ترجمة : لطفية الدليمي
- القسم الثاني -
نغوغي وا ثيونغو Ngugi Wa Thiongo: كاتب كيني بارز يكتب في حقول الرواية و القصة القصيرة
والمقالة و تتناول أعماله مساحة واسعة من الاشتغالات تمتد من النقد الاجتماعي والانثروبولوجيا الثقافية وحتى أدب الأطفال. اعتاد واثيونغو على الكتابة باللغة الإنكليزية و لكنه أحجم عنها في مرحلة ما من تطوره الثقافي و انبرى للكتابة بلغة (Gikuyu) المحلية .
هذه ترجمة للقسم الثاني من مقاطع منتخبة تضم معظم أجزاء الحوار الذي أجراه موقع ( Washington Independent Review of Books ) مع واثيونغو في 11 نيسان عام 2013 و نلاحظ فيه غلبة الاشتغالات السوسيولوجية و الانثروبولوجية على ماسواها مما يتحدث عنه الكتاب الغربيون بعامة و تلك سمة نلمحها في أغلب الأحايين عند الكتاب الأفريقيين و سواهم من الذين عانت بلدانهم وطأة استعمار كولونيالي حيث تحتل مفاهيم : الهوية و اللغة و الأنساق الثقافية و الحراك الاجتماعي و السياسي و حقوق الفرد ( الطفل و المرأة بخاصة ) و الشظف الإقتصادي و جراحات الذاكرة الطفولية حيزا رئيسيا في معظم تلك الأحاديث و تتراجع الإنشغالات الفردية الصغيرة و طقوس العمل اليومي مما نعهده في أحاديث الكتاب الغربيين الذين تكرست عندهم تقاليد الفردانية Individuality الصارمة حتى أضحت بمثابة دستورهم المقدس ، و قد أحالني الحوار في مواضع محددة منه الى ما كتبه الانثروبولوجي الراحل ( كلود ليفي شتراوس ) في كتابيه ( البنى الأولية للقرابة ) و ( الأنثروبولوجيا البنيوية ) و تلك حالة أحسبها رائعة و مدهشة و تشير الى الإشتباك المركب و المعقد بين الفضاء الأدبي و الفضاءات الثقافية الأخرى .
المترجمة
× لو أن الثقافة الكينية المحلية تلبست دور الثقافة الكولونيالية البريطانية فأي تأثير بحسب رأيك كان يمكن لها أن تملكه في تشكيل كينيا الحاضرة ؟
• لم يكن لهذه الحالة الافتراضية أن تحصل و لن تحصل حيثما وجد مستعمر ( بكسر الميم الثانية ) و مستعمر ( بفتح الميم الثانية ) ، فالقوة الاجتماعية المهيمنة ترمي دوما لأن تفرض ثقافتها على المجتمع المهيمن عليه .
× بعض من رفاقك الكتاب الأفارقة من أبناء جيلك الذين شهدوا عصر الكولونيالية و ما بعد الكولونيالية يعيشون اليوم في أوطانهم الجديدة ويكتبون منها عن الأمكنة الجديدة التي يقيمون فيها . هل تراه أمراً محتوماً كما يكتب المصور الصحافي الإيراني – الفرنسي رضا ديكات Riza Deghat بأن كلا منهم " ينتابه شعور بالنحيب على وطنه الأم " بصرف النظر عن الحرية الواسعة التي منحتها لهم أوطانهم الجديدة ؟ هل ترى في مذكراتك نحيباً على وطنك الأم ؟
• سأصف الحالة تماماً و أقول إنها شوق : شوق الى المنزل ، و أحسب أن هذا الشوق يستحيل مع الوقت شوقاً الى منزل مثالي ، منزل أفلاطوني تصله في أحلامك و لكن ليس بوسعك أن تمتلكه فتعيد المحاولة ثانية .
× قلة فقط من الكتاب الأميركان تكتب كما تكتب أنت عن البهجة التي يأتي بها التعلم و توسيع الآفاق العقلية المصاحبة للتعليم : فتح ثغرة سحرية في جدار العوالم و الثقافات الأخرى مع القبول بفقد شيء مما اكتسبناه سابقاً . هل تظن إنك كنت ستشعر بذات الشعور المبهج لو كنت تلقيت ذات تعليم الأميركيين في قريتك الكينية ؟ و هل ترى إنك زاوجت بين تجربتيك : المحلية و الكولونيالية ؟
• التجربة المعرفية الاعتيادية تقوم على أساس أن نبدأ من ( ماذا ) و ( أين ) و ( كيف ) بما نحن عليه و من ثم نضيف لها و ندمج الخارجي مع ذواتنا . الكولونيالية تكسر هذا الترتيب الطبيعي لأنها تحاول أن تجعل مما هو غير طبيعي يبدو طبيعيا بالقسر فهي تحاول أن تجعل ضحاياها يتواءمون مع ماهو خارجي عن ذواتهم بلا نظر في ذخيرتهم الداخلية و مواهبهم الذاتية . أنا مثلا أفضل أن أبدأ بتعلم لغتي المحلية ( كيفما كانت ) و من ثم أضيف لغات أخرى الى ترسانتي اللغوية ، لكن الكولونيالية تبتغي مني أن أبدأ بتعلم لغتها السائدة حتى لو ترتب على هذا نسيان لغتي المحلية في خضم هذه العملية .
