نافذة من موسكو..آفاق تطوير الطاقة النووية لحل مشكلة الكهرباء في الشرق الأوسط

د. فالح الحمراني 2019/08/18 06:53:30 م

نافذة من موسكو..آفاق تطوير الطاقة النووية لحل مشكلة الكهرباء في الشرق الأوسط

د. فالح الحمـراني

فشلت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 في حل مشكلة سد حاجة البلاد من الطاقة الكهربائية، وغدا هذا الميدان الحيوي،

نموذجاً ساطعاً على عدم أهلية من وضعوا أيدهم على مقدرات البلاد بعد الإطاحة بالديكتاتورية في إدارة الدولة وأداء واجباتهم، كما تحول أيضاً الى ساحة واسعة لممارسة الفساد الحكومي، ليس من خلال العقود المزيفة، أو استيراد المعدات غير الصالحة، وإنما من خلال آلية امتلاك المولدات الكهربائية، وتزويد الأهالي بالطاقة الكهربائية بأسعار مبالغ فيها. وبالتالي فان سكان البلاد هم ضحايا هذا الوضع غير الطبيعي. في غضون هذه الفترة، بُنيت في الدول المجاورة، حتى المكتفية من الطاقة الكهربائية ( الامارات وعمان وتركيا وروسيا...)، محطات إضافية كبرى بما في ذلك نووية، أو تعمل على طاقة الشمس، وقوة الريح. وسيكون حل معضلة سد حاجة البلاد من الطاقة الكهربائية المعيار الرئيس على نجاح، أو فشل، أي حكومة في أدائها، بل وبمدى إخلاصها للوطن. 

ستجد بلدان منطقة الشرق الأوسط الرئيسة نفسها بسبب الضغوط الديمغرافية والمناخية والاقتصادية والتكنلوجية، نفسها مضطرة على مدى العقود القليلة القادمة لأن توسع وتنوع تدريجياً الشبكات الكهربائية. إن الإنجازات في مجال التكنولوجيات المتنافسة، والنفقات الباهظة تجعل الطاقة النووية في وضع غير موات بالمقارنة مع غيرها من خيارات توليد الطاقة، ولكن على الرغم من هذا الواقع، فإن دول المنطقة تستمر في محاولاتها الرامية إلى تطوير برامج الطاقة النووية الخاصة بها. وفي هذه الحالة، علينا أن نأخذ بنظر الاعتبار بالدرجة الأولى قضية الهيبة والمكانة الإقليمية التي تسعى كل دولة الحصول عليها من خلال تنفيذ هذه المشاريع. علاوة على ذلك إن هناك أسباباً تتعلق بالتصورات الأمنية: إن وجود منشآت الطاقة النووية السلمية في أي بلد يقلل لدرجة كبيرة من محاولات التدخل العسكري أو القصف الجوي بحكم ما يصاحبها من أخطار تلوث البلدان المجاورة بالأشعة. 

ويعتقد الخبراء إن إقبال دول الشرق الأوسط على الطاقة الكهربائية النووية سوف ينخفض على مدى المستقبل المنظور، وذلك بسبب الواقع الاقتصادي الذي يدفع لصالح تطوير التقنيات الجديدة في مجال طاقة الرياح وتوليد الطاقة الشمسية. ولكن هناك رأي مخالف يقول: إن توليد الطاقة هذا لن يكون قادر على توفير إمكانية الإنماء الصناعي المنشود. وفي الوقت نفسه ومع الأخذ بالاعتبار عدم الاستقرار السياسي الإقليمي الحالي، من الطبيعي تعزيز القوى العالمية الرائدة، وبادئ ذي بدء أعضاء " النادي النووي" سيطرتها على مثل هذه البرامج. 

وفي الوقت عينه إن تزايد عدد السكان، واقتصاد المنطقة، يملي الحاجة إلى زيادة استهلاك الكهرباء، ويجبر حكومات هذه البلدان على تنويع توليد الطاقة الكهربائية وتقليل اعتمادها على إنتاج الكهرباء على أساس النفط والغاز وحسب. ومن المفارقات انه وحتى يومنا هذا فإن إحدى العقبات الرئيسة التي تحول دول إطلاق برامج السلام النووي لبلدان المنطقة، هي طموحات ومساعي إيران في هذا المجال. والمقصود هنا على وجه الخصوص خروج الولايات المتحدة من اتفاقية "خطة العمل المشتركة الشاملة" وتجديد واشنطن العقوبات على طهران. إن هذه الخطوات على وفق رأي الكثير من الخبراء، حتى في أمريكا، ستدفع على اكثر الاحتمالات طهران لاستئناف تخصيب الوقود النووي. وهذا بدوره سيحفز بقية دول المنطقة، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات لطرح قضية ضرورة تطوير برامجهما النووية الخاصة على حلفائهما الرئيسيين ولا سيما الولايات المتحدة، وسوف تصطدمان بعدم فهم من جانب واشنطن. واصبح هذا حجر عثرة في إطار المشاورات الأميركية ـ السعودية التي جرت قبل أشهر، حيث رفضت الولايات بشكل قاطع جميع مقترحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حول آفاق بداية تدشين دورة كاملة ( من تخصيب اليورانيوم وحتى إعادة معالجة نفايات المحطة الكهروذرية) في المملكة. في الوقت نفسه أن خروج الولايات المتحدة من خطة العمل المشترك الشامل، ورد إيران المناسب عليها، ستدفع إلى الواجهة المشاكل السياسية والأمنية المرتبطة بالتكنلوجيات النووية، التي ستجبر الأميركيين على فرض قيود مشددة على البرنامج النووية لدول المنطقة. ويتوقع الأميركيون بانه ومع نمو هذه الاتجاهات، فان دول المنطقة ستضع من بين خططها المستقبلية ضرورة تنفيذ برامج شاملة لتطوير الطاقة النووية. أي تلك التي تشمل إمكانية إعادة المعالجة، وتخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة، التي تؤدي إلى إنتاج ما يكفي من البلوتونيوم المستخدم وبالتالي التوصل الى إنتاج أسلحتها النووية الخاصة. 

