د. عقيل مهدي يوسف
هل ترتبط إشكالية التأويل في ترويج الخطاب الجرافيكي المعاصر؟!
هذا ما يحاول الإجابة عنه د. معتز عناد وهو ينطلق من طبيعة التصميم التي تضم عناصر مختلفة من صورة،
ورسم، ونص مكتوب ولون للمساحات بقوة تعبيرية في كتابه الموسوم: (إشكالية التأويل) الذي يؤطر العملية الاتصالية بين المصمم والمتلقي بوصفها تأثيراً وفصلاً وهدفاً (ص15) فالتأويل هو إحياء متواصل للمعنى يقوم على إدراك بصري، لا تنفصل فيه الذات على (العالم) لأنها تعي نفسها، وتكون متفاعلة مع الخطاب التصميمي المائل أمامها، وتستبطنه، وهي مدركة لمغزاه حتى إنْ جنح لأسلوب _الهجنة) Hybridism الجامعة للعالمي والمحلي في أسلوبه الفني الخاص.
لقد عرف المسرح الإيطالي بما يتعلق بشخصية (بونوكيو) الطفل الذي كلما اقترف (_كذبة) فان أنفه يستطيل! وهنا يحاول (المصمم) في واحدة من (نماذج) الكتاب أن يجعل من أنف بونوكيو، مدفعاً في دبابة، وكتب فوقه، لا يكذب، لا للحرب وتأويل خطابه هذا هو دعوة للسلام والمحبة والصدق (ص32).
وثمة لوحة أخرى عن (طائر البطريق) الذي يحمل أمتعة ويرحل وهو تأويل واضح عن (الهجرة) فالخطاب عند إيكو (آلة، تنتج سلسلة من احتمالات لا نهائية).
وتكون العلامة في ذاتها نوعية مفردة معيارية وفي علاقتها بموضوعها أيقونية مؤشرية ترميزية وعلاقتها بالمؤول تكون خبراً أو تصديقاً أو حجة أما فيما يتعلق بمفهوم الشخصية فإنها تتوزع على سلوك وفكر وانفعال ومشاعر وتدخل في صراعات ومنافسات أو تكيّفات واندماجات أو تعاون مع الآخرين أما الخطاب التصميمي من ناحية الجمالية فيكون في وحدة (علاقته) الشكلية بحواس المتلقي بفعل إدراكه وتذوقه و فمهه وتفسيره وكيفية إنجازه عملياً في تنظيمه الصوري وتناسب عناصره ووحدة إيقاعه.
يأتي مفهوم (الإشكالية) من عبارة أشكل، والتبس الأمر وهو يُشكل (معضلة) قد تكون نظرية أو (عملية) حتى يظن أنْ لا حلّ لها بشكل يقيني قاطع، إذ لا يمكن القطع (بصدقيتها).
اما البعد الظاهراتي في التأويل فيدعو الى العقل الذاتي، الذي لا يدرك إلا (الظواهر). (ص67). وحتى ما يتعلق بالظواهر والطقوس والشعائر الدينية، وفي كيفية توظيفها في بعد جرافيكي، بتفاعل اتصالي مؤثر، فإن الأمر يتعلق بالبعد الحضاري وبالتغييرات الاجتماعية الحاسمة، وسبق أن قال (كانط) بأن الدين (يشعرنا بواجباتنا القائمة على أوامر آلهية، (ص113) يتسابق المصممون على الانتقال من الهرمنيوطيقا التي تنتج لديهم (فهماً) إبداعياً، وبطريقة (قبلية)، لكنها مقترنة بالإنجاز العملي، التطبيقي الذي يأتي لاحقاً ليتناغم مع حاجات الناس كما يعيشونها هم بالفعل في عالم تتضارب فيه ثقافات العولمة.
فالإدراك يتمثل باستخدام الإنسان، لميكانيزمات حسّية يفسر فيها (البيئة) أو يحاول (اختزالها) من تعقيداتها وتحويلها إلى نظم بسيطة وبالتالي دفعها الى أطر عالمية واسعة وربما يحمل الخطاب البصري بمعاني عرقية، وعنصرية، وأسطورية لترويج (أهداف) سياسية تناصرية او تنتصر لكرامة الإنسان بطريقة متقابلة مثلاً (الصليب المعقوف) النازي (سواستيكا يقابله (المطرقة والنمجل) الشيوعي، أو (الهلال) الإسلامي في الصراع مع (النجمة السداسية) (ص20) الصهيونية، والمسمّاة بـ(ختم سليمان).
أما ترويج الخطاب التصميمي فيرتبط بالتسويق والإعلان والاقناع لاستنفار انفعالات المستهلك ودفعه لاقتناء (المنتوج) المعيّن سواء كانت إعلانات ملاصقة أو منعزلة في الشوارع والساحات العامة أو كان موظفاً للفن الشعبي في ما يسمى بـ(فن البوب) بمواضيعه اليومية، وهو ما اشتهر به الفنان (اندي وارهول) ص15 أو سواه، ممن عملوا مع (والتركيروبوس) مؤسس (الباوهاوس) في ألمانيا مثل (لوركوربوزية) وآخرون.
اذن تجتمع في تأويل الخطاب الجرافيكي فعالية فكرية ولغة جديدة، وتراثية شعبية وترويج ملائم وتعبير جمالي، وبعد ذاتي (الإشكالية) تكمن في كيفية رفع غموض (الخطاب) حين يتحقق الانسجام بين ظاهره وباطنه من قبل المستهلك الذي يكتشف بنفسه دلالة (المنتج) ومدلولاته الشكلية والمضمونية، وهنا يصبح الترويج سلطة ثقافية بوسعها أن تنشر أفكاراً وتيارات بطريقة واسعة، مؤثرة في الملتقى وهي ترفده بمعلومات خاصة عن موضوع خطابها هذا بما يحمّله معانٍ أخرى خاصة، وهو يهدف الى (الاقناع) على ثلاثة مستويات قضائية واستشارية وحدوثية ( ص245 ) سواء كان الخطاب شفاهياً عن فكرة، أو منطوق أو عرض.
وبالتأكيد يكون الخطاب في الفن بصرياً في نظامه وتراتبطه الخاص بـ(التيبوجغرافية) ليصبح النص البصري، قابلاً للتأويل والتغيير والتحليل والوصول الى تحقيق القدرة على إدراك نسق مكوناته، بروح معاصرة يتزامن فيها الخطاب الجرافيكي مع أحداث أخرى سواء كانت اجتماعية أو فكرية أو ايديولوجية أو ثقافية عامة، وبوقت واحد وتناغم آني مؤثر.
هامش: انظر د.معتز عناد غزوان، إشكالية التأويل في ترويج الخطاب الكرافيكي المعاصر – دار مجدولاوي- الاردن- عمان: 2019
تعليقات الزوار
.وصال العاني
بارك اله فيك د معتز الراقي