د.عقيل مهدي يوسف
بعد صدور كتابه الأول، يُتحفنا د. صالح الصحن بكتاب ثان وثالث حسب الترتيب الاتي :- (ألف ليلة وليلة في السينما والتلفزيون عند الغرب)
و (الشخصية النموذجية في الدراما التلفزيونية) و(التذوق السينمائي والتلفزيوني).
يقدم الكتاب الأخير المخرج السينمائي (قيس الزبيدي) ويصفه بأنه كتاب مرجعي فيه تداخل نصي ومحاولات للتعريف بالمصطلح وتفسير موضوعه. نرى أن الكاتب حين يقف عند (الاستجابة الجمالية) التي تتعلق بتذوق المتفرج للعمل السينمائي، مرتبطة بحساسية المتفرج الوجدانية وفهمه الخاص حين تستثيره محفزات الفيلم العقلية والجمالية والاجتماعية التي تشعرنا بالبهجة، فالفيلم يبقى لوحة رُسمت بالضوء في لقطة لها حجم وزاوية ونوع وتكوين من عناصر واشكال ودلالات لونية وشخصيات وأزياء وأمكنة (فنية و وطبيعية) وأزمنة تدل على فضاء ما يحدث تاريخيا ً أو معاصراً أو متخيلا ً وفي إطارات مغلقة ومفتوحة، فالمخرج يحقق كل ذلك لتوظيف تقنياته السينمائية والتلفزيونية وفي تعامله مع الممثل أمام الكاميرا وتحريك الأشياء والتحكم بتعبيريتها في صورة أو لقطة أو مشهد تبعاً لما يرومه من أهداف وحركات وتصميمات وتكوينات في بنية الفيلم (انظر ص 34) ومعيار ذلك كله يتحقق بترتيب الشخصيات وتوزيع الكتل في الصورة المتحركة بغرض إدراك قيمتها الجمالية مقارنة بالاجسام الثابتة في الكادر.
يذكر الكاتب مقولة لـ (كولردج)، بأن " سر العبقرية في الفنون الجميلة يكمن في جعل الخارجي، داخلياً والداخلي خارجياً والطبيعة فكرة والفكرة طبيعة " (ص39).
بالتأكيد يذهب كل متفرج الى موضوعات تبهجه ويتلاءم معها في شعوره بالرغبة بمشاهدتها لأنها ذات بعد أخلاقي خير، ولكنه على المستوى الجمالي يحكم على جمالية الفيلم في موسيقى صوره الضوئية وسحره وفتنته، بعيداً عن أية أغراض خارجة عن هذه الجمالية.
لهذا حرص المخرجون منذ (جريفث) على تقنية " التشويق"، التي تجعل المتفرج رهن الانتظار والمتابعة حتى نهاية الفيلم إذ لكل فيلم حركة أو حبكة، وتخاطب أجناساً بشرية متنوعة يختلف فيها المتفرج الذكي في خبرته السينمائية من سواه عند تلقيه للخطاب السينمائي الضاحك أو المبكي، اعتماداً على حبكة الفيلم أو ثيمته، وعلى كيفية اشتغاله على الإيحاء أو الاختزال أو الخيال لخلق مستويات من التوقع عما يدور في ذهن البطل ولا شعوره أو في تكثيف زمن اللقطة أو طولها فضلاً عن تخيل أطر خارجة عن نمطية الواقع المعاش، وجعلها بنية فيلمية مبتكرة بسمات دينامية ترتفع بنا من الجزء الى كلية الفيلم برمته وفيه تمتزج صور كثيرة وتتزامن في وقت واحد وتقوم على قواسم مشتركة تخص متغيرات التفكير والحدس والإبداع بتنظيم فيلمي بنائي يخص تكوينه الصوري، سواء تعلق بخيال حر، أو علمي، أو فانتازي.
يجد - الكاتب - إن للتلفزيون كما للسينما، وظيفة خاصة وحرفة وتقنيات وأساليب، يقتربان أو يبتعدان عن بعضهما البعض، ولكل منهما صورة مغايرة في متخيلها الفردي والجماعي، لكن التأثير السينمائي يحدث بطريقتين مختلفتين عما يحدث في التلفزيون، إذ يقول " روسيف" بأن التأثير في السينما يأتي على شكل (دفعة واحدة)، أما في التلفزيون فأنه يأتي على شكل دفعات (متتالية) مؤثرة في المتفرج.
