خبراء الفقه الإسلامي وحدود هيئة المفوضين

آراء وأفكار 2019/05/28 12:00:00 ص

خبراء الفقه الإسلامي وحدود هيئة المفوضين

هادي عزيز علي

3 - 4

(المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة .. ) هذا ما نصت عليه المادة 92 \ ثانياً من الدستور. والهيئة القضائية وحسبما استقرت عليه التشريعات العراقية وتطبيقاتها طيلة عمر الدولة العراقية تتكون من قضاة حائزين على الشروط القانونية لتسنم مهمة القضاء، ولكي يكون الشخص قاضياً يجب أن يكون متخرجاً من المعهد القضائي ، أو محاميا أمضى في مهنة المحاماة مدة لا تقل عن عشر سنوات ولم يتجاوز عمره الخامسة والأربعين عاماً استثناء من شروط التخرج من المعهد القضائي فضلاً عن الشروط الأخرى الواردة أحكامها تحت عنوان : ( الوظيفة القضائية الواردة في قانون التنظيم القضائي رقم 19 لسنة 1979 المعدل ) .
وقد يحتج البعض بأن النظام القضائي العراقي أجاز تشكيل بعض المحاكم من قضاة وموظفين كما في تشكيلة محكمة رعاية الأحداث أو المحكمة الكمركية وهذا النص صحيح جداً وقانونياً أيضاً . ولكن المحكمة الدستورية ليست محاكم أحداث ولا محكمة كمركية لكون هكذا محكمة وبهذه الرفعة وبهذه الوظيفة الحارسة للنصوص الدستورية يجب أن يكون أعضائها من سدنة العدالة ، من القضاة الحائزين على شروطها وأسبابها .
ولسنا وحدنا من يذهب الى ترشيح القضاة وحدهم لعضوية المحكمة إذ أن هناك من سبقنا في هذا المجال في المحاكم الدستورية في العالم العربي . فعلى سبيل المثال لا الحصر إن المحكمة الدستورية المغربية – والتي تعد الأحدث في التشكيل – تتألف من كفاءة قضائية وعلى تكوين عالٍ في مجال القانون الذين مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة (15) سنة المشهور لهم بالتجربة والنزاهة ( المادة 130 من الدستور المغربي ) والقانون التنظيمي القضائي المغربي الصادر تنفيذاً للمادة الدستورية اعلاه ) . وهذ يعني إن من يتولى أعمال عضوية هذه الهيئة الرفيعة ( قضاة ) ليشكلوا الهيئة القضائية التي قصدها الدستورمر ذاته بالنسبةللمحكمةالمصرية التي تتشكل من رئيس واعضاء الهيئاتدلها خمس سنوات متصلة على الاقوان يكوثلثا الاعضاء المحكمة على الاقل من بين اعضاء اومن المحاميين المشتغلين اممن
في بعض تشريعات الدول العربية يتم اختيار أساتذة القانون ممن لديهم خدمة جامعية تزيد على العشرين سنة ، وأمضوا عدد من السنين بدرجة ( استاذ) ومستمرين على البحث وأصحاب منجز بحثي مشهود له على وفق المعايير الأكاديمية ، هؤلاء يحق لهم الدخول في عضوية المحكمة الدستورية بعد حيازتهم الشروط القانونية الأخرى ، كما هو ساري العمل به في المحكمة الدستورية التونسية . أو كما هو متبع في تعيين الأعضاء لدى المحكمة الدستورية المصرية التي اشترطت النصوص القانونية لعضويتها أن يكونوا أعضاء في الهيئات القضائية الحالية والسابقة وبوظيفة مستشار له فيها خمس سنوات متصلة على الأقل . ويجوز لعضويتها أساتذة من الجامعة مختصين ممن أمضوا في وظيفة (استاذ ) ثماني سنوات متصلة على الأقل .
إن اشراك الاساتذة في عضوية المحاكم الدستورية في الدول العربية على وفق التوصيف أعلاه جاء نتيجة للتجربة الطويلة التي اكتسبت تقاليد وأحكام العمل الدستوري , ففي مصر على سبيل المثال بدأ هذا النشاط الدستوري منذ هام 1924 ، فضلاً عن اكتسابهم قصب الريادة في النشاط القانوني بشكل عام والدستوري على وجه الخصوص ، لذا من غير الجائز استنساخه وتطبيقه في العراق – كما هو - خاصة وان تجربتنا في هذا المجال لازالت طرية لحداثة العهد بهذا النوع من النشاط القانوني .
وقد يحتج علينا البعض بوضوح النص الدستوري الذي نص على : ( تتكون المحكمة الاتحادية العليا . من عدد من القضاة وخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن باغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب ) . نعم النص لا لبس فيه ولكي لا نخرج عن هذا النص ولكي نضع أشخاصها بحجمهم الطبيعي والمعرفي والمهني ، فان الرأي لدينا أن يتضمن مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا فصلاً أو أحكاما تتعلق بتشكيل هيئة مفوضين – إسوة بهيئة المفوضين في المحكمة الدستورية المصرية – مهمتها دراسة الدعوى من كافة الوجوه ، يختص خبراء الفقه الاسلامي فيها وحسب التكليف الدستوري لبيان ما إذا كان هذا القانون أو ذاك أو هذا النص أو ذاك يخالف أو يتعارض مع ثوابت أحكام الاسلام وترفع التوصية الى الهيئة القضائية للمحكمة الاتحادية العليا لغرض إصدار حكمها . الأمر ذاته بالنسبة لفقهاء القانون ولما يتمعون به من جانب معرفي ومهني لإصدار توصياتهم بشأن ما معروض عليهم من دعاوى أو استفسارات .
وبهذا نكون قد اتبعنا حكم النص الدستوري وحققنا مهنية خبرة الفقيه الاسلامي وحافظنا على المحكمة الاتحادية العليا بصفتها هيئة قضائية حسبما تقتضيه أحكام الدستور والنظام القانوني العراقي النافذ . نحن إذ نقول ذلك ليس تجاوزاً على صلاحيات خبراء الفقه الإسلامي أو المساس بموقعهم إو علمهم ، بل إننا نستقي ذلك من التجربة القضائية على عديد الحقب الزمانية الإسلامية . أي إني أردهم إلى أحكامهم الفقهية ومرجعياتهم . ففي أدب القضاء للخصاف عن مجلس أهل الشورى في القضاء يقول : ( إذا أراد القاضي أن يجلس معه قوم من أهل الفقه والأمانة أجلسهم قريباً منه لأن أهل الفقه إنما يجلسون مع القاضي للمشورة ) . ( ادب القاضي للخصاف ص 317) . والأمر ذاته في المذهب الجعفري اذ يقول الطوسي شيخ الطائفة الأمامية في مبسوطه : ( ومن الناس من أجاز ان يكون القاضي عامياً يستفتي العلماء ويقضي به ) ( المبسوط الجزء8 ص 81 ) . إذن تجمع المذاهب الاسلامية على ان خبراء الفقه الاسلامي ليسوا بقضاة بل إن وظيفتهم تقديم المشورة والخبرة في المواضيع التي يطلبها منهم القاضي . وهذا هو حكم القضاة المسلمون مع تعدد وتغير أزمانهم هذه إذن بضاعتكم نردّها إليكم .
فوجود هيئة المفوضين بالصيغة المبسوطة اعلاه وبحدودها التي يرسمها القانون تحقق هدف المشرع الدستوري الذي نزع نحو الافادة من خبرة خبير الفقه الاسلامي وتوظيفها في من اجل اصدار الاحكام الدستورية .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top