إجـازة مفتـوحة

آراء وأفكار 2019/09/21 06:13:55 م

إجـازة مفتـوحة

 د. أثير ناظم الجاسور

كل حديثنا عن الفارق بين ما نعيشه وما يعيشه الآخرون في تفاصيل مختلفة لطالما حلمنا أن نحيا ولو لجزء بسيط منها،

هذا الشعور لم يكن وليد اليوم أو وليد سنوات أحزاب الفساد بل هو مجموعة تراكمات وأحداث تدحرجت لتصل لنا بهذا الحجم من الخراب بسبب أخطاء وعنجهيات كنا ندرك أنها في يوم من الأيام ستكون سيئة لكن ليس بهذا السوء الذي نعيشه، وما مرّ طيلة الستة عشر عاماً هذه لم يكن لها مثيل أبداً منذ تأسيس الدولة ولغاية اللحظة خصوصاً في جزئية التخطيط والإدارة الذين يعدان من الأسباب الرئيسة في تطور ورقي الدول، بالتأكيد إن هذه المرحلة من أقسى المراحل التي يمر بها العراق والإنسان العراقي لارتباطها لما خلفته من يأس وخذلان وموت، سيما وأن الفساد الذي أسست له أحزاب ما بعد الاحتلال كان أقسى ما في هذه المرحلة الحرجة بعد أن انتج تيارات وشخصيات استولت على السلطة لا لكفاءتها وخبرتها، انما كان التخندق والانجرار خلف الأجندات واللهاث خلف سلطة المال أساس ما هي عليه اليوم، خصوصاً وأن مخرجات هذه الأحزاب تعطي انطباعاً واضحاً أن القرار السياسي في العراق يتخذ من خارج الحدود والمتنفذين في عين العراقيين هم في الأصل منفذين في عين الخارج.

لقد وصل بنا الحال أن نرى ونشاهد كل هذا الخراب على أنه أمر طبيعي بعد أن اعتادت الاعُين على مشاهدة مسرحيات لجان التحقيق المشكلة من قبل البرلمان والحكومة والقرارات التي لا ترى النور للتنفيذ وتوسع قدرة وصلاحيات الأحزاب وفروعها بمختلف المسميات في العراق، ما يحصل ساهم وبشكل كبير على تغلغل اليأس في نفوس العراقيين حتى باتوا لا يكترثون لأي ردة فعل حكومية سبيلة كانت أم ايجابية إنْ وجدت الأخيرة، فما أن تحدث أزمة حتى شكلت لها لجنة لتكون النتيجة صفر بكل المقاييس لأن نتائج اللجنة المشكلة بالضرورة يجب أن تكون متناغمة مع المفسدين، وهكذا سارت الأمور في العراق يتقلب النظام السياسي بين فساد الأحزاب واللجان التي تخلصهم من فسادهم وصولاً للنيل من حياة المواطن، واليوم اختلف الحال بعد أن أصبحت قضية الاستقالة واحدة من أساسيات اليأس من المنجز الحكومي فكل مسؤول يهدد بالاستقالة في حالة عدم القدرة على إنجاز ما موكل إليه من مهام، وقد يراها الكثيرين على إنها كذبة غير قابلة للتصديق لأننا وبكل صراحة لم نرَ مسؤول استقال من منصبه بالشكل الذي يتحدثون عنه، إلى أن جاءت استقالة وزير الصحة التي عللها أغلب المراقبين على أنها عدم قدرة الوزير على مجاراة ما يحدث داخل أروقة هذه الوزارة التي سميت في يوماً ما ( وزارة الموت ) لسوء إدارتها وللفساد الحاصل فيها سواء على مستوى الأدوية أو الأجهزة الطبية والحال السيئ الذي وصلت إليه المستشفيات، لكن السخرية الكبرى ردة فعل رئيس الحكومة بعد أن وجد إن الاجازة المفتوحة للوزير بداية معالجة الخلل، وكأنه يحاول أن يقول للوزير خذ قسطاً من الراحة ولا تتخذ قراراً وأنت متوتر ومن ثم عد لمزاولة عملك، هذه الكارثة التي نحاول أن نستوعبها كبيرة على تفكيرنا لأن في تفكيرنا سؤال عن ما قدرة الحكومة على محاسبة ومتابعة الخروقات التي حصلت في فترة الوزير السابق خصوصاً وإن الوزارة شهدت تدهوراً واضحاً في مختلف تشكيلاتها في الأربع سنوات السابقة، هذا يدلل على عدم قدرة الجميع على فتح الملفات الحساسة من وجهة نظرهم لأنها وبكل بساطة تهدد مركز وجماهيرية الأحزاب الداعمة لكل عمليات الخراب التي طالت هذه الوزارة وعلى مدار هذه السنوات وحتى السنوات التي سبقتها، كان الأجدر برئيس الحكومة أن يدقق في تفاصيل أكثر عمقاً خصوصاً في مؤسسة تعد من أهم مؤسسات الدولة لارتباطها المباشر بحياة المواطنين ويدقق في أسباب تدهور القطاع الصحي الذي بات بورصة ومركزاً مالياً تتصارع عليه الأحزاب لأجل نيل الغنائم، الإجازة المفتوحة هي إجازة لكل المتنفذين في هذه المؤسسة والمؤسسات الأخرى وإجازة للمواطن على أن يكون أكثر قدرة على استيعاب أن حياته باتت في خطر.

لنخبر الجميع أن لا علاج لكم فمستشفياتكم والمستوصفات لا تمتلك القدرة على علاجكم ولا الحكومة قادرة على أن تكون على قدر من المسؤولية ولا حتى أبسط الخدمات الصحية لكم ، فيا سادة يا كرام الاتفاق الذي انتم مستهدفون فيه ، مفاده من الضروري أن تتلقون العلاج في مكان غير مستشفيات العراق وتكونوا بأمس الحاجة لأجهزة وعلاجات خارج حدود بلدكم لأنكم وبكل بساطة عملة صعبة تساعدون الآخرين على تخطي عقباتهم الاقتصادية، فهي رسالة لكل مواطن عندما تسافر وتتلقى العلاج قارن بين جودة الرعاية خارج العراق وبين سوء التعامل ورداءة الواقع الصحي العراقي، هي رسالة لكل العراقيين العنوا وطنكم الذي بات مقبرة لكم وهموا بالرحيل عنه لعلكم تنالون قسطاً من الكرامة ولا تنسوا انكم في النهاية ستعودون لكن بحال غير الحال، فهذا الوطن لا يتسع للجميع لأنكم وبكل بساطة عبئاً على الحاكم واحزاب الخراب، ولتتذكروا دائماً أنكم على مدار هذا العمر في إجازة مفتوحة. 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top