بغداد/ المدى
أغلقت معظم المدارس والجامعات في جنوب العراق أبوابها الثلاثاء، بعدما أعلنت نقابة المعلمين إضراباً عاماً في محاولة لإعادة الزخم إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تعم البلاد منذ أسابيع.
ورغم دعوات السلطات لـ"العودة إلى الحياة الطبيعية"، واصل المتظاهرون المطالبة بنظام حكم جديد وتغيير الطبقة السياسية في بلد يعد من الأغنى بالنفط في العالم، وبين الدول الأكثر فساداً على حد سواء.
ومنذ الأول من تشرين الأول الماضي، أسفرت الاحتجاجات الدامية عن مقتل 320 شخصاً وجرح 15 الف آخرين، بحسب أرقام رسمية. ومنذ نهاية تشرين الأول، تحول الحراك في جنوب البلاد ذات الغالبية الشيعية، إلى موجة عصيان مدني.
وتظاهر المئات امس الثلاثاء في مدينة الكوت، وقاموا بجولات لإغلاق المدارس والإدارات الرسمية.
وفي الحلة أيضاً، جنوب بغداد، لم تفتح المدارس أبوابها لغياب المعلمين، فيما قلصت الدوائر العامة عدد ساعات العمل.
وفي الناصرية، حيث قتل متظاهران ليل الاثنين / الثلاثاء وفق مصادر طبية، وفي الديوانية، وهما المدينتان اللتان تعدان رأس الحربة في موجة الاحتجاجات بالجنوب، أغلقت كافة المؤسسات التعليمية أبوابها.
وفي العاصمة بغداد، يواصل المتظاهرون الشبان خوض مواجهات مع القوات الأمنية في الشوارع التجارية المتاخمة لساحة التحرير.
وتحاول القوات الأمنية مجدداً سد كل الطرقات المؤدية إلى التحرير بالكتل الإسمنتية، بعدما أقدم المتظاهرون على إسقاطها أول مرة.
وخلف تلك الكتل، تتمركز قوات مكافحة الشغب التي تواصل إطلاق الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية.
وحسب شهود عيان، إن قوات مكافحة الشغب المتمركزة في جسر السنك وسط بغداد، أطلقت الرصاص الحي نحو المتظاهرين في ساحة الخلاني، ما أسفر عن وقوع ضحايا، في تمام الساعة الواحدة و22 دقيقة ظهر يوم أمس.
واكتظت ساحة التحرير قبالة نصب الحرية للفنان العراقي الراحل، جواد سليم، بأعداد كبيرة من المتظاهرين الذين وصلوا منذ ليلة أمس لدعم الملازمين للاعتصام، ومبنى المطعم التركي سابقا "جبل أحد حاليا"، لحمايتهم من تكرار استهدافهم بالرصاص الحي.
وبصدد الحريق الذي نشب في مبنى عملاق تابع لوزارة المالية في ساحة الخلاني.
يقول الناشط في مجال حقوق الإنسان، علي المكدام، في تصريح صحفي إن الحريق الذي التهم المبنى، جاء إثر القنابل الدخانية ذات الشرارة النارية التي ألقتها قوات مكافحة الشغب صوب المتظاهرين في الخلاني.
وأضاف المكدام أن القوات استخدمت العنف المفرط لتفريق المتظاهرين، باستخدام الرصاص الحي، وقنابل الغاز المسيل للدموع، بشكل مكثف، ما أسفر عن وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى.
وخلال مراجعة بالأمم المتحدة لسجلات الدول الأعضاء، فيما يتعلق بحقوق الإنسان في جنيف، اتهم دبلوماسيون من عدة دول الحكومة العراقية باستخدام القوة المفرطة.
وأصدر دبلوماسيون من عدة دول بينها الولايات المتحدة انتقادات لاذعة.
وقال دانييل كرونينفيلد، مستشار حقوق الإنسان في البعثة الأمريكية بجنيف، "نوصي بأن يخفف العراق على الفور من استخدام القوة المفرطة مع المحتجين السلميين، لا سيما الاستخدام غير القانوني لقنابل الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية، وبأن يحاسب بشفافية المسؤولين عن العنف".
ووصفت هولندا استخدام القوة بأنه "غير مشروع وعشوائي ومفرط". وعبرت ألمانيا عن قلقها العميق وحثت على اتخاذ اجراءات عاجلة لمنع مقتل مزيد من الأشخاص.
ونشرت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق مجموعة توصيات الأحد، بينها الإفراج عن كل المعتقلين من المحتجين السلميين وإجراء تحقيق في عمليات قتل المتظاهرين.
وقال الممثل الدائم لجمهورية العراق لدى المنظمات الدولية في جنيف السفير حسين محمود الخطيب إن الخطة التي رأتها بغداد للتعامل مع الاضطرابات قيد التنفيذ بالفعل وأصبحت "أوسع" من مقترحات الأمم المتحدة.
وأضاف لرويترز "لن يبقى متظاهر في السجن ما لم يكن خاضعا لتحقيق جنائي".
وتحاول ممثلة الامين العام للامم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت وضع خارطة لتهدئة الشارع عبر حوار يجري بين المتظاهرين والقوى السياسية التي يرفض المتظاهرون بقاءهم.
وفي هذا السياق، قال الناشط في الحراك العراقي نائل الزامل إن "خطة الأمم المتحدة لحل الأزمة بالعراق ليست ذات أهمية، مؤكدا أن المتظاهرين لن يقبلوا بها، مشددا على ضرورة إقالة الحكومة ومحاكمتها".
وأوضح أن "هناك اتفاقا اقيلميا ودوليا على بقاء حكومة عبد المهدي، التي قامت بقتل المتظاهرين"، مشيرا إلى أن "مقترحات البعثة الأممية في العراق ليست ذات أهمية ولن يقبل المتظاهرون أي حل دون إقالة الحكومة ومحاكمتها".
وسبق ان ناقشت بلاسخارت اوضاع البلد مع المرجع الشيعي على السيستاني يوم الاثنين. واكدت بلاسخارت في مؤتمر عقب اللقاء ان "المرجعية ابدت قلقها من عدم جدية القوى السياسية باجراء الاصلاحات، واكدت ان المتظاهرين لا يمكن ان يعودوا الا باجراء الاصلاحات".
واصدر مكتب السيستاني، بيانا الثلاثاء قال فيه: خلال اللقاء عبّر سماحته عن ألمه الشديد وقلقه البالغ لما يجري في البلاد، وأشار إلى تحذيره المكرر منذ عدة سنوات من مخاطر تفاقم الفساد المالي والاداري وسوء الخدمات العامة وغياب العدالة الاجتماعية، الا انه لم يجد آذاناً صاغية لدى المسؤولين لمعالجة ذلك، وقد وصلت الامور الى ما نشهده اليوم من اوضاع بالغة الخطورة. وأكد على ضرورة اجراء اصلاحات حقيقية في مدة معقولة، وفي هذا السياق تم الترحيب بمقترحات بعثة الامم المتحدة المنشورة مؤخراً، مع ابداء القلق من ان لا تكون لدى الجهات المعنية جدية كافية في تنفيذ أي اصلاح حقيقي. وبحسب البيان، فقد اشير ايضاً الى ان السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية اذا لم تكن قادرة على اجراء الاصلاحات اللازمة او لم تكن تريد ذلك فلابد من التفكير بسلوك طريق آخر في هذا المجال، فانه لا يمكن ان يستمر الحال على ما كان عليه قبل الاحتجاجات الأخيرة.