إن عناصر البنية في المسلسل التلفزيوني حسب قيس الزبيدي تقوم على نمط الحكاية وزمنها السردي وحوارها وبنيتها الفنية والنص الإخراجي لسيناريو الفيلم.
في مقارنة ظريفة (للغة السينمائية) يرى "بودوفكين" إن (المونتاج) هو لغة المخرج في مخاطبة الجمهور، وإن اللقطة تمثل الكلمة، ومجموع اللقطات تمثل الجملة وكأن الصورة السينمائية في لغتها الخاصة تمثل رديفاً، للغة المنطوقة وبأمكان المخرج أن يجعلها (مادة) خام، في نظام الفيلم ليعيد تشكيل معانيها ودلالاتها من خلال الصورة، واللقطة.
ثم يعرج الكاتب على مقاربة طبيعة "الفيلم التسجيلي"، (والديكودرامي) ولكل منهما اتجاه خاص في توثيق أحداثه الفلمية، لكن الفيلم التسجيلي يبتعد عن تسجيل الوقائع نفسها بالذهاب الى إعادة انتاجها من خلال الممثلين.
يصرح " ازنشتين" بأن (الشكل) هو دائماً (ايديولوجي) فالشكل ليس محاكياُ في نقل رسالته، بل وسيلة إعلامية أيضاً لنقل المضامين.
في حين يرى (سلفادور دالي) إن في الفن " لا معقولية لكنها ملموسة "
وهو الأقرب الى غموض الأحلام وألغازها وهلوساتها ويرى مخرجون آخرون إن بأمكان لقطة واحدة أن تحمل الحياة، ومعنى الوجود، يقول (ميخائيل روم) ان " كل لقطة تعكس جزءا ً من العالم "، فهي تمثل وحدة أساسية بمجموعة عناصرها المتداخلة ببعد دلالي خاص، أما " جاكسون" فيعتبر "اللقطة " العنصر الأصغر في (النحو) السينمائي فهي إما تمثل وميض الفلاش الذي يستغرق أقل من ثانية، أو تمتد على طول شريط الفيلم. وبأمكانها أن تصور من زاوية عليا أو منخفضة سواء كانت لقطات متتابعة أو ضمنية، بانورامية أو (زوم).. وقد يكون زمنها استرجاعاً او استباقاً، بطيئاً أو قافزاً ومراوحا ً ذلك لأن في الفيلم تجتمع "سيميائيات " استعارية ومجازية وكنائية.
(فالإيقاع) يظهر حسب (انطونيوني) ساكناً خامداً، أو مسرعاً مهتاجاً، تبعاً لهدف اللقطة، وقد قيل إن تقنية (القطع) يمكن أن توازي تقنية (المنظور) في الرسم، من حيث ما يمثلانه من ابتكار إبداعي ووظيفة فنية خلاقة ذلك لأن القطع ألغى مفهوم السياق الزمني العادي وكذلك كثف من تأثيره الفني المدهش. وعلى سبيل المثال فيلم (العام الماضي في مارينباد)، - آلان روب غرييه - الذي كان يريد أن يعبر الفيلم عن زمنه الخاص أي بما يستغرقه أسلوب عرض الفيلم على الشاشة، حتى ظن بعض المتفرجين بأن زمنه غطى سنوات وأشهراً وأيام، فأنه اذن (زمن معلق تخيلياً) تركبت معانيه على وفق ماتوحيه للمتفرج لأنها ليست مستنسخة من الواقع.
وجرياً على هذا السياق يؤكد (بودوفكين) على أن المخرج هو المعني الأول في إيجاد زمان ومكان اللقطة في فيلمه وقد كنا قد أسلفنا الحديث عن الزمان، أما المكان في اللقطة فأنه يتحدد بدوره بالحالات الآتية : إما بالموقع أو بالاتجاه أو بالامتداد أو بالحجم.
يذكر د. صالح الصحن.. نماذج عدة من عينة لأفلام مخرجين كبار أمثال : فورستر، بولاك، كوبولا، هتشكوك... وسواهم بطريقة (تعليمية- تعلّمية) وهو نهج تربوي سليم يفيد منه جمهور السينما بتنوع اتجاهاته واهتماماته.
اترك تعليقك