علي رياح
نخطو مسرعين نحو خاتمة موسمنا الكروي (الراكض) نحو ذمة التاريخ .. ولم أجد القدرة على منع نفسي من أن تعلّق بالعبارة المصرية الشهيرة (أهو كلام والسلام) ،
حين قرأت هذا الدمار المفزع الذي حلَّ بالاستفتاءات الرياضية العربية، وإلى الحد الذي باتت فيه الحقائق الملموسة بالمقاييس النظرية والعملية، أشبه بالنكات التي تستدر ضحكاً كالبكاء!
انظروا إلى هذه الوجهة التي يأخذها استفتاء أقوى دوريات كرة القدم في الوطن العربي عبر إحدى الإذاعات العربية وقد كنت استمع إليه وأنا استقر في التاكسي أنشد الذهاب إلى أحد الأماكن.. النتائج حتى اللحظة التي أكتب فيها هذه الفكرة، تشير إلى اكتساح سعودي لا يُبارى وصل إلى مستوى الحصول على ما يزيد عن ثلث أصوات المشاركين في الاستفتاء عبر الرسائل النصية، أي تلك الوسيلة التي تكلف صحابها مبلغاً ولو ضئيلاً من المال..
أما المفاجأة المدوّية التي تستحق أن تقترن بها عبارة (من العيار الثقيل) فهي أن دوريات عربية أخرى في بلدان متدنية المستوى في الكرة، قد استولت على نصيب ليس قليلاً من الأصوات، وهذه دول لا قيمة فنية للدوري فيها كما أن منتخباتها لم تسلم من التراجع خلال السنوات الأخيرة بسبب هبوط المردود الفني في الدوري المحلي!
عقلك سيتململ، وسيتحرك على الفور وستسأل عمّا حلّ بالدوريات العريقة الكبيرة في مصر وتونس والعراق والمغرب وقطر والأردن وغيرها.. معك حق فيما ستذهب إليه، فلقد اختفت هذه الدوريات تماما من واجهة الاستفتاء، وهي ضربة موجعة موجهة إلى طبيعة الاستفتاء قبل أن توجه إلى الدوريات نفسها.. وهذا ناتج عن فعل (المادة) وتدخل الأهواء الشخصية أو التعصب النادوي في الاختيار، وهو أمر يمنحك، بدوره، الفرصة لتتوقف عند طبيعة الجمهور الذي تستقطبه أو تستدرجه هذه الاستفتاءات التي تلعب كثيراً على وتر التعصب وليس الصوت المنطقي المعقول!
فخلال خمسين سنة مضت، لم تنتزع أشكال التطور الحاصل في كرة القدم صفة (التفرّد) من مسابقة كالدوري المصري، فلماذا يغيب هذا اللون العريق المميز الذي احتفظ بسحره، وبأجوائه، وبنجومه، وبأصدائه المثيرة، فضلاً عن مستوى المباريات وهو مميّز وتحيط به المتعة من كل صوب ..
أما الدوري العراقي ، فبالرغم من ملاحظات كثيرة تؤشَّر على نظامه ، وعلى مستوياته خلال المواسم الماضية ، وعلى أمده الزمني الشديد المرهق الذي يصل إلى ما أسميناه قبل سنوات (دوري الفصول الأربعة) ، فإنه يظل في مرتبة متقدمة .. وأنا أراه في ترتيب متقدم إلى جانب الدوري المصري والقطري والتونسي والسعودي والمغربي والأردني .. ومع كل هذا ، فان الصوت العراقي اختفى تماماً..
هذا هو بالضبط ما يمكن أن نسميه (استفتاء .. والسلام) .. فالغاية جليّة ولا تستدعي إجراء بحوث معمّقة تمنح البراءة للجانب التجاري الذي يحاول ـ في كل مرة ـ العزف على اهتمامات الجمهور العربي المُحب لكرة القدم، ومحاولة استخراج ما في الجيوب من منطلق حث كل مشجع على التعصب لناديه وللدوري الذي يلعب فيه!
استفتاءات جماهيرية؟! لا شك في ذلك ، ففرصة التصويت متاحة لك ، وأنت محق في ما تقول أو تختار بعد أن تدفع مقابلاً لصوتك .. لكن ما أبعد إفرازاتها ونتائجها عن القدر الأدنى من الموضوعية.. فبعد أيام، ستأتي النتائج، لتتحدث عمّا بلغناه من قدرة على التعصّب وعلى القفز فوق الحقائق.. فنحن نجري ونقفز ونلهو بفلوسنا، ولا دخل للحقائق في عمل تجاري يرتدي لبوس الكرة!
اترك تعليقك