بغداد/ وائل نعمة
منذ اسبوعين دشنت السلطات سياسة فرض "الأمر الواقع" في ترحيل نزلاء مخيمات الإيواء الواقعة في جنوب الموصل والتي يضم اغلبها ما يعرف بـ"عوائل داعش".
وأمام النازح في تلك المواقع ساعات فقط لجمع اغراضه ومن بينها بيته المؤقت (الخيمة) ليتدبر هو احواله في السكن في منطقته الاصلية او في العراء.
ويُنقل يوميا من مخيمات جنوب الموصل، اكثر من 200 عائلة، تمهيدا لإغلاق تلك المراكز بحلول نيسان المقبل، الموعد المفترض لاجراء الانتخابات المحلية.
وتدريجيا تحولت مناطق نائية بدون حماية او خدمات الى تجمعات بشرية جديدة للنازحين الوافدين من مراكز الايواء السابقة، حيث يتكفل البدو الرحل بمساعدتهم في توفير الغذاء والماء.
وبدأت بعض العشائر في عام 2016 – قبل عام من اعلان التحرير- تناقش مصير عوائل التنظيم المتطرف في مرحلة ما بعد الحرب.
وكانت صلاح الدين قد قررت ابعاد عوائل التنظيم لفترة لا تقل عن 10 سنوات، قبل ان يقوم مجلس المحافظة بالغاء القرار بعد ذلك- فيما اعتبرت الانبار ان وجود تلك العوائل بين السكان مرة اخرى "أمر غير مقبول".
وفي العامين الماضيين (بعد انتهاء المعارك ضد داعش) بدأت الحكومة بحصر العدد الاكبر من عوائل التنظيم في منطقتين: الانبار وجنوب الموصل.
واستنادا لتقديرات منظمة "هيومن رايتس ووتش" ان اعداد العوائل التي يعتقد بان احد افرادها ينتمون الى "داعش" يقاربون الـ100 ألف شخص.
ويقول غزوان الداوودي وهو عضو في لجنة حقوق الانسان بمجلس محافظة نينوى في اتصال هاتفي مع (المدى) ان "هناك حملة بدأت منذ ايام لإفراغ مخيمات النازحين في جنوب الموصل". ويشير المسؤول المحلي الى ان التوقيت لم يكن مناسبا، فقد تزامن مع بداية العام الدراسي ولم تكن هناك استعدادات مسبقة.
وجربت الموصل، وتحديدا جنوبها مثل منطقة الشورة قبل اكثر من عام فكرة بقاء عوائل تنظيم داعش في بيوتها، لكن التجربة فشلت بعد تعرض عدد من تلك العوائل الى هجوم بالرمانات اليدوية ما اضطرهم الى الخروج واللجوء الى المخيمات.
وتضم جنوب الموصل اكبر مخيمين للنازحين: الجدعة في حمام العليل والقيارة، اعلى عدد سجل في تلك التجمعات كان 100 الف شخص في ذروة المعارك ضد داعش.
ويقول الداوودي ان "هناك تعتيما على عملية نقل النازحين"، موضحا: "المحافظة تقول بانها اغلقت مخيم في النمرود (جنوب شرق الموصل) كان يضم 1000 عائلة اغلبهم من ذوي داعش".
حاولت (المدى) الحصول على معلومات من المسؤولين في نينوى عن هذا الملف لكنها لم تحصل على معلومات دقيقة.
نقل سريع
بالمقابل اكد مسؤول سابق في نينوى، عمل سابقا في ملف النازحين، لـ(المدى) مشترطا عدم كشف هويته إنه "يوميا يتم نقل من 150 الى 250 عائلة من جنوب الموصل الى مدن اخرى".
واستنادا الى المسؤول السابق، انه خلال اسبوعين تم ترحيل نحو 30 الف شخص من تلك المخيمات الى مناطق داخل نينوى وخارجها.
وتراجع خلال تلك الايام عدد النازحين في مخيم القيارة من 63 الف الى 40 الف، مقابل 34 الف في مخيم حمام العليل من اصل 38 الف.
وتمنح السلطات، بحسب المسؤول السابق، ساعات امام النازح (48 ساعة كحد اقصى) لينتقل الى سيارات حمل نوع (كيا)، مبينا ان السلطات "تسمح للنازح ان يحمل خيمته معه".
