مدير مكتب السيد السيستاني في لبنان..حامد الخفاف في حوار بشأن دور المرجعية في المشهد الديني والسياسي

مدير مكتب السيد السيستاني في لبنان..حامد الخفاف في حوار بشأن دور المرجعية في المشهد الديني والسياسي

أجرت وكالة" شفقنا” حواراً مع مدير مكتب سماحة السيد السيستاني “دام ظله” في لبنان حامد الخفاف، تناول فيه دور المرجعية الدينية في المشهد السياسي وملامح منهجها،

 ومواردها المالية، وكيفية صرفها، وآلية كتابة خطبة جمعة كربلاء، وتطرق إلى علاقة المرجعية بمشاريع العتبات المقدسة ونشاطاتها الاستثمارية، وطبيعة مفهوم المتولي الشرعي. وعن مستقبل المرجعية الدينية بعد مرحلة آية الله السيد السيستاني . وفي الموضوع السياسي أجاب عما إذا كان السيد عادل عبد المهدي مرشح المرجعية لموقع رئاسة الوزراء، وعن سبب إغلاق السيد السيستاني بابه أمام الساسة العراقيين، وعما يُنسب لسماحته من قبل زائريه. كما أوضح رؤية المرجعية حول مستقبل “الحشد الشعبي " المدى تعيد نشر الحوار لأهميته لأنه يسلط الضوء على الكثير من التساؤلات التي تدور في ذهن المواطن العراقي ، كما إنه يقدكم إجابات مهمة على ما يدور حالياً على الساحة العراقية

 ما هو دور المرجعية في المشهد السياسي، وما هي حدود تدخلها وتوقيته؟

كان للمرجعية العليا أدوار مختلفة منذ سقوط النظام السابق في نيسان 2003 ولحد الآن، فقد أخذت بزمام المبادرة بإصدارها الفتوى الدستورية الشهيرة التي أسست لبناء الدولة العراقية الحديثة وفق نظام يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الاقتراع، وحثت العراقيين على الاشتراك في الانتخابات لتقرير مصيرهم بأيديهم، وعلى احترام القانون والحفاظ على المال العام، وعدم الثأر والانتقام.

وتدخلت المرجعية العليا غير مرة لإيقاف التدهور الأمني في أكثر من منطقة، مستخدمة قوتها المعنوية، بتقديم حلول سياسية تارة، وبالتدخل المباشر تارة أخرى، كما حدث في أزمة النجف الكبرى آب 2004.

كما أجهضت كثيراً من المشاريع الأجنبية المشبوهة التي حاولت الالتفاف على المطالب المحقة للشعب العراقي في السيادة والاستقلال وأخمدت الفتنة الطائفية بالحكمة والصبر. وواجهت الارهاب بكافة صوره وأشكاله، وكان من أهمها الهجوم الهمجي الذي تعرض له العراق من قبل عصابات داعش، حيث أصدرت فتوى الدفاع الكفائي، ما أدى إلى تغيير موازين القوى بشكل جذري وإحباط مؤامرة كبرى حيكت للعراق والعراقيين.

وواكبت المرجعية العليا الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد المالي والإداري ودعمته بخطبها ومطالباتها ومواقفها، ولكنه ــ وللأسف ــ لم يسفر لحد الآن عن نتائج ملموسة.

وكانت المرجعية العليا وماتزال تراقب العملية السياسية بدقة تامة فتتدخل متى ما استشعرت الخطر محدقاً بالعراق ومصالح شعبه، ووجدت أن تدخلها يكون مجدياً في حل الأزمات المستعصية أو التخفيف منها، ولتدخل المرجعية ـــــ التي هي حريصة على أن لا تتجاوز فيه الأطر القانونية ـــ صيغ مختلفة معلنة وغير معلنة، باختلاف الظروف والحيثيات، ولكنها في كل الأحوال تكون شفافة وواضحة لذوي الشأن من مسؤولين وغيرهم، وليس من دأبها أن تتفاوت مواقفها المعلنة عما تتبناه في واقع الحال.

