مقامات فنية  ذات إيقاعات فعّالة من حيث المزيج الدقيق

مقامات فنية ذات إيقاعات فعّالة من حيث المزيج الدقيق

ضحى عبدالرؤوف المل

تميل خطوط الفنان "صافي جوني" (Safi Aljouni ) الى الليونة، فتتفاعل معها الألون وفق تناغمات لا تنفي التضاد، بل تتوافق معه بصرياً ، لتكوين سمفونية تشكيلية هي مقامات فنية ذات ايقاعات فعالة من حيث المزيج الدقيق بغض النظر عن التذوق الذاتي .

إذ تخرج الريشة من ذاتيتها، وتمنح اللوحة موضوعية احترافية يجسد من خلالها رؤيته للأحداث من حوله بتحويلها تعبيرياً الى رموز فنية منسجمة مع المعنى والأسلوب ، فالألوان الثابتة أو غير المركبة تستند على التساوي في النقاط التي يحددها، لينطلق منها بثبات متنقلاً بين الداكن والفاتح، لتكون الألوان في اللوحة هي المفتاح البصري الجاذب فنياً، وبقدرة الدرجات الضوئية المستخلصة من الألوان وخاصة الأزرق السماوي بتنسيق يثير الإحساس ويعكس قيمة الليونة في الخطوط وحركتها الداخلية. ليضفي على اللوحة عاطفة وجدانية تمسك بعقلانية النقاط وتوزيعها، لتكون متآخية مع الأضداد في بقية اللوحة . فهل يحاول "صافي جوني" خلق زوبعة بصرية من خلال لوحاته التي تتميز بالسهل الممتنع أو التعقيد المعتمد على بساطة الألوان وشدة نقاطها ؟ أم يحاول إثبات قيمة الألوان في الجمع بين الأضداد بتساو مع أحادية تجمع ولا تفرق ؟ 

ربما! في لوحات الفنان" صافي جوني "بساطة بصرية . إلا إنها دقيقة في نقاطها التكوينية السرية في بعض منها. إذ يغلفها فيزيائياً بالشكل وترابطه مع الأشكال الأخرى، بغض النظرعن الحجم الذي يفرض نفسه في كل شكل ، وكأنه يضع فرشاته على سلم الألوان، كنوتات موسيقية يستخرجها بلذة الفنان الذي يخلق من الألوان أشكاله الاجتماعية والطبيعية والحيوانية وغيرها . ليكون المعنى متوافقاً مع الأسلوب المتلائم مع الليونة التي تضفي على لوحاته الإحساس بالمحيط الاجتماعي الذي يضعنا فيه. لينشِىء نوعاً من المحاكاة الثلاثية بينه وبين اللوحة والرائي ، فهل يفكك القيود التشكيلية ليلتزم بنقاط الألوان التي يتحدى بها الخطوط الاخرى في اللوحة بعيداً عن الضوء والظل وما الى ذلك . 

تبلغ تفاعلات الألوان في أعمال صافي ذروتها عند التحامها بالأزرق الذي يعانق الضوء بسطوع الأصفر، كدهشة بصرية هي علامات استفهام تشير الى لب الموضوع المطروح في لوحاته من الحروف العربية وإشكالها بين الألف والخاء والنسوة لرجل واحد وطفل، والأشياء من جماد. لتحيا الألوان الأخرى وفق انعكاسات الأصفر والأزرق والتفاعلات التي تتوالد من التفاصيل الاخرى غير المرئية، فتغدو الصراعات توافقات والتضاد تناغم، والأزرق والأصفر بتنافر لا نهاية له ، مما يسمح للتدرجات بالتذبذب بين هذا وذاك، ويسمح للمعاني البصرية بالوصول الى الذائقة الذهنية بجمالية فنية هي معادلة خاصة بالفنان "صافي جوني" الذي يتفاعل مع ثلاثيته والضوء تاركاً للظل حيرته بين لوحة ولوحة، بتوليفات معقدة أحياناً يفككها باللون نفسه بين فاتح وداكن، وبطابع درامي ذي مضامين حياتية ينهي بها صراع ويبدأ صراع . لتترسخ فكرة السلام من خلال الألوان وما تضمره من تعبيرات هي الطريقة الفنية ذات النهج المرتبط بالتفاعل بين القيم الجمالية وانعكاساتها التي تتخذ بعداً تشكيلياً مغايراً من حيث الأسلوب والمضمون، والبناء المحكوم بحبكة اللون ومساراته المتحررة من النقاط رغم التقاطه له أو الالتزام بها . فهل من ترابط بين الأشكال ومفردات اللون الأزرق والأصفر في لوحات الفنان صافي جوني؟ 

يعتمد جوني على بؤرة اللون البصرية ليصنع منها حبكة تشتد وتتراخى أمام الألوان الأخرى، تاركاً للشكل أن يترجم الأحاسيس الأخرى، بعيداً عن الانفعالات لتكون أعماله قابلة لعدة تأويلات تتواشج مع بعضها مؤلفة صورة ذهنية تستقر في الوجدان او بالأحرى في الذاكرة البصرية التي يهتم لها. وبذلك يجعل من لوحاته رسالة تشكيلية ذات أسس وأبعاد تبدأ باللون ولا تنتهي عن الشكل وليونة الخطوط . فهل من سلام بين الألوان في لوحات تهدف الى الاستقرار الذهني البصري ؟ 

 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top