د. فالح الحمـراني
بعد "سباق مضني" استمر ثمانية أشهر تقريباً من تشكيل الحكومة الجديدة في العراق ... كلا ، لم تكتمل بعد، لكان تشكيل حكومة سهلا جداً على جمهورية ذات حكم برلماني في واقع الشرق الأوسط.
ولكن، أخيراً، تم اتخاذ خطوة مهمة إلى الأمام: في 23 حزيران ، تم تعين نجاح حسن الشمري، وزيراً للدفاع، وياسين الياسري، وزيراً للداخلية، وفاروق أمين، وزيراً للعدل.ولكن المجلس لم يصدّق على تعيين المرشحة لشغل منصب وزير التربية سفانة الحمداني.
ولكن بأي ثمن تم تحقيق ذلك؟ النتيجة الواضحة الأولى كانت خروج صاخب لتيار الحكمة من تحالف من "أجل الإصلاح". يبدو أن الوسطيين يشعرون بالغبن في توزيع المناصب، التي أسفرت عنها مفاوضات في ما وراء الكواليس، وعلى الفور هاجموا في وسائل الإعلام رئيس الوزراء وزملاؤه من كتلتي "سائرون" و"الفتح". وبالتالي ، يمكننا أن نعلن نهاية تحالف" الثلاثي البرلماني المنتصر" الذي تشكل بعد الانتخابات بفترة وجيزة. لقد استخدم نشطاء فتح ، والمتقدمون في الانتخابات من "سائرون"، تيار الحكمة بمثابة صمام أمان، في المفاوضات مع أحزاب المعارضة. وسيؤدي ذلك إلى جلب الكثير من الموضوعات الجديدة في الواقع اليومي للبرلمان العراقي، ولكن أقل بكثير من أهمية تعيين وزيري الدفاع والشؤون الداخلية
كان إجراء أداء اليمين روتينياً، "في مناخ عملي" وجرى حسم الموضوع في اجتماع واحد للبرلمانيين. وحتى لم يُترك الوقت لأسئلة أخرى. ولكن، سبق ذلك مساومة غير مسبوقة فيما وراء الكواليس بدأت منذ اليوم الأول تماماً، حين قدم عادل عبد المهدي منذ 8 أشهر 18 مرشحاً من أصل 22 ، تاركاً إلى "ما بعد" 4 وزارات ، اثنتان منها، للشؤون الدفاعية والداخلية ، وهما الأكثر أهمية في العراق بعد وزارة النفط، حتى الاتفاق بين الكتل السياسية. الذي استغرق تحقيقه كل هذا الوقت.
كل ما جرى يناقض بصورةً لافتة، مصالح بناء الدولة أو الأداء الطبيعي لجهاز السلطة التنفيذية، حيث تحول إلى مهزلة لا تنتهي، صاحبتها اتهامات متبادلة، ومساومات ومضاربات، وابتزاز ، وإنذارات. وفي المرحلة الأخيرة من العملية، أرسل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي خطاباً إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، والذي تضمن، بالإضافة إلى وصف مفصل للمشكلة، تلميحاً واضحاً إلى أنه يكفي الانشغال بمشكلة تعيين الوزراء المتبقين دون نهاية، لأن كل هذا يتجاوز المنطق السليم. وبالطبع، لم يصبح هذا الخطاب في حد ذاته، سبباً باستكمال مناقشة المرشحين والموافقة عليهم، فقد تم التوصل إلى الاتفاق الأساس، كما نرى من نص رسالة عبد المهدي ، في وقت سابق.
وعلى هذا النحو ، يصبح من الواضح أنه في الفترة ما بين 9 و 20 حزيران، تم التوصل إلى اتفاق بشأن المناصب الشاغرة الرئيسة، وكذلك على منصب وزير العدل الاتحادي، وهو أمر سياسي مهم للتكتل الكردي.
لقد مرت ستة عشر عاماً منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 ، وما زالت البلاد تعاني من قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى لم يتم حلها. حتى أكثر الناس تشاؤما في العراق لم يظن أن الوضع سيكون بهذا القدر من السوء. والسياسيون من جميع الخلفيات لا يستجيبون للتحديات التي تواجهها البلاد. وترجع الفوضى السياسية الحالية في العراق إلى حد كبير إلى دستور عام 2005 المكتوب على عجل. وتعاون مختلف السياسيين من ممثلي مكونات المجتمع العراقي ، لتأمين فوائد قصيرة الأجل لمصالحهم الخاصة.
