علاء المفرجي
كرست "الميديا" حضورها في المشهد الأدبي بقوة، فقد أخذت كتابة الشعر في "الفيسبوك"، تزداد بازدياد عدد المدونين والمتفاعلين في هذا الفضاء الأزرق،
وازداد الشعر بغثه وسمينه على جدران الفيسبوك، كظاهرة تستحق وقفة متأملة، في طبيعة القصيدة واستجابة المتلقي لها، ففي الوقت الذي ظهرت فيه قصائد ماهي إلا (خواطر) يتبادلها المدونون لاتستحق التوقف عندها، والتعاطي معها كـ(شعر)، نجد في الوقت نفسه عدداً من الشعراء المعروفين وجدوا في هذا الفضاء الالكتروني نافذة يطلون منها على قرائهم، وهجروا المنابر الورقية، فهل لذلك علاقة بمحدودية منافذ النشر التقليدية، أم له علاقة بسرعة انتشار النص وزيادة حجم قرائه.
"المدى" استطلعت أراء عدد من الشعراء العراقيين بهذه الظاهرة"
الشاعر إبراهيم البهرزي: الحرية المطلقة في التعبير
من المؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي صارت منافسة للمطبوعات الورقية في مجال الاتصال الثقافي ولكن ليست الأسباب المتعلقة بمحدودية منافذ النشر أو سرعة الانتشار أو عملية تسويق النص لوحدها من يدفع الى ذلك ، واعتقد أن لكل أسبابه ودوافعه ،
على صعيد شخصي فيمكنني الزعم إنه ما من سبب من الأسباب المذكورة أعلاه كان دافعي لاختيار هذه الوسيلة تحديداً كمنصة وحيدة (تقريباً ) للتعبير ، وإنما سبب آخر ، وأظن ثمة من يشترك معي بهذا السبب ، وهو الحرية المطلقة في التعبير وتجنب إحراج المسؤول الثقافي في المطبوعة الورقية عن مضامين ربما لا تتوافق مع سياسة هذه المطبوعات ، فمن اليقين إن لكل مطبوع ثقافي سياسة عامة ، وبعض الشعر قد يجنح عن كل سياسة عامة لما ينطوي عليه من تأويلات ذات حساسيات مريبة للبعض !
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن التواصل البيني المباشر بين الكاتب وقرائه هو أكثر حميمية وحرارة لتوفر خاصية التعليق والردود على التعليقات اولا بأول ما يمنح الحالة طبيعة الندوة الأدبية الحية خاصة للأدباء الذين تمنعهم ظروفهم الشخصية من فرص التواصل المباشر مع قرائهم في عالم الواقع الفعلي
مع ذلك لابد من الإقرار إن للأمر جانب سلبي يتمثل في التراكم المجاني للشعر عبر هذه الوسائل ما يقود الى رثاثة الشعر خاصة بالنسبة للقراء الذين لا يمتلكون الحس النقدي المؤهل للفرز بين العادي والاستثنائي.
التراكم يفسد الذائقة الشعرية من منطلق أن الكثرة تغلب النوع ، ولكن شأن كل تكرار يقود الى الملل فان الملل نفسه سيقود يوماً الى ضرورة الاختيار الجيد وفقاً لقانون الديالكتيك.
الشاعر حميد قاسم: أنشر بلا اشتراطات
بالنسبة لي أن صفحات فيس بوك اكثر فاعلية من الصحف والمجلات، على الرغم من غياب المكافأة المادية التي يتلقاها الشاعر عن نصه، لكنه يكسب ما هو أهم... الحرية .
في فيس بوك انشر نصوصي بلا اشتراطات محرر ثقافي قد يكون مزاجه وذائقته لا تستسيغان كتابتك، وربما عمد بعضهم على التلاعب بنصك أو تشويهه.. ويبقى العامل الأهم هو الانتشار..
لدي 5000 صديق وحوالي 7000 متابع.. أضمن أن عدداً جيداً منهم يتابع ما انشره من نصوص، في حين أن أكثر صحفنا انتشاراً لا تبيع خمسة آلاف نسخة..!
أهم شاعر عراقي لايطبع أكثر من 500 نسخة من مجموعته الشعرية، ولا تسلني كم يوزع أو يبيع منها، وإذا صدرت مجموعته عن دار الشؤون الثقافية (الدار الحكومية للنشر) التي لاتطبع اكثر من 500 نسخة كذلك، فإنه سيأخذ منها 50 نسخة هدية من الدار فيما تبقى 450 نسخة تحت رحمة الغبار في مخازن الدار.. في بلد يوصف بانه بلد القراءة الأول عربياً لا توزع اكثر من 500 نسخة.. وهذا يعني أن لا قراء للشعر في أي محافظة عراقية، وإلا ماذا يعني ان تبيع 100 نسخة من كتابك في بلاد يقطنها 35 مليون إنسان ؟
الشاعر علاوي كشيش: يجعلني أشعر بولادة القصيدة القادمة
نشرت كثيراً من قصائدي في الصحف والمجلات بأنواعها .وكان النشر في هذه الصحف يتطلب التعرف على مسؤول الصفحة أو مخاطبته او الاتصال به والرضوخ لوعوده ،وربما تنشر القصيدة ويفوتني الحصول على نسخة ،أو تنشر مع مواد أخرى تهبط فيها قيمة الصفحة، ثم أن القصيدة المنشورة ربما لا تصل الى القارئ الذي أطمح أن يقرأ قصيدتي، ناهيك عن فترات الانتظار، إذ أن أغلب الصحف محكومة بتسلسل المواد الثقافية، وربما يتطلب هذا الأمر مني الانتظار لمدة شهر أو أكثر، فضلا عن مزاجية معينة تحكم محرر الصفحة، وربما رفض القصيدة من دون الاتصال بي. هذا في السابق.
