في ذكرى رحيله الرابعة والعشرين.. كيف نظر الوردي إلى بعض من المسكوت عنه

آراء وأفكار 2019/07/06 07:13:33 م

في ذكرى رحيله الرابعة والعشرين.. كيف نظر الوردي إلى بعض من المسكوت عنه

 ياسر جاسم قاسم

بداية من هي قرة العين؟ .. هي من ابرز الشخصيات في الدعوة البابية حكم عليها بالموت في طهران عام 1852م، بعد سلسلة من المحن والمحاججات والمواجهات الدينية

بينها وبين المؤسسة الراديكالية الشيعية في كربلاء وايران على حد سواء، بسبب دعواتها الكبيرة في تحرر المرأة والتمرد على التقاليد من القابها الطاهرة والمبشرة، وكانت ركنا اساسيا من اركان حركة الباب علي بن محمد الشيرازي، ما يهمنا في هذه العجالة كيف تحدث عنها الوردي وماذا اعتبرها في كتاباته في خضم حديثه عن تاريخ العراق المعاصر وذكره للحركة البابية والبهائية الناتجة منها، وكيف وصفها بعد ان اتهمت قرة العين من خصومها بالاباحية وبالكذب وبتحريف "دين الله":

1- بعد ان يذكر الوردي انقسام اهل قزوين الى شيخيين وخصوم لهم يذكر ان قرة العين نشأت في هذا الجو الفكري المفعم بالجدل ويقول "لا شك انها استطاعت ان تستوعب بذكائها الشيء الكثير من ذلك الجدل وتنتفع به". 

2- كما انه يتحدث عن شجاعتها وذكائها "كانت قرة العين تمتلك صوتا جهوريا ومقدرة كبيرة على الكلام والجدال، فاحدثت في المجتمع الكربلائي هزة عنيفة واصبح اسمها على كل لسان" ثم يتحدث عنها في اجواء الكاظمية وما فعلته هناك من عام 1846 حيث انها كانت "تصعد المنبر فتذهل السامعين بقوة حجتها وحسن القائها". 

3- اما عن تحررها فيذكر الوردي "يبدو ان قرة العين لم تكن متزمتة في حجابها على النمط الشديد الذي اعتادت عليه نساء عصرها، وهي ربما كانت تلتزم بالسفور الذي تبيحه الشريعة الاسلامية وهو اظهار صفحة الوجه والكفين من غير زينة، فكانت تجالس الذين تثق بهم من اصحابها وتحادثهم وهي مكشوفة الوجه، غير ان هذا النوع من السفور لم يكن يستسيغه الناس في تلك الايام فاثار ضجة لدى العامة ورجال الدين، واخذوا يتقولون عليها ويلصقون بها التهم الشنعاء "وهذه ما زالت حتى اليوم يستخدمها رجال الدين مع من يختلفون معه بالرأي فيقولون عنه كافر ملحد، اباحي وغيرها من تهمهم الشنعاء البغيضة كوجوههم". 

4- من الصور التي يتحدث عنها مبرزا شجاعة قرة العين هو خلعها الحجاب في مؤتمر بدشت حيث يعلق الوردي على هذا العمل قائلا "وكأنها ارادت بعملها هذا ان تنسخ حكما من احكام الشريعة هو تحريم التبرج الذي نزل به القرآن" ولم يرهبها موقف البعض المعترض بنسخها لاحكام الشريعة ابدا بل وقفت تخطب فيهم وهنا يعلق الوردي معتبرا "ان هذا الموقف الجريء الذي وقفته قرة العين حسب رواية مطالع الانوار". 

5- كما ان الوردي يعتبر ان ما جرى على البابيين في ايران والبهائيين وعلى قرة العين بالظروف الارهابية ولكنها لم تأبه بهذه الظروف وهي سجينة في بيت محافظ طهران محمود خان كلانترفكانت طيلة فترة اعتقالها في دار المحافظ مبشرة بالدعوة البابية ويقول الوردي "واخذت قرة العين تضرب على اوتار قلوب النساء وتظهر لهن المنزلة الواطئة التي خصصها رجال الدين القديم للمرأة وكيف ان الدين الجديد رفع من شأنها ومنحها حريتها". 

اما خلاصة ما يخرج فيه الوردي تجاه هذه المرأة فأنها امرأة بنظره ليست كسائر النساء فهي علاوة على ما تمزيت به من جمال رائع كانت تملك ذكاء مفرطا وشخصية قوية ولسانا فصيحا وتلك صفات اربع قلما اجتمعت في انسان واحد وان هي اجتمعت فيه منحته مقدرة على التأثير في الناس وجعلته ممن يغيرون مجرى التاريخ، بمعنى ان الوردي يعتبر ان قرة العين قد ساهمت في تغيير مجرى التاريخ. ويعتبر الوردي انها كانت شديدة الميل الى التجديد في العقيدة، فهي قد اعتنقت الشيخية عندما كانت تلك العقيدة جديدة بالنسبة الى عقائد الشيعة المألوفة، ثم البابية وتزعمت القائلين بتجديد الشريعة في مؤتمر بدشت حتى كتب لها الفوز اخيرا، ويعتبر الوردي وبكل شجاعة انه لولا قرة العين لما سار تاريخ الدعوة البابية على النحو الذي سار عليه فعلا. وينفي علي الوردي قول الخصوم من انها كانت تميل لتجديد الشريعة بانه نتيجة زواجها الفاشل من ابن عمها ففي رأيهم انها كانت تبغض زوجها من اعماق قلبها ولما كانت الشريعة الاسلامية لا تمنح المرأة حق الانفصال عن زوجها والطلاق منه فقد اندفعت قرة العين اندفاعا لا شعوريا نحو اعتناق كل دعوة تتيح لها نسخ الشريعة، وعلي الوردي عندما يرد هذا القول لانه يريد ان يبرهن ان رغبتها في التجديد رغبة عقلية ودليل على ذكاء وعبقرية وليس لان زواجها فاشل فهذا تقليل من شأن عقليتها وهو ما يرفضه الوردي بل انه يعتقد انها امرأة لا تخلو من عبقرية وهي قد ظهرت في غير زمانها، او هي سبقت زمانها بمائة سنة في اقل تقدير ويضيف "هي لو كانت قد نشأت في عصرنا هذا وفي مجتمع متقدم لكان لها شأن آخر، وربما كانت اعظم امرأة في القرن العشرين" وكلام الوردي هذا يحيلنا الى اهمية هذه المرأة بالنسبة اليه وبانه يعتبرها امرأة شجاعة في تفكيرها وفي تفكيكها للشريعة الاسلامية ونسخها آنذاك ومن كونها شجاعة بمجابهتها لرجالات الدين واتباعهم في ذلك الوقت العصيب الذي كان يحيق بها.. وعلي الوردي بخوضه في المسكوت عنه كـ"قرة العين" والدين البابي والبهائي انما يبرهن على ان تكون هنالك قراءات متتالية لهكذا تراث مسكوت عنه لأهميته في التجديد الذي كان يشغل باله في كل بحوثه وكتاباته.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top