اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > بوشكين كاتباً مسرحياً

بوشكين كاتباً مسرحياً

نشر في: 7 سبتمبر, 2019: 06:05 م

د. ضياء نافع

بوشكين- قبل كل شيء – شاعر كبير , أي أن الشعر يأتي أولاً عندما يجري الحديث عنه , إذ إنه ( شمس الشعر الروسي )

بلا منازع , ولكن بوشكين ساهم – وبشكل كبير وهائل ورائع أيضاً – في مجالات إبداعية أخرى , فما هو الجانب الثاني في إبداع بوشكين يا ترى ؟ يعتقد بعض الباحثين , إن النثر يأتي ( ثانياً ) , إذ مازالت قصصه ورواياته القصيرة شاخصة في عالم الأدب الروسي , ويشيرون مثلاً الى ابنة الضابط ( حسب ترجمة الدروبي والتي اختلف المترجمون العرب على ترجمة عنوانها لاحقاً!) , وهناك من يرى , أن مسرح بوشكين أهم من نثره , ويذكرون مسرحيته التاريخية – ( بوريس غودونوف ) والتي مازالت تتفاعل مع الحياة الروسية المعاصرة ولحد الآن , وذلك عندما يدور الكلام عن المسرح الروسي أو التاريخ الروسي , ويظن آخرون , إن هناك جوانب إبداعية أخرى في نشاط هذا (المعلّم !) الكبير , وإن تلك الجوانب هي التي تستحق أن تكون ( ثانياً) . وبغض النظر عن تحديد الموقع ( الثاني!) في إبداع بوشكين ( وكل ذلك يخضع للنظرة النسبية للباحثين طبعاً , إذ يجد كل باحث تبرير موقفه تجاه بوشكين وابداعه ) , فإننا نود أن نتوقف في مقالتنا هذه عند جانب مهم في مسيرته الإبداعية , وهو بوشكين - الكاتب المسرحي في تاريخ الأدب الروسي , وفي تاريخ المسرح الروسي .

هذا الموضوع يذكّرني رأساً بحدث محفور في أعماق روحي , وهو - كيف جاءت المرحومة أ.د. حياة شرارة مرّة اليّ ( عندما كنّا نعمل سويّة في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد ) , وقالت لي إنها ترجمت تراجيديات بوشكين الصغيرة عن الروسية , وتريد أن تقدمها الى وزارة الاعلام العراقية لنشرها في كتاب , ولكنها مترددة جداً, لأنها تخشى أن يحيلون الترجمة الى شخص غير مؤهل لمراجعتها كما كانت الأمور متبعة بشأن أي كتاب مترجم تنشره الوزارة , ويبدأ هذا الشخص ( يتفلسف برآسي !) ( هكذا قالت لي المرحومة حياة مازحة ) , ولهذا سألتني , هل توافق أن تكون أنت المراجع لتلك المسرحيات ؟ فقلت لها , إني أوافق على ذلك دون أي تردد , وأضفت قائلاً , إنها يجب أن تكون مثل جبرا ابراهيم جبرا , الذي يشترط عدم مراجعة ترجماته من قبل مراجعين , وإنها جديرة أن تشغل مكانة جبرا في عالم الترجمة عن الروسية في العراق , ( انظر مقالتنا بعنوان – حياة شرارة والأدب الروسي في العراق / لقطات ) . وهكذا صدر كتاب المرحومة حياة عن وزارة الاعلام العراقية بعنوان – ( مسرحيات بوشكين ), وهو أول كتاب عراقي متكامل عن مسرح بوشكين , إذ يضم نصوص المسرحيات تلك , التي أسماها بوشكين – ( تراجيديات صغيرة ) بترجمة د. حياة شرارة عن الروسية , وبمقدمة عن مسرح بوشكين بقلمي , والمقدمة تلك هي في الأصل بحث نشرته أولاً في مجلة كلية الآداب / جامعة بغداد ( وقدمته في حينها للترقية العلمية حسب تعليمات الترقيات العلمية في الجامعة ) , واتفقنا ( حياة وانا ) إنه يصلح أن يكون مقدمة لكتابها المترجم ذاك , وهذا ما تمّ فعلاً . ولهذا , فان مسرح بوشكين – بالنسبة لي شخصياً - يرتبط بترقيتي العلمية في الجامعة , ويرتبط أيضاً بأول كتاب عن مسرح بوشكين في العراق أصدرته المرحومة المبدعة حياة شرارة .

