نافذة من موسكو..روسيا تلقي بكرة مفهومها للأمن الجماعي في ساحة منطقة الخليج

آراء وأفكار 2019/07/28 07:18:44 م

نافذة من موسكو..روسيا تلقي بكرة مفهومها للأمن الجماعي في ساحة منطقة الخليج

د. فالح الحمـراني

قدمت روسيا الأسبوع الماضي مفهوماً جديداً للأمن الجماعي في الخليج. وجاء في بيان للخارجية الروسية :في سياق عرض أفكار روسيا حول طرق استقرار الوضع في الخليج العربي،

تم التشديد على إن إنشاء نظام أمن إقليمي شامل، وحده يمكن أن يكون الأساس لضمان مستقبل لائق لجميع شعوب المنطقة المهمة استراتيجياً في العام. وإن المبادئ الرئيسة التي تشكل أساس المفهوم هي ـ التنفيذ على مراحل، والتعددية والالتزام الصارم بالقانون الدولي، وقبل كل شيء بميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن. وتتمثل المهمة الستراتيجية الواعدة التي حددتها الوثيقة في ـ إنشاء آلية كاملة للأمن الجماعي والتعاون، في منطقة الخليج العربي، بمشاركة جميع دول المنطقة، وعلى قدم المساواة. 

وكانت موسكو قد طرحت اقتراحات مماثلة في التسعينيات والألفين من القرن الماضي ظلت لكنها لم تُنفذ. فلماذا تعتقد روسيا أن فرص نجاح تجسيد مفهومها عن أمن الخليج العربي أصبحت في ظل الظرف القائم أفضل من السابق؟. وتعتزم روسيا من أجل تجسيد مفهومها للآمن الجماعي في منطقة الخليج، في الاتصالات مع الدول الإقليمية، التحرك باتجاهين : المساعدة في التغلب على التناقضات في مواقف الأطراف، وخاصة دول الخليج العربية وإيران، وشرح دور نظام الأمن الإقليمي، في ضمان استقلال وسيادة دول المنطقة، والتصدي الناجح لأعمال المتطرفين والإرهابيين. ويتزامن طرح المفهوم الروسي، مع تصعيد التوتر الخطر بين إيران من جهة والولايات المتحدة وحلفاؤها من جهة أخرى.

ووفقاً لتقييم الدبلوماسية الروسية، فإن أسباب عوامل الانقسامات والمواجهات الناشبة في منطقة الخليج لاسيما بين دول الخليج العربية وإيران، والدول العربية فيما بينها، مصطنعة إلى حد كبير، وإنها نتيجة للسياسة التقليدية للغرب "فرق تسد". " وعلى بلدان الشرق الأوسط أن تكون أكثر حذراً بشأن تلقين الغرب".

وعلى وفق ما قاله الدبلوماسي والمستعرب الروسي اندريه بكلانوف في حديث صحفي: إن إيران ليس لديها أي رغبة ولا تملك القدرة على "الهيمنة" في منطقة الشرق الأوسط. في الوقت نفسه ، كما توجد لدى إيران ودول الخليج مصالح "متقاربة" مشتركة مهمة للغاية، على وجه الخصوص ، مصلحة مشتركة في تحقيق الاستقرار في سوق النفط والغاز، والإنماء الاقتصادي المستدام، ورفع مستويات معيشة الشعوب وتطويرها، وإلحاقها بركب التطور العالمي، وبناء دول عصرية، وإن أية حرب في المنطقة ستنسف انجازات العقود الماضية، وتلقي بالضباب على آفاق المستقبل.

ومضى الدبلوماسي الروسي بالقول" لقد قدمنا أول مفهوم للأمن الجماعي في منطقة الخليج في أواخر التسعينيات، عندما ظهر خطر الغزو الأميركي للعراق. ثم ركزنا بشكل أساس على حل الوضع حول العراق، في محاولة لمنع تطور الوضع وفقًا لسيناريو القوة." وأضاف "لسوء الحظ، اتخذت الولايات المتحدة والدول الغربية موقفاً مدمراً بشأن هذا الاقتراح: لقد دفعوا بالأمور الى غزو العراق، الذي كان من المفترض حسب خططهم أن يكون مقدمة ل "إعادة التنظيم الديمقراطي" للشرق الأوسط بأكمله، ومنطقة الخليج. ولسوء الحظ، لم تستطع بلدان المنطقة التغلب على تناقضاتها - لذلك توقف الترويج لخطتنا. والنتيجة معروفة للتطورات".