وقال المسؤول السابق، وهو من سكنة مناطق جنوب الموصل، بانه شاهد عدة عوائل تمتنع عن مغادرة تلك المخيمات، لانها مهددة بالقتل في حال عادت الى مناطقها الاصلية.
ويعود اغلب سكان تلك المخيمات الى مناطق غرب الموصل، وهي مناطق مدمرة بشكل كبير ولا توجد فيها خدمات حتى الان.
ويقول المسؤول السابق ان ما "بين 40 الى 50 عائلة تجمعت الان في مناطق صحراوية في غرب الموصل، ويقوم رعاة الغنم برعايتهم وحمايتهم احيانا".
وقبل ايام تعرضت نحو 200 عائلة (ذوو داعش) الى هجوم بالرمانات اليدوية اثناء نقلهم الى مخيم للنازحين في الشرقاط، شمال تكريت.
وعلى اثر ذلك الهجوم اضطرت السلطات لنقلهم الى تكريت التي خرج بعض السكان ليعترضوا ايضا على تواجد تلك العوائل، لينقلوا اخيرا الى كركوك. ويوم الجمعة الماضية، قالت مفوضية حقوق الانسان انه "لليوم الرابع على التوالي مازالت طوابير العوائل النازحة المبعدة في مخيمات (الحاج علي) جنوب الموصل عالقة دون مأوى بعد ان تم تخريب وتفكيك خيامهم ومنعهم من مغادرة المخيم الى مدنهم ومناطق سكناهم الاصلية في الانبار وصلاح الدين بأوامر من حكومة نينوى المحلية".
وطالبت المفوضية في بيان بتدخل رئاستي البرلمان والحكومة "للوقوف على تناقض القرارات وتقاطع الاجراءات الحكومية المتخذة من قبل وزارة الهجرة والمهجرين والحكومات المحلية وادارات المخيمات وإنهاء معاناة المواطنين النازحين وضمان حقوقهم في عودة كريمة آمنة الى مدنهم وتوفير المستلزمات الاساسية لهم".
واشارت المفوضية الى أنها قد تقدمت بمبادرة لتسهيل وتيسير وضمان "عودة كريمة للنازحين طوعيا من خلال تنسيق العمل بين مكاتب الهجرة في نينوى والانبار وصلاح الدين لوضع خطة نقلهم وتهيئة مستلزمات العودة الطوعية لسكنة هذه المحافظات بالتنسيق مع حكوماتهم المحلية ووزارة النقل".
وقالت وفق البيان انه ستقوم بتسهيل "الاجراءات للراغبين بالعودة الطوعية للنازحين من ابناء نينوى، وتسليمهم خيمهم والسلة الغذائية والصحية لمساعدتهم على الاستقرار اضافة الى توفير سيارات نقل بالتنسيق مع وزارة النقل مع تسليمهم مبالغ مالية".
الوصول إلى كركوك
الى ذلك قال نجاة حسين، وهو عضو في مجلس محافظة كركوك ان 250 عائلة، يرجح انها من عوائل تنظيم داعش دخلت قبل يومين الى المحافظة قادمة من مخيمات جنوب الموصل.
واكد حسين في اتصال هاتفي مع (المدى) ان "70% منهم دخولوا الى مدينة كركوك بذريعة عدم ثبوت تورط ابناؤهم في تنظيم داعش، فيما البقية ارسلوا الى مخيم ليلان".
وقال المسؤول المحلي ان محافظ كركوك راكان الجبوري، هو من يدير هذه العملية وان هناك تعتيما على الاجراءات.
ويغيب مجلس محافظة كركوك منذ عامين عن المشهد، بسبب الازمة السياسية التي اندلعت بسبب احداث ما يعرف بـ"اكتوبر 2017" حين انتشرت القوات الاتحادية في كركوك وتراجعت البيشمركة الى كردستان وقاطعت بعض الاحزاب الكردية العمل هناك.
واضاف حسين ان "مخيم ليلان كان يضم نحو 200 الف شخص في ذروة المعارك ضد داعش، واغلبهم من ذوي داعش"، مبينا ان النازحين السابقين والوافدين هم من "سكان الحويجة والانبار وديالى وصلاح الدين واطراف بغداد".