 ما هي آلية المتابعة السياسية للمرجعية وكيفية اتخاذ الموقف من قبلها؟

سماحة السيد السيستاني دام ظله يتابع كل ما يجري عبر عدة آليات، منها: المتابعة المباشرة عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع، كما يقدم لسماحته أهم ما ينشر في الصحافة والمواقع الالكترونية ووسائل التواصل مما هو محل الحاجة، وكذلك كتب وتقارير علمية في الملفات المهمة والحساسة، ويطلع على ما يصل الى مكتبه من تقارير عن أحاديث وتصريحات المسؤولين في الدولة بمستويات متفاوتة تبين وجهات نظرهم في مختلف شؤون البلد. كما أن سماحته يعتمد في جزء أساس من متابعاته على ما يستمع إليه من زائريه وهم من عموم طبقات المجتمع العراقي وغيره.

أما إصدار المواقف، فهو يُبنى على دراسة دقيقة ومتأنية لكل حالة، وبعضها قد يستدعي الإستشارة من أهل الاختصاص، كما حصل في حالات عديدة، منها على سبيل المثال: رأي المرجعية العليا بإمكانية إجراء الانتخابات على أساس البطاقة التموينية، وهو رأي معمول به لحد الآن، إذ لم تستطع الحكومات المتعاقبة إجراء إحصاء سكاني حتى يومنا هذا.

 ما هي الموارد المالية للمرجعية الدينية، وما هو حجم تأثيرها على الواقع، وأين تُصرف؟ وهل موارد العتبات المقدسة في العراق تكون في متناول يدها وهي تتصرف فيها؟

من المعروف تاريخياً أن الحقوق الشرعية (الخُمس والزكاة) وسائر ما يتبرع به المؤمنون من الخيرات والمبرات تشكّل الموارد المالية للمرجعية الدينية، وبالتأكيد أن لذلك تأثيراً واضحاً على الواقع المرجعي، ويتمثّل بالدرجة الاساس في حفظ استقلالية المؤسسة الدينية الشيعية عن السلطات الحاكمة عبر التاريخ. ومن هنا تجرى محاولات دؤوبة من جهات مختلفة لتقليص ما يصل الى المرجعية من الحقوق الشرعية ظناً منهم أن ذلك يؤثر في نشاطها ويحدّ من تأثيرها.

وأما أين تصرف الأموال؟ فالجواب واضح: إنها تصرف في مواردها المعروفة من تأمين رواتب ومخصصات أساتذة وطلاب الحوزات العلمية وتأسيس المشاريع الدينية والخيريّة وديمومتها والصرف على الفقراء والمحتاجين، وما ماثل ذلك، وليس للمرجعية مبالغ كبيرة مخزّنة ــــ كما يشيع البعض ــــ بل ما يصلها يُصرف في مواردها خلال مدة قصيرة نسبياً.

وجدير ذكره أن سماحة السيد السيستاني دام ظله ـــ ومنذ بدايات تصديه للعمل المرجعي ــــ أجاز لعموم العراقيين من مقلديه أن يدفعوا حقوقهم الشرعية إلى الفقراء مباشرة من دون الرجوع إليه. وكان لهذه الفتوى آثار مهمة ومباركة في الشارع العراقي، كما أن سماحته ملتزم بصرف كل ما يصله من العراقيين في العراق نفسه، ويُصرف فيه أيضاً الكثير مما يصله من مقلديه في سائر البلاد.

وأما الموارد المالية للعتبات المقدسة في العراق فلم يسبق للمرجعية أن تصرفت في شيء منها، كما أنها امتنعت عن تلقي أي دعم مالي حكومي مباشر أو من المؤسسات الممولة من قبل الحكومة كديوان الوقف الشيعي.

