هل تُعدّ جرائم ضد الإنسانية فعلاً؟

آراء وأفكار 2019/10/22 06:46:25 م

هل تُعدّ جرائم ضد الإنسانية فعلاً؟

هادي عزيز علي

وصف البعض من المحتجين الأفعال الموجهة ضدهم بأنها : ( جرائم ضد الإنسانية ) . ولكي نقف على الوصف القانوني لهذا المصطلح ،

فلا بد والحالة هذه من الاطلاع على بعض صور الجرائم ضد الإنسانية وشروطها لكي نصل الى النتيجة من تطبيق هذا الوصف على الفعل المنسوب للفاعلين . ومعلوم أن مصطلح ( جرائم ضد الانسانية ) ليس بحديث العهد ، أي إنه أقدم بكثير من اتفاقية لاهاي 1907 ومعاهدة فرساي 1919 لتستقر أحكامها على وفق محاكمات نورمبرغ المستندة الى اتفاقية لندن 1945 واعتمدت بعدئذ في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 ، ولا تفوتنا الإشارة بالطبع الى ميثاق الامم المتحدة 1945 إذ أن العراق يعد من المؤسسين للمنظمة الأممية وعضو فاعل فيها . فالمسيرة التاريخية لهذا المصطلح ليست حديثة إذ وجدت مستقر لها أخيراً في نظام المحكمة الجنائية الدولية .

وعرفت الفقرة (1) من المادة (7) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ( نظام روما) الجرائم ضد الانسانية بأنها : ( لغرض هذا النظام الاساسي - يشكل أي فعل من الافعال الاتية جريمة ضد الانسانية متى ارتكبت في نطاق هجوم منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم ) . وقد عددت المادة المذكورة تلك الأفعال المشمولة بأحكامها والواردة بعدة صور ندرج البعض منها لبيان مدى قربها أو بعدها من الافعال المنسوبة للفاعلين :

1 – القتل العمد – لكي يشكل القتل العمد إحدى صورة الجرائم ضد الإنسانية فيشرط فيه القيام بقتل شخص أو أكثر كجزء من هجوم واسع النطاق ممنهج موجه ضد مجموعة من المدنيين مع علم القائمين بارتكاب تلك الافعال بطبيعة العمل الذي يقومون به وظروف ارتكابة وبعبارة أخرى إن إرادة الفاعل موجه بوعي تام لما يقوم به ويرتكبه بناء على الإرادة تلك ، اي تحقق النية الآثمة العمدية المسبقة لذلك القتل .

2 – الصورة الثانية – الإبادة : والإبادة ضمن أحكام الجرائم ضد الإنسانية هي ليست جريمة الإبادة الجماعية التي لها وصف آخر في نظام روما يختلف عن وصف هذه الصورة . إذ أن الأخيرة تتحقق في حالة منع الدواء عن المصاب أو منع سيارات الاسعاف من الوصول الى محل الحادث أو منع أية وسيلة أخرى يمكن ان تنقل المصاب لأقرب وحدة علاجية حتى وإن كانت تلك الوسيلة ( الستوتة ) على سبيل المثال ، ما دام ذلك المنع يؤدي الى قتل شخص أو أكثر بطريق مباشر أو غير مباشر . وضمن هجوم منهجي يؤدي الى وقوع القتل بالطريقة الموصوفة اعلاه وبشكل المقصود الذي يحقق الركن المعنوي للجريمة أي الوصول الى تحقيق النتيجة الجرمية .

3 – الإبعاد أو النقل القسري – هذه الصورة الجرمية تتحقق بقيام الفاعل بترحيل أو نقل شخص أو أكثر من مكانه المعتاد الى مكان آخر بصورة قسرية ، ويدخل ضمن القسر استخدام القوة البدنية أو التهديد باستخدام السلاح الذي يؤدي الى زرع الخوف في نفس المجني عليه ويدفعه الى الاستكانة والاستسلام الى الفاعل ، على أن يتم ذلك على شكل هجوم ممنهج مع الإدراك الكامل للفاعل للعمل الذي يقوم به مع انصراف إرادته الى النتيجة الجرمية .