إن الطلب على الطاقة النووية يزداد نتيجة لزيادة عدد السكان ،ونمو الاقتصاد واتساع والاستخدام المتزايد للتكنلوجيات لتحلية المياه وغيرها من العوامل. وتقدر شركة سيمنس الألمانية إن الطلب على الكهرباء في منطقة الشرق الأوسط سينمو بأكثر من 3 بالمائة سنوياً حتى عام 2035، وإن المنطقة سوف تحتاج إلى إضافة اكثر من 275 كيكا واط من الكهرباء، أي اكثر مرتين مما يتم إنتاجه الآن. ولتلبية الطلب المتزايد تقوم الآن العديد من الدول المنطقة بتوسيع وتحديث شبكاتها الكهربائية، وتطوير توليد الكهرباء من طاقة الرياح والشمس. وبالمقام الأول تبذل السلطات السعودية والكويت والمغرب والأردن ولبنان المحاولات الأكثر فعالية في هذا الصدد. ووفقا لتنبؤات الخبراء، ففي الوقت الذي سيبقى الغاز الطبيعي أكبر مصدر للوقود لإنتاج الطاقة الكهربائية في المنطقة على مدى السنوات ال 10/20 المقبلة، فضلا عن إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، إلا أن الطاقة النووية ستلعب دوراً متزايداً. وفي الوقت الذي تنطوي فيه الطاقة النووية، مقارنة بأنواع توليد الطاقة ألأخرى، على جوانب سلبية ( مثل حاجتها لنفقات مالية كبرى) فإن لديها أفضلية هامة : إن المحطة الكهروذرية تنتج الكهرباء من دون انقطاع بمستوى متواصل. 

ويرى الخبراء أن العائق الوحيد بالنسبة لدول منطقة الشرق الأوسط الذي يقف أمام تطوير الطاقة النووية هو بالدرجة الأولى الجانب المالي والاقتصادي. والدول الوحيدة التي ستسمح لنفسها بمثل هذه البرامج هي السعودية والإمارات، والكويت. وفي الوقت ذاته فان مشاريع الطاقة النووية وصلت إلى مراحل متقدمة بما في ذلك في مصر ولأردن والسعودية والإمارات. ووفقا لمختلف المعطيات فإن الأكثر تطوراً اليوم هو برنامج الإمارات: على الرغم من أن بناء محطة الطاقة النووية هناك لا يخلو من اضطرابات وانقطاعات، فمن المرجح أن تظهر أول محطة للطاقة النووية في البلاد في أواخر عام 2019 أو أوائل عام 2020. 

وما يتعلق بالمملكة العربية السعودية فان الإدارة الأميركية الحالية تعارض على حيازتها التكنلوجيات النووية أولا لأغراض أمنية حيث تخشى واشنطن من أن تعمل مستقبلاً ضد أمن إسرائيل ومن ناحية تريد أميركا أن تبقى السعودية في إطار محورها عن طريق ربطها بتوريدات النفط. وفي هذا يقول الخبراء الأميركيون إن الكلام عن تطوير الرياض برنامجها النووي الحقيقي سيكون فقط بعد رحيل الإدارة الأميركية الحالية. كما إن الرياض لا تنظر في إمكانية التعاون في هذا المجال مع روسيا الاتحادية أو مع الصين. لأنها تريد الحفاظ على علاقاتها التحالفية مع الولايات المتحدة . في الوقت نفسه تواصل السعودية المشاورات حول موضوع الطاقة النووية للأغراض السلمية مع روسيا لممارسة الضغط على واشنطن. ويجب أن نأخذ بالحسبان أن مصلحة السعودية الرئيسية من التقارب مع روسيا في القضايا النووية ينحصر في الحصور على تصور واضح عن المشاريع النووية في مجال الطاقة في إيران عند بناء المحطة الكهروذرية في بوشهر. 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top