أما الحديث عن إمكانات مالية كبيرة للمرجعية الدينية فهو مما لا أساس له، وربما تذكر مبالغ خيالية لا عهد للمرجعية بها في كل تاريخها، ومن الغريب ما يطرحه البعض من ان المرجعية تستطيع أن تحل مشكلة الفقر هنا أو هناك فإنه كلام غير علمي وغير واقعي بتاتاً. وإنما حل هذه المشكلة وأضرابها هو من مهام الحكومة وضمن الخطط والإمكانات المتاحة لها عادة. وأما إمكانات المرجعية فهي بحدود المساهمة في رفع بعض الحاجة عن الفقراء والمعوزين من خلال المساعدة المباشرة أو إقامة المشاريع الخدمية. ومؤسسة العين للرعاية الاجتماعية من أهم المشاريع الخيرية للمرجعية، وهي تعنى برعاية عشرات الآلاف من الأيتام والأرامل وتقدم مساعدات للجرحى والمرضى لعلاجهم حتى في خارج العراق.

 ما هي ملامح منهج السيد السيستاني؟

لتوضيح بعض ملامح منهج المرجعية العليا، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

أ ــ إنَّ المرجعية العُليا لا تتدخل في تفاصيل العمل السياسي بل تترك المجال واسعاً للقوى السياسية للقيام بذلك، وإنما تتدخل في القضايا المصيرية التي تعجز القوى السياسية عن التعاطي معها أو تقديم حلول مركزية لها .

ب ــ إنَّها تُؤمن بالتعايش السلمي بين أبناء المذاهب الإسلامية من سنّة وشيعة وبينهم وبين أبناء الأديان الأخرى، وقد أصّلت ذلك بمنهج عملي يبتعد عن الشكليات غير المنتجة لحساب المضمون الذي يُكرس ثقافة التعايش والاحترام المتبادل .

ج ــ إنَّها تؤكد على احترام مؤسسات الدولة المنبثقة من خيارات الشعب التي لا بديل عنها بتاتاً لقيام وطن حر ومستقل وسيد، وهذا يسري على كافة القطاعات العسكرية والأمنية والسياسية والإدارية والاجتماعية وغيرها .

د ــ إنها تؤمن بضرورة اندماج الشيعة أينما وجدوا في أوطانهم وهي تترك لأهل الحل والعقد في كل بلد تدبير شؤونهم، ولا تتدخل في قضاياهم إلا إذا طُلب منها ذلك ورأت أن لتحركها ثمرة مفيدة وفق الظروف والمعطيات الموجودة.

ه ــ إنَّها تُراقب بدقة الأحداث محلياً وإقليمياً ودولياً وقد تسكت طويلاً ولكن سكوتها ليس غياباً، ولذلك فهي عندما تقول ، تقول وبقوة في الوقت والمكان المناسبين لتقلب الموازين أو تُغير خُططاً أو تفرض واقعاً فيه مصلحة للوطن والأمة والدلائل على ذلك كثيرة.

 هل أن خطبة الجمعة الثانية التي تلقى في الصحن الحسيني من قبل الشيخ الكربلائي والسيد الصافي تكتب في النجف وترسل إليهما أم إنها من إعدادهما؟

كان قسم منها يعدّ في مكتب سماحة السيد (دام ظله) في النجف الأشرف بتوجيه ومراجعة سماحته ويقُرأ بالنص، وقسم آخر كان من إعداد فضيلتي الشيخ الكربلائي والسيد الصافي ويتم إجراء بعض التغييرات الضرورية عليه قبل إلقائه، وقسم ثالث كان مما ارتجله صاحبا الفضيلة ضمن عناوين عامة متفق عليها مع مكتب سماحة السيد (دام ظله).

ولما تقرر في ربيع الأول عام 1437هـ الموافق شباط 2016م عدم التطرّق أسبوعياً الى رؤى المرجعية الدينية العليا في الشأن العراقي بل حسبما تستجد من الأمور اقتصر في الخطب ـــ وما يزال ـــ على ذكر أمور أخلاقية ودينية واجتماعية عامة، وهي كلها من إعداد الشيخ الكربلائي والسيد الصافي، مع استثناءات قليلة يعدّ فيها نص الخطبة مكتوباً في النجف الأشرف فيُقرأ من دون إضافة مرتجلة أو تغيير ملموس، كخطبة تحرير الموصل في 19/10/1438 الموافق 14/7/2017 وخطبة الاستفتاء في إقليم كردستان في 8/1/1439 الموافق 29/9/2017 وخطبة النصر على داعش في 26/3/1439 الموافق 15/12/2017 وخطبة الانتخابات في 17/8/1439 الموافق 4/5/2018 .