أما الآن فقد صرت أنا محرراً لصفحتي في الفيس بوك،وأجد أن قصيدتي تطير الى قراء غير متوقعين فضلاً عمن يتابعونني في النشر سابقاً، مع ضمان أن قصيدتي تعبر الحدود وليس كالصحيفة الورقية، كما إنني استطيع أن أضيف ما أشاء الى قصيدتي أو أحذف منها ما أريد، والأجمل في الأمر أن تفاعل القراء بمختلف طبقاتهم وذائقتهم تأتيني استجابتهم من خلال إعجاب أو تعليق أو الاتصال بي لخوض حديث يخص القصيدة وفي هذا كله فوائد تتعدى مبدأ التشجيع وتطفر الى الاهتمام وإبداء الرأي أو النقد النافعين.
فضلاً عن أن نشر القصيدة لهذا اليوم يجعلها قد تحققت وأخذت ما تريد ،وهذا يجعلني أشعر بولادة القصيدة القادمة التي تأخذ عدداً من الأيام وتستمر بهذا لذة الكتابة على العكس مما كان في الصحف الورقية التي تجعلني أفقد أياماً بانتظار نشر القصيدة بحيث أفقد أحيانا حماسي في الكتابة، فالقصيدة تأخذ وقتاً حتى تولد ثم تنشر لتعقبها فترة قراءة واستراحة بانتظار القصيدة القادمة.
لقد حققت لي صفحتي في الفيس بوك صداقات وعلاقات نافعة وناضجة مع شعراء عراقيين في الوطن وخارجه وعلاقات طيبة مع شعراء ونقاد عرب يعيشون في شتى بقاع العالم، وانتفع بآرائهم وتزيدني وعياً بمسار تجربتي، هذا من الناحية النوعية ،أما من الناحية الكمية فإن النشر في صفحتي يجعلني ذا تحفيز مستمر للكتابة ولتطوير قصائدي وبهذا يزداد الكم ويصير أمامي الخيار واسعاً إذا أردت اصدار مجموعة شعرية لأني سأختار من القصائد أنضجها وأكثر تعبيراً وتجريباً وتأثيراً.
الشاعر سلام دواي: السبب الوحيد هو العزلة
بالنسبة لي، تجربتي مع الفيسبوك لها أسباب مختلفة ولا تنحصر في محدودية منافذ النشر ،أو الانتشار السريع، كان سببها الوحيد ،هو العزلة، فأنا أقيم في استراليا،هذه الإقامة فرضت عليّ شروطها الصعبة،وأصعبها بالتأكيد هي العزلة عن الوسط الثقافي العربي والعراقي،هذا الحصار أدى الى قطيعة مع النشر،والحضور والتفاعل،ثم وجدت نفسي تدريجياً انقطع عن الكتابة لصالح الحياة العملية.
لقد كاد أن يكون هذا المصير نهائياً لولا دخولي هذا العالم الأزرق ، الفيسبوك انعش علاقتي بالوسط الثقافي ،ولبى حاجتي للتفاعل الثقافي مع أصدقائي المثقفين الأصليين وأضاف إليهم العديد من المثقفين الافتراضيين،إي إنه انتشلني من عزلتي وأعادني مثقفاً فاعلاً في وسطه من جديد،ليس على صفحتي الشخصية فقط،بل في الصحافة الورقية أيضاً،فهي الأخرى أصبح لها حضورها القوي في هذا المجال وأصبحت تختار مايناسبها لنشره على صفحاتها.
من جهة أخرى فان الفيسبوك مساحة نشر واسعة،وكونية إذا كان المستخدم يجيد أكثر من لغة،وهذه خاصية تغري لاستغلالها من قبل مثقفين راسخين أو جدد على حد سواء.
إذا نظرنا من زاوية الشعر ،فإن الفيسبوك يمثل حلاً ،أو رداً على حصار النشر المفروض عليه من قبل دور النشر ، لقد عانى الشعر منذ تسعينيات القرن الماضي ،من تهميش كبير ومنظم من قبل دور النشر ،فصار من المستحيل أن تنشر هذه الدور كتاباً شعريً حتى لو كان لاهم الشعراء،لكنها لا تتورع من نشر أي شيء يقرر كاتبه بأنه شعر،إذا دفع الثمن،فأدى هذا الى نشوء تلال من الكتب الشعرية السيئة،التي ساهمت أكثر في تهميش الشعر والإساءة إليه.
ومن وجهة نظر شاعر،اعتقد بأن الفيس بوك أعاد الاعتبار للشعر وجعله بالمواجهة التفاعلية بين المثقف النخبوي،والعادي، إنه وسيلة نشر سريعة وفعالة تعزز الجيد، وتسقط الغث في نفس لحظة نشره من خلال ردود الفعل الحية التي يتلقاها النص من قارئيه، بعكس دور النشر التي تنشر للذي يستطيع دفع الثمن،فشكلت منشوراتها الرديئة حاجزا عزز سوء الفهم لدى المتلقي..
اترك تعليقك