ووفقا لرأي الدبلوماسي الروسي، الذي عمل فترة طويلة سفيرا لبلاده في السعودية، : لقد كان العدوان، الذي يصفه بغير المبرر، الذي قامت به الولايات المتحدة، وحلفاؤها، ضد العراق الدولة ذات العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، بذريعة زائفة (بزعم أن بغداد "تمتلك" أسلحة دمار شامل) كانت بداية لثورات الربيع العربي في الخليج والشرق الأوسط ككل. كما أدت الحرب في العراق إلى تكثيف غير مسبوق لصعود المنظمات الإرهابية الدولية في المنطقة، ومقتل الآلاف من الناس. 

وتجدر الإشارة إلى ان الدبلوماسية الروسية لا تبرأ ساحة النظام الديكتاتوري، وممارساته التي عادت بالكوارث على المنطقة بشن حربي الخليج الأولى والثانية العقيمتين، واستخدامه الأسلحة الكيماوية ضد الشعب الكردي، واستخدامه أساليب القمع والإبادة ضد المعارضة بكل أشكالها.

وعلى حد قوله إن روسيا بذلت على الأقل محاولتين أخيرتين، في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، للتوصل إلى مقترحات لاحتواء المواجهات والنزاعات والخلافات بين الدول في الخليج، وإنشاء نظام أمني في المنطقة. وقامت الدبلوماسية الروسية بإجراء تغيرات على مفهومها للأمن الجماعي لمنطقة الخليج، ركزت على تنظيم حوار بين الدول العربية في الخليج وإيران، وحاولت أن تشرك في هذه العملية منظمة إقليمية - مجلس التعاون لدول الخليج العربي. وأكدت بشكل خاص على الحاجة الملحة لتوحيد الجهود على جبهة مكافحة الإرهاب.

وبدأ ظهور بعض مؤشرات التطورات الإيجابية. لذلك، في عام 2003 ، تم إعداد اتفاق للتعاون الأمني بين المملكة العربية السعودية وإيران. ولكن في هذه المرّة تم تعليق الحركة نحو السلام، وتم استبدال الاتجاهات الإيجابية بتفاقم جديد من التناقضات، بشكل رئيس بين طهران والرياض.

ويرجح بكلانوف أن العوامل الخارجية لعبت دوراً سلبياً لعرقلة تجسيد المبادرة، موضحاً " إن تحركات القوى خارج المنطقة، لعبت على التناقضات بين دول الخليج من أجل تعزيز مصالحها، وتصعيد التوتر، والحصول على أرباح من إمدادات الأسلحة". معيدا الذاكرة الى أن أكثر من نصف الأسلحة في دول الخليج تم توريدها وشحنها من الولايات المتحدة.

وتعقد موسكو اليوم الأمل على أن خبرة تسوية الأزمة السورية! وهي الأكثر تعقيداً، وانهيار أكبر مشروع إرهابي - بما يسمى بـ "الدولة الإسلامية" ( داعش)، ونمو النفوذ الروسي في المنطقة، سيعطي قوة دفع لإطلاق اقتراح جديد لإنشاء نظام أمني لمنطقة الخليج . وتعتمد موسكو أيضاً بهذا على العلاقات الوثيقة التي أقيمت مؤخراً مع معظم دول المنطقة. 

وعن فرص نجاح تجسيد مفهوم روسيا للأمن الجماعي في منطقة الخليج قال بكلانوف: نأمل أن تكون دول المنطقة، التي نتعامل معها بشكل أساس بشأن هذا الاقتراح، مقتنعة بأنه "كان من الضروري، في وقت من الأوقات، دعم مقترحات روسيا بشكل أكثر نشاطًا لتجنب الحرب الفوضى". وحسب تقديره "إن واحدة من أصعب القضايا التي يجب حلها هي إنشاء آلية لرصد الوضع العسكري والسياسي والتغلب السلمي على التناقضات التي تنشأ". "وسيكون نظام المراقبة عنصر رئيس في مجال الأمن الإقليمي". ويرى الدبلوماسي الروسي إن الأحداث التي تسارعت في الخليج العربي، "جعلت تقديم مفهوم الأمن الروسي في الخليج العربي أكثر إلحاحاً، ليكون بديلاً عن إغراق المنطقة في نزاع آخر". وأضاف " نرى كيف يزداد الوضع حدة حول إيران، وكذلك تتضاعف الأعمال الإرهابية الاستفزازية التي يمكن أن تكون بمثابة سبب لبدء الأعمال العسكرية".

ولفت إلى مدى إختلاف منطق الغرب ومنطق بلاده، فيما يتعلق بتطور الأحداث في منطقة الخليج. وأضاف " نحن ندعو إلى إنشاء آلية مراقبة لمنع النزاعات السياسية بالطرق السياسية - الدبلوماسية ، ويعتزم الأميركيون وحلفاؤهم زيادة وجودهم العسكري "لمراقبة" الوضع من وجهة نظر استخدام القوة "في الوقت المناسب". وشدد "نريد أن تختار بلدان المنطقة منطق عملنا".

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top