أ.د. عبد الرزاق عبد الجليل العيسى
تاريخ الأَسلحة الكيميائية
بدأ الاستخدام الحديث للأَسلحة الكيميائية مع الحرب العالمية الاولى ، فقد استخدم طرفاً الصراع الغاز السام لأحداث معاناة موجعة ، وأسقاط عدد كبير من الضحايا في ساحة القتال .
وتمثلت هذه الأسلحة أساساً في مواد كيميائية تجارية معروفة جيداً توضع في ذخائر عادية ، كالقنابل اليدوية وقذائف المدفعية . وكان من المواد الكيميائية المستخدمة غاز الكلور والفوسجين (عامل يسبب الاختناق) . وكانت النتائج خرافية ومدمرة في الغالب . ونتج عن ذلك قرابة 100,000 حالة وفاة . وقد تسببت الأَسلحة الكيميائية منذ الحرب العالمية الأُولى في إصابة أكثر من مليون شخص على نطاق العالم . وأَدى الشعور العام بالغضب الشديد جراء المشاهد المروعة لضحايا الأسلحة الكيميائية مما دفع الرأي العام العالمي الى توقيع بروتوكول جنيف , الذي يحظر استخدام الأَسلحة الكيميائية في الحرب , في عام 1925م. فكان هذا البروتوكول خطوة مهمة وإِن كان يشوبها عدد من أَوجه القصور, ومنها أنه لا يحظر تصنيع الأَسلحة الكيميائية أو إنتاجها أو تطويرها أو تكديسها. وكان من المشكلات أَيضا أن الدول التي صادقت على البروتوكول احتفظت بحقها في استخدام الأَسلحة المحظورة ضد الدول التي ليست طرفاً في البروتوكول , أَو في الانتقام النوعي إِذا استخدمت الأَسلحة الكيميائية ضدها . وقد استخدمت الغازات السامة في أثناء الحرب العالمية الثانية في معسكرات الاعتقال النازية وفي آسيا , وإن لم تكن الأَسلحة الكيميائية قد استخدمت في ميادين القتال الأُوربية .
في عام 1930م تجاوز عدد الموقعين على بروتوكول جنيف 40 دولة وكان العراق من ضمنها , واستمر العمل به حتى بلغ عدد الدول الموقعة عليه 165 عام 1989م . وشهدت مدة الحرب الباردة عمليات واسعة من استحداث الأَسلحة الكيميائية وصنعها وتخزينها، وفي السبعينيات والثمانينيات قُدٌر أن 25دولة كانت تطور قدرات الأَسلحة الكيميائية لديها . ولكن منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية , قيل أن الأَسلحة الكيميائية لم تستخدم إلا في حالات قليلة , كان أبرزها استخدام العراق لها في الثمانينيات ضد جمهورية إيران الإسلامية . كان الأَلمان تاريخياً الأوائل في اكتشاف إِنتاج غازات الحرب السامة والفتاكة وتصنيعها وتطويرها؛ كغاز الخردل Mustard Gasالذي يحمل رمز المركب CH2Cl- CH2Cl-CH2- S –CH2 والذي اكتشفه العالم الالماني IG – Fanden عام 1937م وبعدها اكتشف مركباً مشابهاً له والمسمى بغاز السارين Nerve Gas –Sarine وللغازين أَعلاه تأثير فعال على إِيقاف وظيفة الأَعصاب وشل السيطرة الكلية على حركة العضلات لتؤدي بالمصاب الى تفريغ المثانة والأَمعاء الغليظة بشكل لاإِرادي ومن ثم الى الموت بعد دقائق .
وأما غاز سيانيد الهيدروجين الشديد السمية والقاتل فهو من اختراعات الالمان كذلك , استمر تجاوز دول العالم لبروتوكول جنيف في تطوير أنواع كبيرة وأَساليب حديثة في فن القتل والفتك الجماعي للبشرية , إذ أنتج الالمان في منتصف 1930م غازات سامة جديدة وطوّروها ، إذ اكتشف العالم الالماني Gerharder أَصنافاً جديدة من غازات الأَعصاب كالسومان وطوّر غاز التابون مع العلم أنها ذات تأثير في عضلات القصبات الهوائية للرئة مما يؤدي الى شلها ثم تسبب الموت الفوري للإِنسان .
لقد انتهك الايطاليون عام 1935م بروتوكول جنيف 1925م حين استخدموا الاسلحة الكيميائية في مدينة Abussine في دولة أَثيوبيا ومثلهم اليابانيون عام 1937م والولايات المتحدة الأَمريكية في اندوشين الثانية. لقد استخدمت الاسلحة الكيميائية ضد مواطني جنوب العراق من قبل رئيس وزراء العراق ياسين حلمي سلمان الهاشمي في عام 1924, واستخدم المصريون غاز الخردل ضد الثورة في اليمن في الستينيات من القرن الماضي وغيرها الكثير, وأخيراً النظام العراقي البائد عند استخدامه غازات الحرب الفتاكة بشكل واسع في حربه ضد الجمهورية الإِسلامية في إِيران بقمع الكتل البشرية الزاحفة على العراق وكذلك في المعارك المحتدمة بين الجيشين العراقي والإِيراني والتي تستمر لأيام من غير حسم , عندها تستخدم الأَسلحة الكيميائية لتسحق القوتين واستخدمها كذلك ضد الشعب العراقي في حلبجة الشهيدة ومنطقة الاهوار , جنوبي العراق , الصامدة .
يمكننا التعرف على أن بعض السلاح الكيميائي يستخدم بشكل سائل كثيف قهوائي اللون أو بخار أو غاز عديم اللون وأما الرائحة فتختلف بحسب نوعية الغاز الكيمياوي إذ تشبه رائحة غاز الخردل رائحة الثوم ويسبب فقاعات وضيق التنفس وأما رائحة غاز التابون فتشبه رائحة السمك وأما غاز السارين فرائحته تشبه الكافور وغاز سيانيد الهيدروجين تشبه رائحة اللوز المر وهو يؤثر في مركبات الدم ويحجب وصول الأُوكسجين عنها ليؤدي الى الاختناق والوفاة.
وهناك وسائل كثيرة لاستخدام الأَسلحة الكيميائية كالرش بالجو بواسطة الطائرات أو الصواريخ والمدفعية الصاروخية والهاونات والأَلغام والقنابل اليدوية والحاويات. تصنف الأَسلحة الكيميائية الى غازات الحرب كالخردل والسارين والتابون والفي اكس (Vx) والى الغازات الحارقة كالنابالم ويتطلب في استخدامها العسكري الكثافة العالية لأَجل تغطية الهدف مع مراعاة الأَحوال الجوية المناسبة وتتلخص باتجاه وسرعة الرياح .
وبعد نهاية حرب الخليج الثانية شرعت الدول الكبرى في صياغة معاهدة جديدة نُوقشت من قبل أعضاء مجلس الأَمن عام 1992م ووُقّع عليها عام 1993م من قبل 162 دولة ومن الدول العربية الموقعة : الجزائر والسعودية والبحرين وتنص هذه المعاهدة على منع انتشار الاسلحة الكيميائية ومنع انتاجها وخزنها وكانت الصور المأساوية لضحايا أسلحة النظام البائد ولمدة عقد من الزمن في ذاكرة ابناء الشعبين العراقي والايراني وفي أرشيف دول العالم جميعاً. لقد فرضت المعاهدة ضوابط ومراقبة على التجارة الدولية للمنتجات الكيميائية ذات الاستخدام المزدوج والتي لها فقرات وبنود مشابهة لمعاهدة منع انتشار الأَسلحة النووية TNP .
اترك تعليقك