 هل هناك تطور وتجديد في حركة المرجعية العليا على صعيد العمل الديني؟

في العصر الراهن يواجه الخطاب الديني تحديات مستجدة نتيجة لتسنم طبقة من (المتدينين) المناصب السياسية المهمة والمواقع التنفيذية العليا في البلد مدة طويلة وإخفاقهم في تلبية طموحات الشعب وتحقيق تطلعاته في حياة حرة كريمة، مما أثّر سلباً على موقع الدين وقيمه العقدية وحتى الأخلاقية في نفوس شرائح من الناس، بالإضافة الى إشكاليات أخرى برزت نتيجةً لاحتدام الصراع بين منهجين يتسمان بالإفراط والتفريط يتبناهما العديد ممن يتصدون لمخاطبة الجمهور الشيعي، فأصبح من الضروري، أولاً: العمل على التفريق في أذهان الناس بين المبادئ والمُثل الدينية الحقة وما تمثل منها في سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام بأبهى صورها وبين ما لوحظ من عدم تطبيقها في سلوك وسيرة كثير ممن يدعون التديّن. وثانياً: الترويج أزْيد من ذي قبل للخطاب المرجعي الوسطي المعتدل الذي يتبنى عدم المساس بمستلزمات العيش المشترك مع الآخرين وفي الوقت نفسه لا يتنازل عن الأسس الفكرية والعقدية التي يرى أحقيتها، والمرجعية الدينية تعمل في كلا الاتجاهين، وهناك مسارات أخرى لنشاطها:

منها: توفير الظروف الملائمة للارتقاء بالمستوى العلمي لطلاب الحوزات العلمية، من خلال حثّ الأساتذة والطلاب على التعمق في العلوم الإسلامية وما يمهد لها من علوم أخرى، والابتعاد عن السطحية والتسرّع في طي المراحل الدراسية من دون إعطاء كل مرحلة حقها من الضبط والإتقان، ولهذا الغرض أيضاً تم تشييد العديد من المدارس المخصصة للطلاب الجدد من الأذكياء والنابهين للسير بهم وفق مناهج دراسية مناسبة بمباشرة وإشراف أساتذة كفوئين، مع تأمين كامل مستلزماتهم المعيشية.

ومنها: توجيه الخطباء والمبلغين بالعمل على زيادة الوعي الديني للمستمعين من خلال شرح حقائق الدين ومعالم مذهب أهل البيت عليهم السلام بالمنطق العلمي الرصين المبني على الأدلة المُحكمة والثابتة، والابتعاد عن الأساطير وما يجري مجراها، بالإضافة الى بثّ روح الألفة والمحبة بين أبناء الشعب والتجنب عما يثير الفرقة والبغضاء ويخل بالسلم المجتمعي.

ومنها: التواصل مع جيل الشباب ولا سيما في الجامعات والمعاهد من خلال استضافة مجاميع منهم في المؤسسات الحوزوية للاستماع الى أسئلتهم الفكرية والعقدية والحوار معهم بشأن الشبهات التي تُثار هذه الأيام ومحاولة دفعها بلغة مفهومة مواكبة لثقافة العصر.

 هل للمرجعية الدينية إشراف على مشاريع العتبات المقدسة في العراق ونشاطاتها الاستثمارية؟

ينتظم عمل العتبات المقدسة في العراق وفق قانون إدارة العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة رقم (19) لسنة 2005، المشرع في مجلس النواب بتاريخ 26/12/2005.

وقد ورد في نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من هذا القانون، التأكيد على “صرف واردات (العتبات والمزارات) في مواردها وفق الضوابط الشرعية والقانونية”. وورد في الفقرة الثالثة من المادة نفسها إمكانية “استثمار الأموال العائدة للعتبات والمزارات بمختلف الأوجه المتاحة والموافقة لأحكام الشرع الحنيف والقوانين النافذة”.

والحقيقة أن العتبات المقدسة وخصوصاً في كربلاء المقدسة أقامت مشاريع صحية وتربوية واجتماعية وتعليمية وخدمية غاية في الأهمية، ساهمت في تخفيف معاناة المواطنين. ولديها مشاريع استثمارية لدعم النشاطات الخيرية والتوسع فيها. وهي ليست من المؤسسات والجهات التابعة للمرجعية الدينية لتكون لها رقابة على عملها، بل تعمل باستقلالية تامة عنها، أقصى ما هناك أن الأمناء العامين فيها لا يتم تعيينهم من قبل رئيس ديوان الوقف الشيعي إلا بعد موافقة المرجع الاعلى بموجب تنصيص القانون عليه، ولو لم ينص القانون على ذلك لما تدخّل سماحته في الأمر. وأما حضور الشيخ الكربلائي والسيد الصافي ـــ وكيلي سماحة السيد دام ظله في كربلاء المقدسة ـــ في موقع المتولي الشرعي على العتبتين الحسينية والعباسية فليس هو بمعنى نصبهما لإدارة العتبتين، بل لمجرد تأمين الجانب الشرعي فيما يجري فيهما، وإنما تتم إدارتهما من قبل مجلسي الإدارة فيهما ولا مساس لحضورهما بالصلاحيات القانونية الممنوحة لمجلسي الإدارة، ولا بتبعيتهما لديوان الوقف الشيعي الذي بدوره يتبع رئاسة مجلس الوزراء.

وعلى هذا الأساس يفترض أن تكون كافة المشاريع والنشاطات الخدمية والاستثمارية في العتبات المقدسة تحت سقف ما أقره قانونها. ويطبق عليها كل مقتضيات قوانين الرقابة المالية على المؤسسات والدوائر الحكومية ويفعل دورها بالحدود التي تحددها القوانين المرعية الإجراء، وهذا منهج عام لدى سماحة السيد السيستاني دام ظله بالنسبة الى كل الدوائر والمؤسسات الرسمية.

 هل كان السيد عادل عبد المهدي مرشح المرجعية لموقع رئاسة الوزراء؟

لم يكن مرشح المرجعية العليا لرئاسة الوزراء، بل كان مرشح كتلتين كبيرتين، وحظي بقبول وطني وإقليمي ودولي، فلم تعترض عليه المرجعية، ولكنها بلغت الأطراف المعنية بأنها لن تؤيد الحكومة الجديدة إلا إذا وجدت ملامح النجاح في عملها، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم المشاكل المتوارثة من الحكومات السابقة.

علماً أن منهج المرجعية العليا منذ بدء العملية السياسية في العراق يقوم على أساس عدم التدخل بتاتاً بتسمية أو ترشيح أي مسؤول تنفيذي فضلاً عن المناصب العليا، ما عدا موقعين يتطلبان ـــ بحسب القانون ـــ موافقة المرجع الأعلى على الترشيح لهما وهما: رئيس ديوان الوقف الشيعي، والأمناء العامون للعتبات المقدسة، ولكن في الوقت نفسه لا تتدخل المرجعية في عمل الديوان والعتبات ــــ كسائر المؤسسات الرسمية ــــ إلا فيما يطلب فيه رأيها الشرعي في بعض القضايا لتنصيص القانون على أن الديوان ودوائره إنما تُدار وفق الفقه الشيعي.

 متى يفتح السيد السيستاني بابه للساسة العراقيين؟

سماحة السيد السيستاني دام ظله أغلق بابه بوجه السياسيين منذ حوالي سنة 2011 ولحد الآن، لأسباب معروفة لدى القوى السياسية، فإذا زالت تلكم الأسباب تُفتح الباب.

المرجعية العليا تنتظر تغييراً واضحاً في أداء من بيدهم السلطة وتقدماً ملموساً في ملفات مكافحة الفساد، وتحسين الخدمات العامة وتخفيف معاناة المواطنين، وأمور أخرى أشارت إليها في أكثر من مناسبة. هي تنتظر رؤية ملامح النجاح في هذه الملفات لتبني على الشيء مقتضاه.

 كثُر الحديث حول الحشد الشعبي الذي تشكل من عدد من الفصائل المسلحة وأعداد كبيرة من المتطوعين الذين التحقوا بجبهات القتال ضد داعش بعد فتوى المرجعية الدينية العليا بوجوب الدفاع الكفائي، ما هي رؤية المرجعية حول مستقبل هذه القوة؟

هناك قانون أقر في مجلس النواب ينظم عمل هذه القوة. ينص البند خامساً من الفقرة ثانياً من المادة الأولى منه على ضرورة أن (يتم فك ارتباط منتسبي هيئة الحشد الشعبي الذين ينضمون الى هذا التشكيل عن كافة الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية ولا يسمح بالعمل السياسي في صفوفه) وهناك أمر ديواني صدر من السيد رئيس مجلس الوزراء بغية هيكلة هذه القوة، والمرجعية تنتظر تطبيق ذلك القانون وتنفيذ ذاك الأمر الديواني، وتؤكد على موقفها المبدئي من ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح بامتلاك أي حزب أو مجموعة أو عشيرة أو غيرها للسلاح المتوسط أو الثقيل تحت أي ذريعة أو عنوان خارج القوات المسلحة الرسمية على الأرض العراقية، وترى أنه لا يمكن تطبيق القوانين وفرض هيبة الدولة ولا مكافحة الفساد بصورة شاملة ولا المحافظة على الحريات العامة والخاصة ولا غير ذلك مما يدعو إليه الدستور مع امتلاك السلاح وانتشاره خارج الأطر القانونية الرسمية.

 بعض من يلتقي بالسيد السيستاني من عراقيين أو أجانب ينشر في وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي ما يدعي أنه مضمون حديث سماحة السيد إليه، متى يمكن الاعتماد على ما ينشر من هذا القبيل؟

لا يعتمد إلا على ما يتم توثيقه من قبل مكتب سماحة السيد وينشر على موقعه الرسمي في شبكة الانترنت، وقد لوحظ في حالات غير قليلة أن البعض نسبوا الى سماحته ما لم يقله خطأً منهم في الفهم والتلقي أو لمآرب معينة وأغراض مسبقة.

 كيف ترى مستقبل المرجعية الدينية بعد عمر طويل للسيد السيستاني؟ وهل يكون لمكتبه دور في ذلك؟ وهل تتوقع أن يستمر منهجه السياسي مع المرجعية القادمة في العراق؟

المرجعيات الكبرى في التاريخ الشيعي لم تتشكل إلا بدعم وإسناد طيف واسع من العلماء والفضلاء في الحوزات العلمية والبلدان التي تسكنها الشيعة في مختلف أنحاء العالم. واعتقد أن المستقبل لن يختلف عن الماضي في هذا الشأن، ولا يسعني التنبؤ بما يستقر عليه الأمر آنذاك. ولكن من المؤكد أن منهج سماحة السيد (دام ظله) ـــ الذي يسير عليه مكتبه في النجف الأشرف ـــــ بعيد تماماً عن أي فكرة باستمرار تعاطي أسرته مع الشأن المرجعي بعد غياب شخص المرجع (أطال الله عمره) ويرى أن ديمومة المرجعية الشيعية قوية ومؤثرة رهن بإبعادها عن شبهة التوريث بغض النظر عن المؤهلات العلمية والإدارية للمنتسبين إليها.

وأما بشأن تعاطي المرجعية القادمة مع الشأن العراقي وفق منهج سماحة السيد فهو أمر متوقع الى حد بعيد، فقد أسس سماحته لنمط من التعامل مع القضايا السياسية والاجتماعية يصعب تجاوزه بعد أن أصبح واقعاً يحظى بمقبولية كبيرة لدى شرائح واسعة من الشعب العراقي ولا سيما من النخب الفكرية والثقافية والسياسية.

تعليقات الزوار

  • مجيد نجف

    احسنتم النشر وفي المقالة ردود واجابات واضحة عن اسئلة تراود في اذهان كثير من المتابعين لاخبار المرجعية والمثقفين والباحثين . واني كباحث عن موضوع المرجعية ومواقفها اود الحصول على معلومات منشورة وموقة وكتب ومجلات تخص ذلك . مع الشكر . رقم الهاتف ٠٧٧١١١٩٥٥٧٦

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top