تراجيديات بوشكين ( الصغيرة!) تلك هي مسرحيات ( كبيرة!) الاهمية في تاريخ الأدب المسرحي الروسي , إذ إنها تعدّ كلمة جديدة لم يسبق لأحد قبل بوشكين في روسيا أن قدّم شيئاً مماثلاً لها , وكتب بوشكين تلك المسرحيات عام 1830, أي عندما كان في قمّة ( نضوجه الإبداعي!) إن صحّ التعبير( توفي بوشكين عام 1837) , وليس عبثاً , إن تلك المسرحيات كانت تعكس مواضيع إنسانية شاملة , أو (امميّة) كما أسماها باحث سوفيتي مرّة في محاولة لاستخدام المصطلح السياسي المعروف في سياق النقد الادبي. التراجيديات الصغيرة , أو (مآسٍ صغيرة) كما جاءت في بعض الترجمات العربية , كانت تدور حول صفات عامة توجد عند البشر كافة , صفات وردت الى ذهن بوشكين نتيجة قراءآت واسعة جداً في الادآب العالمية , (أي لا تتناول الخصائص القومية البحتة ولا الاحداث القومية) , كالحسد مثلا ( انظر مقالتنا بعنوان – مسرحية بوشكين الشعرية موتسارت و ساليري) . 

المسرحية المركزية لبوشكين هي ( بوريس غودونوف ) طبعاً , والتي قرأ بوشكين مقاطع منها لقيصر روسيا الكساندر الأول عندما استقبله بعد الغاء عملية النفي وعودة الشاعر الى بطرسبورغ , وهي دراما تاريخية ضخمة ومليئة بالاحداث والشخوص , بدأ بوشكين بكتابتها بعد ان اطّلع على نتاج كارامزين الشهير ( تاريخ الدولة الروسية ) , ويرى بعض النقاد , أن بوشكين أراد أن يكون ( شكسبير روسيا ) بواسطة هذا العمل المسرحي الكبير . استمر بوشكين بكتابة هذه المسرحية طوال سنوات , ونشرها عام 1830 فقط , ولم يستطع أن يراها على خشبة المسرح اثناء حياته نتيجة عوامل كثيرة , منها سياسية وفكرية , ومنها كذلك صعوبة تحقيق ذلك تقنياً . لقد تمّ تقديم تلك المسرحية على خشبة المسرح الروسي بعد أكثر من ثلاثين سنة على وفاة بوشكين , وما زالت تعرض لحد الآن , بل إنها تحوّلت حتى الى أوبرا , والى عروض موسيقية غنائية متنوعة , وحولتها السينما الروسية منذ أواسط القرن العشرين الى أفلام سينمائية عديدة , وكان آخرها فلم سينمائي تم انتاجه عام 2011 ليس إلا...

شمس الشعر الروسي بوشكين استطاع أن يمنح لشعبه أيضاً المسرح الشعري الروسي , وهو عمل ابداعي كبير وعنصر ضروري جداً في تاريخ كل شعب من شعوب العالم المتحضّر... 

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل

مقالات ذات صلة

16-04-2024

التّجديدات مابعد الحداثيّة

لطفية الدليميأحدثت الطاقة الجديدة لرواية (الكومنولث Commonwealth) مفارقة صارخة مع ماكان يُوصف بلحظة (النضوب الأدبي)؛ ففي دول الكومنولث بدأ الكُتّاب يوظفون تجاربهم ويعتمدونها مصدراً لأشكال إبتكارية جديدة من الكتابة - الكتابة التي ستعمل في المقابل على تدعيم التغير الثقافي المطلوب في الوقت الذي واجه فيه الكُتاب خارج منطقة الكومنولث إحساساً عميقاً باللاجدوى وإستنفاد الغرض من […]
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram