الحاكم الإسلامي..حين يتحول إلى مستبد (2-2)

د.قاسم حسين صالح 2019/11/04 06:37:41 م

الحاكم الإسلامي..حين يتحول إلى مستبد  (2-2)

د.قاسم حسين صالح

تحليل سيكولوجي

 تضمنت الحلقة الأولى استطلاعاً عزا فيه المستجيبون استبداد الحاكم الإسلامي إلى أن الإسلام بطبيعته..دين عنف،وإن الشخصية العربية مجبولة على العدوان،

وإن الحاكم الإسلامي يرى أن ما يريده هو حق إلهي مقدس..وختمناها بمؤشرات سيكولوجية خلاصتها،إن الذين استلموا السلطة تحكمت فيهم سيكولوجيا الضحية،وشعور بأحقية دفعهم الى اعتبار العراق غنيمة لهم فتقاسموه،وتولّد لديهم (تضخم أنا) و(غطرسة) أسهمت في تحويل الحاكم السياسي الى مستبد.

 

 في هذه الحلقة نستكمل التحليل ونبدأه بأن حكومات المحاصصة بعد 2003 كانت منتجة للأزمات عبر سبع عشرة سنة،ومنشغلة بمصالحها، نجم عنها نشوء حالات اجتماعية سلبية تطورت بتوالي الأزمات الى ظواهر كان أخطرها تضاعف حالات الطلاق والانتحار وتعاطي المخدرات.

 واقتصادياً وسيكولوجياً،كان تفشي البطالة بين الشباب بشكل غير مسبوق،وتوالي الخيبات أحد أهم الأسباب التي دفعت الشباب الذين يشعرون بالضياع وانعدام المعنى من الحياة والأكتئاب والخوف من المستقبل الى تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية،وإن الحكومة تقصدت بشكل خبيث تركهم لتشغلهم بالهلوسة وتخدِرهم،مع أن الدين الذي تدعو أحزابها الى تطبيقه..يحرّم المخدرات!..ومن السخريات إنها دعت الى بناء أسيجة على جسور بغداد للحد من ظاهرة الانتحار!.

 ولقد أكدت الأحداث صحة تشخيصنا بان العقل السياسي الفاسد في الزعامات العراقية مصاب بـ(البرانويا ) التي تعني بمصطلحاتنا أسلوباً أو شكلاً مضطرباً من التفكير يسيطر عليه نوع شديد وغير منطقي ودائم من الشك وعدم الثقة بالآخر،ونزعة ثابتة نحو تفسير أفعال الآخرين على إنها تهديد مقصود. ولهذا فأنه يحمل ضغينة مستديمة لمن يخالفه الرأي(العلماني سابقا،والمتظاهرين حاليا!)،ويرفض التسامح عما يعدّه إهانة اعتبار كان المتظاهرون جسّدوها باهزوجات موجعة( الله أكبر ياعلي الأحزاب باكونه،ما نريد حاكم ملتحي نريد حاكم يستحي..)، وإنه على استعداد للقتال أو المقاومة والإصرار بعناد على التمسك بالسلطة.

   كانت مسيرة تنبيه السلطة والتحذير طويلة تعود لتظاهرات( 2011) يوم طالبت بمحاسبة الفاسدين،فحماهم السيد نوري المالكي بمقولته الشهيرة التي ستدينه تاريخياً(لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها)..وواصل حمايتهم بتخدير بالوعود خلفه السيد حيدر العبادي الذي وعد بضربهم بيد من حديد وما فعل.ولأن المتظاهرين هتفوا في شباط 2011( باسم الدين باكونه الحراميه)..فأن الفاسدين أضمروا لهم العقاب بمزيد من الأهمال..ومارسوه بتعامل شرس ومهين في انتفاضة تموز 2018، وزادوها قبحاً وعنفاً وقساوة وشراسة في تظاهرات تشرين أول /أكتوبر 2019 التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثمائة شهيد وعشرة آلاف جريح..وكأن ما وقع هو حرب مع غزاة ، الأمر الذي دعا رئيس الوزراء(السيدعادل عبد المهدي) إلى استخدام عبارة (فض اشتباك)  مع انه مصطلح عسكري!

 ومن عام( 2010 ) كنّا شخصنا العقل السياسي  في السلطة بأنه مصاب بعلّتين:

حَوَلٌ عقلي  يرى ما هو ايجابي في جماعته وأنها على حق مطلق،ويضخّم سلبيات الجماعة الأخرى ويعتبرها على باطل مطلق..وجمود عقائدي يرى أن عقيدته هي المقدسة بطريقة يسبب خوفه عليها هوساً وسواسياً يضطره الى أن يغلق نوافذ تفكيره ويجبره على خلق الأزمات. وقلنا بالصريح إن شخصاً بهذه الصفات المرضية لا يصلح أن يكون قائداً لمجتمع تتنوع فيه الأديان والمذاهب والقوميات..وأنه سيتحول بحتمية سيكولوجية الى طاغية مستبد.

 وأضفنا،أن الاحداث أثبتت عبر سنوات ما بعد 2003 أن العقل السياسي العراقي منتج للأزمات،وإنه غير قادر على حلّ المشكلات،لأن الإدمان على الأزمات كالادمان على المخدرات..ففي الحالتين يحدث للعمليات العقلية في الدماغ برمجة ثابتة تجعله يعتاد على تفكير نمطي محدد يجبره على تكراره.

 ومنذ عام 2008 كتبنا عبر الصحف وقلنا في الفضائيات إن قادة العملية السياسية العراقية لن يستطيعوا أن يتحرروا فكرياً من معتقدات ثبت خطؤها،ولن يستطيعوا أن يجدوا حلّاً أو مخرجاً لما هم فيه،بل إنهم سيعرّضون ملايين الناس الى مزيد من الأذي،وقد حصل ما كنّا حذرنا منه.

من هذا التحليل نصل الى أهم استنتاج سيكولوجي هو أن هناك فجوة فكرية وهوة عميقة بين جيل الحكّام وجيل الشباب..فالعقل السياسي مأزوم ،منغلق،مسكون بالماضي لدرجة إنه يعتبر تحشيد الشباب بمسيرات لطم ونواح..إنجازاً يتباهون به،فيما العقل الشبابي منفتح،متطلع الى المستقبل..وانهما بهذا الحال..جبلان لا يلتقيان!

  ويبقى المدهش!:

 أن تظاهرات تشرين / اكتوبر 2019 خطّأت نظرية في علم النفس تقول:إذا أصيب الإنسان بالأحباط وحاول ولم ينجح، فأن تكرار حالات الخذلان والخيبات توصله الى العجز والاستسلام..وقد تبنى هذا الرأي معظم المفكرين والمثقفين العراقيين..وها هم الشباب يطيحون بها.. وسيحققون ما يُدهِش العرب والعالم!.

 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top