ترجمة : عدوية الهلالي
( في المقهى ) هي مجموعة قصصية تضم قصصاً قصيرة وشظايا من الحياة اليومية ، كتبها الكاتب الجزائري الراحل محمد ديب بطريقة عصرية كلاسيكية ..
تتناول قصة ( في المقهى ) حكاية رجل يجلس بين مجموعة من الفقراء والمشردين من الجزائريين الهاربين من الأرياف بسب ضغط الاستعمار ..يجلس وحيداً منتظراً وهو يروي لهم أسباب انتظاره ولماذا يتجذر في هذا المكان لأيام متواصلة فيقول :" منذ عدة أيام ، لم أحضّر لهم الطعام ..منذ عدة أيام ، لم يسقط قرش في جيبي ، لذا انتظر يومياَ أن يتعب أطفالي من البكاء ويصرعهم النعاس وأن تنام زوجتي المرهقة من السهر !!"
وفي المقهى يلتقي برجل خارج من السجن يقول له إنه حوكم عن جريمة بدأت بسرقة بسكويت من عربة بائع وانتهت بقتل ذلك البائع وقد قضى خمس سنوات ولم يواجه الصعوبة التي يواجهها الراوي وهو يبحث عن عمل طوال ثلاث سنوات بلا جدوى بينما ينهش الجوع أسرته ومع مشاهدته رجالاً يشبهون الحطام في المقهى يصرخ السجين الذي ذاق الظلم في الزنازين الفرنسية :" ماأشد هشاشة عظامكم ، أنتم العُزّل ، أمام عالم يطحنكم ويدوسكم وينبذكم مثل أشياء بلا فائدة " بعد أن اكتشف أن هنالك ظلماًأبشع خارج السجن فيدعو الى تغيير الواقع بطريقة ما وهو مااعتبره النقاد فيما بعد نبوءة من محمد ديب بالثورة إذ تحولت المقهى لديه من مكان للثرثرة وتجمع المسحوقين الى مكان للتخطيط للثورة المنتظرة ، كما تحول السجين الغريب الى محرض وقلب معالم الحياة في المقهى رأساً على عقب بعد أن أدرك رواد المقهى إن الانتظار الطويل بلا طائل ليس حلا لمعاناتهم ، فمن الحوارات الجميلة في القصة مايقوله الأب :" لاأريد أن يقال لي بأن أولادي يموتون من الجوع " بينما يقول أحد ابنائه :" إن تعيش يعني أن تأكل ..سعادة العيش هي سعادة الأكل " ..وفي إحدى القصص يهاجم بعض المتشردين الشباب الجياع حفل زفاف فيشنون غارة على اللحم والخبز والفاكهة ..
يقدم محمد ديب في مجموعته القصصية بانوراما مؤلمة لشعب الجزائر في أوائل الخمسينيات وهو يعيش في ظل الاستعمار والفوضى الاجتماعية التي تغلب على كل المثل العليا ..وقد صدرت مجموعته عن دار غاليمار اللفرنسية للنشر في عام 1955لكنه طرد من بلده لأسباب سياسية في عام 1959 بعد أن عبّرت ( في المقهى ) وبقية أعماله عن شريحة من الشباب الجالسين في المقهى طوال النهار بانتظار شيء ما بلا عمل او مستقبل او أمل ..إنهم جامدون كالتماثيل كما يراهم ديب ويتجددون في كل عصر إذ يمكن رؤيتهم في المغرب وتونس وفي كل مكان وهو ماجعل كتابه خالداً وداعياً الى تحريك تلك التماثيل الجامدة ..
ولد محمد ديب عام 1920 في مدينة تلمسان الجزائرية في عائلة غنية فقدت كل شيء على مر الزمن فعاش عيشة الفقراء وانتقل الى المغرب ليكمل تعليمه ثم اشتغل في التعليم ثم رساماً ومصمماً ، وفي عام 1948 تعرف الى عدد من الأدباء الجزائريين والفرنسيين في العاصمة الجزائر منهم ألبير كامو وجان سيناك ثم انضم الى نقابة الفلاحين الجزائريين وسافر الى فرنسا للدفاع عن حقوقهم ..بعدها عمل صحفياً وكتب مقالات نارية جعلته مستهدفاً من قبل الشرطة الفرنسية ..وفي عام 1952 صدرت له أول رواية بعنوان ( البيت الكبير ) وحققت نجاحاً سريعاً وتتابعت بعدها أعماله التي تنبأ في أغلبها بالثورة التحريرية والتي كانت تدعو الى النضال ضد الاستعمارماأدى الى نفيه الى أوروبا الشرقية ليعاني الضياع هناك ، ثم يعود عام 1966 ويواصل نشر رواياته ومجاميعه الشعرية ويحصل على جائزة الدولة في الأدب والتي تبعتها عدة جوائز محلية وعالمية ..وفي عام 2003 توفي محمد ديب تاركاً ورائه إرثا أدبياً كبيراً..
عن مجلة لوبوا الفرنسية
اترك تعليقك