4 – التعذيب – وتتحقق هذه الصورة عندما يقوم الفاعل بالحاق أذى شديد بشخص أو أكثر وإلحاق الألم الشديد به سواء كان الألم بدنياً أو نفسياً ، وأن يتم ذلك تحت إشراف الفاعل أو سيطرته وضمن هجوم ممنهج تنصرف فيه إرادة الفاعل الى إحداث النتيجة الجرمية المقصودة بصفتها والظروف المحيطة بها .

5 – الاختفاء القسري للاشخاص – وتتمثل هذه الصورة الجرمية بأن يقوم الفاعل بالقبض على شخص أو أكثر واحتجازه أو اختطافه وحرمانه من حريته والامتناع عن إعطاء المعلومات عن مصيره أو عن مكان وجوده مع وانصراف إرادة الفاعل الى النتيجة الجرمية المقصودة هذه علماً بأن هذا الفعل يرتكب عادة بأسم الدولة او المنظمة السياسية او على الاقل بأذن منها . وتتصف هذه الصورة باشراك أكثر من فاعل من أجل تحقيق الهدف الجنائي المشترك .

وعند تطبيق هذه النصوص على ما تعرض له المحتجين السلميين من القتل العمد والإبادة والإبعاد والنقل والاختفاء القسري والتعذيب ، نجد أن أحكام هذه المادة تنطبق على ما أصاب الضحايا من الفعل الجرمي فهو قتل ممنهج مع انصراف الإرادة الى النتيجة الجرمية ، ومنع سيارات الإسعاف وأية واسطة اخرى لنقل الحرجى عن قصد تعني الإبادة على وفق التوصيف القانوني لها ، كما أن الترحيل والاختفاء القسري متحقق فعلاً في الفعل المنسوب للجناة فضلاً عن التعذيب الذي تعرض له المحتجزون ، عليه فإن أحكام الجرائم ضد الانسانية متحقق في الأفعال المنسوبة للفاعلين وعلى وفق أحكام نظام المحكمة الجنائية الدولية .

السؤال عن كيفية الوصول الى تلك المحكمة والعراق لم ينضم إليها ؟ الجواب إن الكرة الآن في ملعب الأمانة العامة لمجلس الأمن الدولي ، خاصة وان بعثة الامم المتحدة في العراق على علم بكافة هذه التفاصيل اذ تمكن المحتجون ومنظمات المجتمع المدني من ايصال الصورة واضحة الى تلك البعثة ، وما عليهم سوى إحالة الموضوع الى الجهات القانونية الأممية لتثبيت الوصف القانوني للجرائم باعتبارها منسجمة وأحكام الجرائم ضد الانسانية ، واذا ما ثبت لهم ذلك فان النصوص التشريعية للمحكمة الجنائية الدولية اعطت الصلاحية للأمين العام للامم المتحدة للايعاز الى الادعاء العام في تلك المحكمة بتحريك الشكوى على الجناة واستقدامهم على وفق الطرق القانونية ولو لم يكن العراق طرفاً في الاتفاقية الدولية للمحكمة تلك وإسوة لما اتخذ من إجراءات بحق الرئيس البشير رغم كون السودان ليس طرفاً في الاتفاقية تلك .

معلوم أن الحكومة أقرت بعلمها بتلك الجرائم عندما اضفت صفة الشهيد على قتلى الانتفاضة ، وهذا يعني إنها تروم معالجة الجانب المدني من الجريمة ( جبر الضرر) فقط ، وحيث إنها التزمت جانب الصمت عن الجانب الجزائي ، فهذا يعني انصراف نية الحكومة عن معاقبة الفاعلين لغرض تمكينهم من الإفلات من العقوبة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top