فوزي عبدالرحيم
تمثل زيارة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، للسعودية وهي الثانية خلال عام انفتاحاً حميداً للسياسة الخارجية
وخطوة في اتجاه سياسة خارجية عراقية تقوم على فهم ومراعاة المصالح العراقية العليا ,ورغم أن الزيارة تأتي في سياق الحديث عن وساطة عراقية بين إيران والسعودية وهو مالانرى العراق مؤهلاً له وهو موضوع خارج إطار هذه المقالة لكن أهمية الزيارة تأتي من كونها محاولة في إطار تكوين سياسة خارجية للعراق غابت طيلة عقد ونصف..إن السياسة الخارجية لأي بلد هي تعبير عن رؤية الفئات الحاكمة لمصالح البلد من زاوية مصالحها ونظرتها هي إذ وكلما كانت الفئات الحاكمة تمثل الحقائق السياسية والاجتماعية للبلد كلما كانت نظرتها للمصالح الوطنية أكثر شمولاً..منذ نيسان 2003حكم العراق من قبل فئات ذات طبيعة فئوية إذ رغم استخدامها للدين بنجاح في الحصول على الشرعية فإنها تعاني من نوع من الغربة عن البلد لأسباب عديدة منها إقامتها الطويلة وأحيانا تكونها في الخارج وهو مانجم عنه صلات وثيقة بالقوى الأجنبية الداعمة لها وهي القوى التي استمرت بدعمها بسبب ضعفها في الداخل العراقي مما عزز من نفوذ هذه القوى في العراق وقد كان من المأمول أن يستغني ولو جزئياً حكام العراق الجدد عن الدعم الاجنبي بما ينتج تقلصاً في النفوذ الاجنبي لكن الأمور جرت بشكل آخر عزز من النفوذ الاجنبي بحيث أن مصالح بعض الفئات الحاكمة غدت مرتبطة بنظرة الداعم الأجنبي للعراق أكثر من ارتباطها بالمصالح العراقية..لقد أدى ذلك الى أن أولوية المصالح الأجنبية حلّت في عديد من المجالات ومنها وأهمها السياسة الخارجية للعراق إذ ورغم القناعة العامة بعدم وجود سياسةخارجية محددة للعراق بعد 2003 بسبب التخبط المستمر وتواضع الشخصيات التي تسلمت مسؤولية هذا الملف فإن ذلك كان يجري لخدمة قوى أجنبية لها مصالحها في العراق وهي مصالح تتعارض أحياناً مع المصالح العراقية العليا فكان لابد من إضعاف وإن أمكن إنهاء المقومات الستراتيجية للعراق والتي تستند إليها أي سياسة خارجية وطنية والمقصود بهذه المقومات الواقع الجيوسياسي للعراق وإمكاناته المادية والبشرية وغير ذلك .
إن بناء سياسة خارجية هو أكثر من مجرد رغبة أو قناعة للمسؤول فهي أولاً تتطلب فهماً للثوابت الستراتيجية للبلد ومقوماته الأساسية ومصالحه كما يفترض وجود حكم يمثل بدرجة معقولة أغلبية المجتمع وأن يكون البلد متحرراً من النفوذ الأجنبي وهي أمور كانت مفتقدة طيلة العقد والنصف الماضي لذلك فإننا لانفترض أن سياسة خارجية هي في الطريق الآن لكن زيارة عبد المهدي للسعودية وغيرها من الأمور هي على الأقل تمثل فهماً مستجداً بخلل عدم وجود سياسة خارجية أو وجود سياسة خارجية مفرطة بمصالح البلد..إن السياسة الخارجية ترتبط بشكل مباشر بالوضع الداخلي وطبيعة النظام السياسي واستقراره وهو واقع لايسمح بالتفاؤل بوجود مشروع لسياسة خارجية عراقية وطنية ..إن معظم القوى المكونة لحكومة عبد المهدي تملك فهماً لمصالح العراق انطلاقاً من فهمها ومصالحها التي تتناقض في كثير من الأحيان مع الثوابت الستراتيجية العراقية وهو أمر عائد لخلل في أولويات هذه القوى بين همومها الوطنية وتحالفاتها الخارجية وهو أمر لم يتغير ولايبدو إنه سيتغير في الأمد المنظور لذلك فإن زيارة عبد المهدي للسعودية التي قد تكون انطلقت من فهم معين للسيد عبد المهدي لن تكون أكثر من محاولة لا يتوقع تطويرها باجراءات وقرارات تجعلها جزءاً من طريق لإنشاء سياسة خارجية جديدة لأن المطلوب هو حدوث تغيير في النظام السياسي وهو أمر خارج إمكانات عبد المهدي ويحتاج لأكثر من مجرد زيارة هي في الاتجاه الصحيح أو فهم صحيح للمشكلة..إن تغييراً سياسياً يفضي ضمن أمور أخرى الى تكوين سياسة خارجية وطنية أمر معقد في ظل النفوذ الأجنبي و طبيعة النظام السياسي الحالي الذين يقومان على مبررات وذرائع دينية لا زالت تجد آذانا صاغية لدى جمهور واسع في ظل مستوى الوعي الشعبي السائد لذلك فإننا نتوقع استمراراً لتخبط السياسة الخارجية العراقية ومزيداً من التفريط في المصالح الوطنية العراقية وتراجعاً للمقومات الاساسية والستراتيجية للدولة العراقية، وهو أمر يتم إما بسبب انعدام الفهم والكفاءة أو بسبب التعمد الناتج عن تشابك مصالح بعض الفئات الحاكمة مع جهات غير عراقية وبين المصالح الوطنية
اترك تعليقك