الحكومة ليست بحاجة إلـى وزارة مرأة...

آراء وأفكار 2019/08/17 06:54:22 م

الحكومة ليست بحاجة إلـى وزارة مرأة...

 د. لاهاي عبد الحسين

لا يخفى على أحد في العراق والعالم ما عانته المرأة العراقية وتعانيه نتيجة الحروب والنزاعات المسلحة والإضطرابات التي أودت بالمعيل والولد والصاحب والحبيب.

ولا يخفى على أحد الحاجة الملحة التي تتطلب من الدولة أنْ تنهض بواجباتها لإغاثة النساء وتخليصهن من براثن العبث والتلاعب بالمصير وبخاصة بعد إعتراف جهات معروفة بالدور السيئ الذي يمارسه أدعياء الدين والمذهب والسلطة والنفوذ. تشهد على ذلك مخيمات التشرد والنزوح بمثل ما تفعل فنادق الدرجة الأولى التي لا يطأها الا البعض من المحميين جيداً من أي سلطة يمكن أنْ تنال منهم لينهالوا على لحم أكتاف المعوزات والمهجرات والمرحلات والمطرودات من جموع المشردات من النساء في العراق. هذه كوارث اجتماعية تتطلب جهداً جماعياً وشريفاً لإنتشال هؤلاء النساء مما وجدن أنفسهن فيه أو مما أضطررن إليه تحت ضغط الحاجة أو الخديعة والتوريط ليصبحن موضوعاً سهلاً للتلاعب والإستغلال والجريمة.

لم تخرج وزارة المرأة منذ تشكيلها عام 2004 وتولي عدة شخصيات نسوية لها عن دائرة التدخل الحكومي الذي يمارس دور الرقيب والموجه القسري وليس واضع السياسات الهادفة لتطوير معالجات جوهرية لمشاكل وحاجات النساء. فقد نشر المكتب الإعلامي التابع لوزارة المرأة عام 2014 خبر تعيين الدكتورة صبا عدنان رئيسة لجامعة تكريت في ظروف لم تكن لتحسد عليها حيث تزامن ذلك مع هجمة داعش على محافظة صلاح الدين. ولم تتجاوز الوزارة حد إعلان ما تمّ إتخاذه من قبل وزارة التعليم العالي معبرة عن شكرها لها. بقيت الدكتورة صبا في منصبها لسبعة أشهر فقط للفترة من شباط إلى أيلول عام 2014 قضتها في محاولة حماية الجامعة دون جدوى وأضطرت بالنهاية إلى مغادرة العراق بلا رجعة وهي في عز عطائها وطاقتها. واتخذت الوزارة موقفاً دفاعياً متحسساً تجاه نشر مؤسسة تومبسون نتائج دراسة قامت بها حول أوضاع النساء في العراق وصفت فيها العراق بأنّه ثاني أسوأ بلد يمكن للمرأة أنْ تعيش فيه بعد السعودية وسوريا واليمن. وصفت الوزارة نتائج الدراسة بأنّها "ضعيفة وغير مطابقة للواقع". وكان أحد أهم ما أعترضت عليه الوزارة إيراد المؤسسة لعدد النساء الأرامل في العراق من أنّه يقدر بمليون و600 ألف أرملة. صححت الوزارة العدد بالقول إنّه يقدر بمليون أرملة فقط!!

ومع أنّ سبع شخصيات نسائية تعاقبن على مقعد الوزارة منذ تشكيلها عام 2004 (نرمين عثمان، أزهار الشيخلي، فاتن عبد الرحمن، نوال مجيد السامرائي، خلود عزارة آل معجون، ابتهال كاصد الزيدي وبيان نوري) بيد أنّهن فشلن جميعاً في أنْ يتركن صدى يحسب لأي واحدة منهن بإستثناء لعب دور الناصر والمعين للهيمنة الذكورية والعشائرية والتماهي مع الضغوط التي تأخذ من الدين حجة لتعبر عن التدخل في أخص خصوصيات النساء وبخاصة النساء الشابات لتحديد ما ينبغي عليهن ارتداؤه وما لا ينبغي من حيث الطول والعرض وحتى الألوان التي طلب في تعليمات صدرت عن الوزارة ووقعت من قبل الدكتورة ابتهال الزيدي، وزيرة المرأة في حينها، أنْ تكون باهتة وغير لماعة. 