× توصف اللغة كثيرا هذه الأيام بأنها إطار للفكرFramework of Thinking : نوع من وسيلة ما نرى من خلالها العالم . كيف يختلف العالم الذي تراه من خلال لغة Gikuyu مع العالم الذي تراه من خلال الأنكليزية ؟ هل تجد صعوبة ما في إيجاد المفردات الإنكليزية ؟ هل تعمل كمترجم ذاتي لنفسك دوما ؟
• نحن كلنا نرى العالم ذاته ، لكن كل لغة لها نبرة موسيقية تتميز بها و تختلف عما لدى أية لغة أخرى . أناضل لإيجاد المفردات المناسبة دوماً سواء كتبت بالإنكليزية أو بالسواحلية ، و قد ترجمت بعضا من كتبي الخاصة الى الإنكليزية و ساعدني الدكتور ( وانغوي غورو ) في ترجمة بعضها الآخر .
× بأية لغة تفكر معظم أوقاتك ؟
• ذاك يعتمد على الموقف الذي أكون في خضمه و لكن لا ينبغي أن ننسى أنني أعمل حالياً أستاذاً متميزاً للغة الإنكليزية و الأدب المقارن في جامعة كاليفورنيا – أرفين و قضيت معظم حياتي العملية أستاذا للانكليزية و معظم الكتب التي أقرأها هي بالانكليزية و ثمة القليل بالمقابل من الكتب التي تنشر بلغة الكيكويو المحلية . الإنكليزية طاغية في تفكيري بحكم واقع الحال كما ترون .
× هل ثمة من كاتب لحقبة الأدب مابعد الكولونيالي ممن تراه صالحاً لتمثيل هذا الأدب ؟ و هل ثمة من كاتب ما تسعى لقراءة أعماله دوماً ؟
• مفردة " ما بعد الكولونيالي " تستدعي إشكالية عميقة لجهة التحقيب الزمني و جهة التوصيف معا و ليس ثمة من أدب يمكن أن يوصف " ما بعد كولونيالي " ، و قد تحدثت عن هذا مطولاً و بشكل معمق في كتابي ( عولميات Globalectics ) و أنتظر خيراً كبيراً من أولادي بعد أن تنشر أعمالهم : ماكوما وانغوغي الذي نشر للتو رواية ( سخونة نايروبي Nairobi Heat ) و ستأتي روايته الثانية لاحقاً هذا العام ، و كذلك ابنتي وانجيكو ستنشر روايتها الأولى عن دار نشر سايمون و تشوستر البريطانية ، و ثمة أيضا ابني ندوكو ينتظر نشر روايته و كما ترون فقد انتظرت نتاج عائلتي طويلا و أرى حقاً أن ما ينتجه الجيل الأكثر شباباً في القارة الأفريقية مدهش للغاية و أنا أرحب به بقوة : قارئاً و أستاذاً جامعياً و رفيقاً في الكتابة بالطبع .
× ثمة كثير من الأعمال الأدبية والفكرية بعامة تنطلق من القارة الأفريقية اليوم: من الكتاب المعروفين و حتى الكتاب الذين ينشرون أعمالهم الأولى . لماذا يحصل هذا الآن و بزخم ملحوظ ؟ هل ثمة سبب ناجم عن تزاحم الأحداث أم هو محض مصادفة أن يستخدم الكتاب أصواتهم الخاصة و المتفردة ؟
• يحاول الجيل الشاب من الكتاب أن يمنح معنى للعالم الذي يعيش فيه : عالم حقبة ما بعد الإستقلال ، في وقت كنا نحن الجيل الأكبر منهم نحاول أن نمنح معنى لأنفسنا نحن في الحقبة الكولونيالية . الجيل القديم تخطى الحقبة الكولونيالية و ما بعد الكولونيالية في حين أن الجيل الشاب ربما لم تكن له في الغالب تجربة شخصية مباشرة مع الحقبة الكولونيالية و لكنهم يضمنون أعمالهم لمحات من الحقبة الكولونيالية لمنح معنى لأعمالهم في حقبة ما بعد الكولونيالية .
× تجربتك التشاركية في كتابة مسرحية مع ( غيثا موغو ) : كم رأيتها مختلفة ؟ و هل ستفعلها ثانية ؟
• كانت تلك تجربة عظيمة و ربما أقرب الى عمل رسالي و كلانا يفتخر بها كثيرا لأننا أنقذنا ذاكرة الأقوام المحلية من محاولات رسمية امتدت لستين عاما و أرادت – عبر الصمت و التجهيل – طمس الحقائق عن تأريخ الصراع و المقاومة في تلك الأصقاع المنسية .
× هل أن موجات الطلبة الذين تدرسهم في الكلية يجعلونك متفائلاً فيما يخص المستقبل ؟
• الحياة مثل سباق التتابع و نحن نسلم عصا خبراتنا المتراكمة لآخرين و هم بدورهم سيسلمونها لآخرين غيرهم و هنا في هذه الحقيقة يكمن جمال التعليم بعامة و تعليم الأدب على وجه التخصيص .
تعليقات الزوار
Kamal
اتمنى التواصل معكم للتعرف على الشعب الكيني