د. أثير ناظم الجاسور
لكل جيل ظروفه وبيئته التي نشأ فيها وتعلم من خلالها مخرجاً بمحصلة مهما كانت تحمل من الايجابيات والسلبيات،
بالمقابل فكل مرحلة تتطلب جيلاً يتعامل مع تجلياتها وفق قناعاته وتبنياته ومتطلباته الحياتية بمختلف جوانبها التي يراها هو، فجيل التلاقح الفكري والصراع الفلسفي والتضارب الايديولوجي يؤمن بمنهجية عمل مختلفة عن جيلنا نحن، فذلك الجيل بالرغم من الصعوبات التي أحاطت به إلا أنه استطاع ان يكون جزءاً من تلك المنظومة السياسية والاجتماعية من خلال وجود أرضيات سمحت له أن يعمل وفق إرادته ضمن أسس فكرية معينة من خلال تعدد الأحزاب والمدارس التي اسهمت في أن يكون له أطر ومعايير يعمل ضمن عقلية المرحلة، ويصل الى نتائج قد تكون مرجوة وقد تكون مخيبة للآمال ضمن سياق عمل تلك الفترة التي يعتقد هو إنها كانت أكثر انتاجاً من وقتنا الحالي، لكن هذا لا يمنع من أنه قد تضرر وعانى من مخرجات الانظمة السياسية التي حكمته والصراع الذي صاحب البيئة السياسية العراقية، الى أن وصل به الحال أن يدخل في مطحنة سياسة الحزب الواحد التي اعدها الكثيرون حائطاً صلباً لا يمكن تحطيمه.
أما جيلنا أو الجيل الذي يلينا لا اعتقد انه تمتع بتلك البحبوحة أو تمتع بحياة الأجيال السابقة ولو عُشر بالمائة، لا بل نكاد نجزم أنه جيل المعاناة الحقة، فشبابه الذين قاربوا منصف الثلاثينيات انتهاءً بسن الاربعين عانوا وقاسوا مرارة الحصار والعوز في طفولتهم لا بل كانت العائلة تخشى على اولادها من كل شاردة وواردة تمس النظام آنذاك لما يتمتع به من قسوة لا ترحم، وما ان اراد هذا ان يعيش شباب العشرينات حتى دخل في متاهة احتلال بلاده ناهيك عن الفوضى التي خلقها هذا الاحتلال ليكون فيما بعد جزء من حرب طائفية اكلت ما اكلت من الشباب الذي بات غريباً في وطنه فتوزعوا بين قتيل ومشرد ومهاجر، اما من كان طفلا يوم احتلال العراق هو اليوم مراهقاً من المفترض ان ينعم بحسنة التغيير التي لم يعشها أسلافه، إلا إنه بات ناقماً أيضاً على حياة لا يألفها ولا يشعر إنه يستحقها خصوصاً وهو اليوم بات يقارن بين حياته وحياة أسلافه متحسراً عليها بالرغم من عدم معرفته التامة عن كل أزماتها وصعوبتها، هذا الجيل اختلطت عليه المفاهيم فما عاد يميز بين الأحلام والحقوق فكل حق يدور في عقله بسبب نتاج نظامه السياسي الحالي أصبح حلماً بعيد المنال لا بل قد يكون هذا الحلم كابوساً إذا ما حاول تحقيقه، فهذا الجيل مغلوبون على أمرهم لا تفارقهم المعاناة والعثرات جيل لا يريد سوى أن يحيا كما يحيا أقرانه في المجتمعات الغنية التي على شاكلة بلاده، جيل مطالبه بسيطة وفي متناول يد حكومته لكنه لا يستطيع أن يطالب بها لأن ثمن المطالبة الموت، جيل لا يريد أن يشارك الأحزاب والكتل الحزبية حصصها ومكاسبها كل ما يريده هذا الجيل حياة كريمة تصون كرامته.
اترك تعليقك