المعلم الكبير  سامي عبد الحميد وداعاً

المعلم الكبير سامي عبد الحميد وداعاً

 لطفية الدليمي

لايمكن لإنسان عرف الفنان الكبير سامي عبد الحميد عن قرب إلا أن يُدهش لما كان يملكه من طاقة إيجابية عجيبة ومرح يفيض على مجالسيه ،

فيما ابتسامته المشرقة تتسع وتمنح محياه الطيب سماحة وألقاً وتفصح عن سريرة نقية وروح محبة لاتعرف الأذى ، وبرغم سخريته اللاذعة التي لايسثني منها أحداً حتى نفسه، كنت أجده المثقف العميق المطلع على شؤون المسرح العالمي والعربي والقارئ العميق للنصوص العالمية والمسرح الإغريقي . خبرت أخلاقياته الرفيعة ودماثته ومرحه لأكثر من خمسين عاماً عبر صداقة عائلية ممتدة وعلاقة أعمال فنية مشتركة كان آخرها تصديه لإخراج مسرحيتي ( الليالي السومرية ) سنة 1994 للفرقة القومية للتمثيل ،حيث اجتهد في تقديم رؤية حداثية للنص وأضفى روحاً معاصرة عليه؛ مما أسقط معضلات الحرب والاستبداد وشهوة السلطة على النص المستوحى من ملحمة كلكامش ودفع بالمتربصين إلى التحريض على منع المسرحية بعد عرضها الثاني الذي قدمته الفرقة على قاعة الشعب في الباب المعظم وحقق نجاحاً كبيراً ليلتها، وفي صباح اليوم التالي أبلغني الاستاذ الراحل - مع حزنه العميق - عن تلقيه أمراً بوقف عرض المسرحية التي نالت في عرضها الأول على مسرح الرشيد خلال مهرجان بابل جائزة أفضل نص يستلهم التراث الرافديني وجائزة أفضل إخراج . (سأكتب لاحقاً وللتاريخ عن هذه التجربة وتفاصيلها في مقالة موسعة للمدى). 

كنا نلتقي في مناسبات فنية كثيرة وكان يحرّضني على الكتابة للمسرح وينتظر أن أقدم له نصاً يصلح لمهرجان المسرح العراقي أو العربي ،كان الراحل الكبير ذا ثقافة موسوعية في شؤون المسرح والسينما والأدب والحياة ، وتمتع بمهارات فنية عظيمة متعددة الأطياف فهو ممثل بارع ومخرج متجدد الرؤى وأستاذ لفن الإلقاء تمرس على هذا الفن في المسرح الشكسبيري في لندن، فضلاً عن تأليفه لعدد من الكتب الفنية وترجمته لنصوص نقدية في المسرح العالمي. لقد فقدنا برحيل الاستاذ والمخرج اللامع سامي عبد الحميد شخصية فنية فريدة من جيل الأوائل الذين أرسوا أسس المسرح العراقي ، وفضلاً عن كونه شخصية إنسانية جمعت بين الثقافة الأكاديمية الرفيعة وشهادة القانون وبين الإهتمام العميق بالتراث العراقي الرافديني والعالمي على حد سواء. لروحه الطيبة النبيلة الراحة والذكر فهو فنان قل نظيره في زمننا .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top