والدستور غامض في كثير من النواحي. والقضايا الأكثر حساسية مثل توزيع عائدات النفط ، ، وأكبر كتلة انتخابية ترشح لرئيس الوزراء ، والعديد من القضايا الأخرى عرضة لتفسيرات مختلفة ، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى مزيد من الانقسام والصراع وعدم التسامح. ولا يحتاج العراق إلى إعادة كتابة الدستور بأكمله ، لكن بعض الأجزاء بحاجة إلى التغيير لأن الوضع الراهن يغذي الطائفية وينتج سياسيين ومسؤولين حكوميين فاسدين. وكشفت السنوات الأربع عشرة الماضية عن الحاجة الملحة إلى العديد من التعديلات الدستورية لتوضيح معنى ونطاق الفيدرالية ، وإعادة تشكيل المؤسسات الوطنية ، ومراجعة النظام الانتخابي ، وإعادة النظر في النظام البرلماني نفسه.ومن الناحية الاقتصادية على الرغم من العائدات النفطية البالغة 1 تريليون دولار التي تم توليدها منذ عام 2005 ، فإن مستوى الفقر في العراق مروع. لم يستفد معظم العراقيين من ثروة البلاد النفطية ، لكن نسبة صغيرة من السياسيين وعائلاتهم استفادت على نطاق واسع. ويظل الاقتصاد العراقي أكثر ريعية ، حيث يمثل النفط البعد الوحيد ، وتستخدم الحكومة عائدات النفط لدفع رواتب ما يقرب من ثلاثة ملايين موظف في القطاع العام. لا يزال القطاع الخاص متخلفاً. لا توجد قوانين فعالة لتحفيز الشركات الخاصة ، وبالتالي فإن أصحاب المشاريع المحليين والدوليين عرضة للفساد ، ومرة أخرى يتم اختزال العراقيين العاديين.
من الناحية الاجتماعية ، وعلى الرغم من النصر الكبير الذي حققه الجيش العراقي وقوات التعبئة الشعبية - بدعم من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة – ضد ما يسمى بدولة العراق الإسلامية والشام (داعش) في عام 2017 ، فالثقة معدومة والخوف لا يزال يسيطر على شرائح المجتمع العراقي المختلفة وانعدام الثقة في الحكومة المركزية عالية. وما لم تتخذ الحكومة خطوات لتغيير النظرة العامة والتماسك الاجتماعي ، فإن الأمن القومي سيكون في خطر. وأدى الافتقار إلى الخدمات الأساسية ، مثل المياه النظيفة والكهرباء ، في بغداد والمدن الكبرى في الجنوب إلى احتجاجات تلقت تغطية صحفية دولية ، لكنها لم تدفع الحكومة إلى اتخاذ خطوات ملموسة لمعالجة القضايا الأساسية.
بسبب هذا الوضع ، فمن المتحمل أن تشهد البلاد فورة من الاحتجاج الشعبي في العراق . يعتبر العديد من علماء الاجتماع المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية عوامل تدفع وراء الثورات ، والعراق معرض لخطر كبير على الجبهات الثلاث. ويبدو أن الاضطرابات الاجتماعية أمر لا مفر منه مع معدل بطالة يقدر بنحو 40 في المائة بين الشباب العراقيين الذين يواجهون مستقبلاً غامضاً. ولا تزال الدولة تفشل في خلق الوظائف وخلق بيئة تسمح للقطاع الخاص بالازدهار وخلق الفرص لجميع العراقيين يمثل مشكلة. إن التمرد لا يهدف بالضرورة إلى تغيير كلي في النظام: يتفق العراقيون على أن الديمقراطية تناسب احتياجاتهم. لكن العديد من الأصوات في العراق ، بما في ذلك بعض القادة المؤثرين مثل السيد مقتدى الصدر ، طالبوا بانتفاضة سلمية لاستئصال أسباب الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإعادة تشكيل الحكومة العراقية بطريقة من شأنها أن تنال ثقة الجمهور.
•اعتمدت المادة على مواد تتعلق بالعراق في وسائل الإعلام الروسية.
اترك تعليقك