لم تعط الوزارة خلال الفترة القصيرة التي ظهرت فيها وفي ضوء مثل هذا الأداء المخيب للآمال حجة تبرر لها أنْ تكون ممثلة لقضية "المرأة"، وحاملة لهمومها ومتطلباتها الراهنة ومستجيبة لدور المرأة العراقية التي خاضت غمار العمل والمسؤولية منذ تأسيس الدولة في العراق في عشرينيات القرن الماضي سواء على مستوى الإنجاز الدراسي والعلمي أو على مستوى العمل كوزيرة. اليوم، لا يوجد ما يشجع حكومة السيد عادل عبد المهدي على الشروع في إعادة إستحداث وزارة المرأة التي ظهرت وغابت وكأنّها لم تكن هناك يوماً ما خاصة وأنّ مشاكل النساء وقضاياهن تتزايد وتتداخل في أكثر من مؤسسة وقطاع. الحقيقة، هناك أكثر من دليل على أنّ وزارة من هذا النوع إذا ما تمّ تشكيلها ستكون منفذاً للتدخل وفرض الوصاية على النساء ممن يكفيهن ما يلاقين من هجمات وتجاوزات تستنفذ طاقاتهن وإمكاناتهن لتحول دون الحصول على فرص حقيقية ومعززة للتقدم. سيكون جيداً من قبل الحكومة أنْ تهتم بدعم جهود الأمم المتحدة للعمل على تحقيق تمثيل أكبر للمرأة في مواقع صنع القرار إذا ما أختارت تعزيز طاقات النساء وإمكاناتهن إنّما ابتداءً من القواعد الدنيا لمؤسسات الدولة كالمدارس والمستشفيات ودوائر العدل والداخلية والعمل وفق تصور استراتيجي يقوم على فكرة الإرتقاء بالمساواة والعدالة بين الجنسين والعمل على خفض حوادث العنف وحماية النساء من التسلط الذكوري عائلياً ومجتمعياً. ولن تكون الحكومة مضطرة للإعتماد على وزارة تخبرها بهذا وتتقدم لتأخذ دور الوصي على النساء في مجتمع صار فيه التفاوت الطبقي والمهني يزداد حدة ويسد الطريق أمام أي تقدم يذكر لشرائح متزايدة من النساء والرجال على حد سواء. يتساوى هؤلاء بالفقر والفاقة وقلة الفرص لتقديم نموذج الإنسان الناجح والمسؤول التي يجد نفسه محاصر بأكثر من قيد فكيف إذا كان إمرأة. قيود تقوم على أساس التمييز الذي يمارس بصورة مكشوفة أو على مستوى إعاقة فرص التقدم والنماء بطرق مبتكرة. ناهيك عما يمكن القول بشأن واقع سوء الإدارة والفساد المالي والإداري الذي صار يجد أمثلة مشخصنة له مما يجعل من التحرك بإتجاه تضخيم جهاز الدولة وزيادة عبء المسؤولية المالية والإدارية غير المثمرة أنّه سيكون على حساب الأعداد المتزايدة من النساء والرجال الذين يتأهلون للحصول على راتب الرعاية الاجتماعية الضئيل أصلاً وغير المجزي اقتصادياً واجتماعياً. الحقيقة التي لا تغيب عن بال أي مراقب حيادي ومسؤول إنّ ضخامة نفقات الدولة ليس على مستوى أعداد الموظفين غير المشتغلين عملياً وإنّما إضافة إلى ذلك على مستوى التعيينات الشكلية العليا غير المنتجة والفائضة عن الحاجة والتي تلبس لباس الإستشارة والمتابعة والإشراف وما إليها تعد الأسوأ في العالم. فهذه وظائف وجدت للترضية والتوافقات السياسية المجردة وأثقلت كاهل المواطن وزادت في حصانة الشخص المعني كفرد على حساب الأداء الفاعل والخلاق لخدمة الجماعة والمجتمع. تشكل مثل هذه الإستحداثات أحد أهم العقبات أمام الشروع في تأسيس قطاعات عمل تنموية لإستيعاب الأعداد المتزايدة من الشباب والشابات المطالبين بالعمل. 

يلاحظ من جانب آخر أنّ دول العالم تعمل على تهيئة المستلزمات الفكرية والمادية لإستحداث منصب وزاري أو مؤسسي وتمنحه الوقت اللازم لذلك. لا تكتفي هذه الدول بنشاطات احتفالية لا هدف سامي لها. إذ يراعى في الشخصية التي تنتدب لمهمة من هذا النوع أنْ تتسم بجهد علمي ومهني يمكنها من أنْ تضع الأساس لنهضة نسوية محسوبة تعمل على إدماج النساء بقطاعات العمل المنتجة وعدم الإكتفاء بزجهن في وظائف التفتيش الأولية والإستعلامات والسكرتارية والتعليم الإبتدائي فحسب. فيما يحظى البعض على المستوى الفردي بتوسم مناصب يتمتع شاغلوها برواتب وإمتيازات تقتطع من جيوب عموم المواطنين وتحصل على حساب احتياجاتهم الأساسية في مجال الخدمات. ويظهر هذا في عنوان الوزارة التي تقوم الدولة بإختيارها بعناية. فوزارة المرأة في المغرب تدعى "وزارة الأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية"، وهي في تونس "وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن"، وفي الجزائر "وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة"، إلخ. لم تستحدث وزارات المرأة في هذه البلدان لإرضاء فصيل سياسي أو جهة ما بل كانت استجابة لضغوط اجتماعية اختارت أنْ تنتصر لشرائح معوزة من النساء كالأرامل والمطلقات وذوات الدخل المحدود والمعيلات الوحيدات لعوائلهن نتيجة فقدان المعيل والمهجرات والنازحات والناجيات من أعمال العنف والإرهاب والمسنات وما يشبههن ضمن رؤية اجتماعية شمولية وسياسية وطنية واضحة. 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top