن أسرار مثيرة وكثيرة عن تركيبة عصابة الإجرام المنظّم هذه، وبنائها الهرمي، وتركيبة الزعامة المعروفة ب "القبّة".
عُرض الشريط في المسابقة الرسمية للدورة الثانية والسبعين لمهرجان «كان» السينمائي الدولي، وهي مشاركة بيلّوكّيو الخامسة في هذا المهرجان العريق.
وتزامن العُرض الرسمي للفيلم في يوم الثالث والعشرين من أيار، المُصادف للذكرى السابعة والعشرين لاغتيال القاضي جوفاني فالكوني بعملية تفجير رهيبة في الطريق ما بين مطار پاليرمو الصقليّة ومركز المحافظة، تلتها عملية تفجير أخرى في التاسع عشر من تموز/ 1992 أودت بحياة القاضي پاولو بورسيلّينو، زميل فالكوني ورفيق حياته منذ أيام الصبا. وباغتيالهما أزاحت كوزا نوسترا عن طريقها أهم قاضيّيْن قضّا مضاجعها، لذا لم يكن عجباً أن يحتفل المافيون بعد تلك العمليّتين بفتح العديد من قناني الشمبانيا.

معارف بمثابة الحكم بالاعدام
”أنت وأنا، جناب القاضي، محكومٌ علينا بالموت، والسؤال الوحيد في هذا الصدد ليس أين أو كيف، بل هو، حول من منّا، نحن الإثنين، سيُقتل قبل الآخر!“ هذا ما يقوله بوشّيتّا لجوفانّي فالكوني، لإدراكه بأنّ كوزا نوسترا له تغفر له هو شخصياً «خيانته»، كما إنّها لن تغفر لفالكوني تعرّفه واطّلاعه على أسرار عبر إفادات بوشّيتّا.
يقول ماركو بيلّوكيو ”إطّلعت على تفاصيل حياة شخصية لم أكن أعرف عنها الكثير، وكنت كمن يُجري تحقيقاً داخل تحقيق“ ويُضيف ”إنّ شخصية بوشّيتّا فريدة من نوعها، فهو، بشكلٍ ما خائن، كما أنّه ليس كذلك في عين الوقت. وهو، في حقيقة الأمر، أبعد ما يكون عن البطولة، إذْ هو إنسانٌ فقد كلّ شيء وَثَقَ بالقاضي الجالس أمامه واعتبره رجلاً شريفاً وهب نفسه للصالح العام“.
لن نعلم على الإطلاق ما إذا كان الصفحات الخمسمئة التي احتوت إفادات بوشّيتا قد تضمّنت بالفعل كلّ ما كان بوشّيتّا يختزن في ذاكرته من أسرار المافيا، إلاّ أنّ ما نطق به كان، بالتأكيد، كافياً لتوجيه ضربة موجعةٍ إلى قلب عصابة كورليوني بزعامة توتو ريينا، الذي مات في السجن بعد سنين من اعتقاله في شباط عام 1993.
ورُغم استناده على التوثيق الدقيق حول حياة تومّازو بوشّيتّا، وحول صعود نجمه وأفوله في فضاء «كوزا نوسترا»، فإن ماركو بيلّوكّيو لم يُنجز فيلماً وثائقيّاً عن هذه الشخصية، بل أجرى قراءته الشخصية التي سبر تها دواخل الرجل ليتعرّف على الإنسان الكامن في داخله، بالضبط كما كان قد فعل قبل عقد ونصف في فيلم «صباح الخير أيّها الليل»، والذي تناول فيه شخصية رئيس الحكومة الإيطالية الأسبق آلدو مورو الذي اختطفته جماعة «الألوية الحمراء» واحتجزته رهينة واغتالته بعد خمسة وخمسين يوماً لأن الدولة الإيطالية رفضت الانصياع إلى مطالبها بإطلاق سراح عدد من زعامات الجماعة الإرهابيّة المسلّحة. وفي حال آلدو مورو أيضاً، وبرُغم التوثيق الدقيق، سعى بيلّوكيو إلى سبر دواخل شخصياته، ما أبرز في الختام بأنّ من افترضه الإرهابيون رهينةً، كان الأكثر حرّيّةً منهم جميعاً.
وكما في حال شخصية آلدو مورو التي أدّاها بشكل رائع الممثل روبيرتو هيرليسكا، فقد أناط بيلّوكّيو دور بوشّيتّا إلى الممثل الرائع پيير فرانتشيسكو فاڤينو، الذي كان مُرشّحاً قوياً لنيل جائزة أفضل أداء رجالي في المهرجان، والتي ذهبت في نهاية المطاف إلى الممثل الإسباني آنتونيو بانديراس بطل فيلم «ألم وزهو» للمخرج الإسباني پيدرو آلمودوڤار. ولا عجب من أن يكون فاڤينو قد أبدى، في حوار أُجري معه قبل عرض الفيلم في المهرجان، مخاوفه التنافسيّة من بانديراس بالذات.

*******************************

 

العضوة الإيطالية في لجنة التحكيم: عشقت فيلم «الخائن»

قالت عضوة لجنة التحكيم الدولية الإيطالية آليتشي روهرڤاكير بأنّها عشقت فيلم "«الخائن» للمخرج الايطالي الكبير ماركو بيلّوكّيو، لكنّ جهودها من أجل منحه إحدى جوائز المهرجان باءت بالفشل، وفي معرض تعليقها على عدم حصول الفيلم على أيّة جائزة في الدورة الثانية والسبعين لمهرجان كان السينمائي الدولي، قالت روهرڤاكير في تصريح لوكالة «آنسا» الإيطالية بعد عودتها إلى إيطاليا "عشقت فيلم «الخائن»، واعتبره فيلماً كبيراً، وسعيت إلى إدخاله في منطقة الجوائز، لكنّ محاولاتي الحثيثة هذه، ضمن المنطق الديموقراطي للجنة التحكيم الدولية، باءت بالفشل للأسف الشديد".

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top