بغداد/ المدى
انهارت على ما يبدو "الاتفاقيات الهشة" التي ابرمتها الحكومة مع اطراف من المحتجين في بغداد والبصرة، والتي حصلت بمقتضاها (السلطة) على وقت قصير لالتقاط الانفاس بعد ان تمكنت من ابعاد المحتجين عدة امتار الى الوراء قبل ان يعودوا امس الى خطوط ما قبل "الهدنة".
بالمقابل اصدر المعتصمون بياناً جديدا ادانوا فيه ما جرى في ليلة اول امس في ساحة التحرير، كاشفين عن اجراءات جديدة لحماية الساحة، في وقت تصاعدت فيه دعوات "الاضراب العام" ابتداءً من اليوم الاحد.
وعقب ليلة دموية في بغداد راح ضحيتها اكثر من 20 بين قتيل ومصاب بسبب انفجار عبوات في محيط ساحة التحرير، عاد المحتجون الى ساحة الخلاني وجسر السنك بعد اسبوع من خسارة المتظاهرين الموقع لصالح القوات الامنية.
وحصل المحتجون وفق التطورات الاخيرة على موقع جديد يشرف على المنطقة الخضراء، بعد ان صعد المتظاهرون على مبنى "كراج السنك" المطل على نهر دجلة، والمتكون من عدة طوابق، عقب انسحاب مفاجئ للقوات الامنية من المرائب والمناطق المحيطة به.
وقال مصدر امني في بغداد لـ(المدى) ان "خلافات بين الاجهزة الامنية وراء الانسحاب من محيط ساحة الخلاني وعودة القوات الى الوضع السابق ما قبل 9 تشرين الثاني الحالي".
وكانت القوات الامنية قد سيطرت على الساحة وجسري السنك والاحرار، عقب اتفاق "سري" جرى بين مجموعتين من المتظاهرين، ادعوا تمثيلهم لمحتجي ساحة التحرير، مقابل الحصول على وعود بالتعيينات وامتيازات اخرى.
واكد المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه لحساسية المعلومات: "كان من المفترض ان تبقى بعض القوات في كراج السنك، لكن الخلافات توسعت وتركت القوات المواقع".
واضاف ان "الفرقة 11 التابعة للجيش ومكافحة الشغب والرد السريع التابع للداخلية انسحبوا من الساحة الى وراء الحاجز في منتصف جسر السنك"، مشيرا الى ان الفوج العاشر لطوارئ بغداد استلم بدلا عن تلك القوات وهو متمركز الآن قرب امانة بغداد.
وكانت (المدى) قد كشفت الاسبوع الماضي، عن "استقالة" اكثر من 30 عنصرا امنيا بين ضابط ومنتسب من العمل بسبب "رفضهم اطلاق النار على المتظاهرين"، فيما لم تصدر عن القيادات العسكرية اي تصريحات رسمية بذلك حتى الآن.
وقبل ذلك، تحدثت مصادر امنية لـ(المدى) عن وجود حالة من الرفض "غير المعلن" في داخل بعض الاجهزة الامنية ضد جهات عسكرية لا تلتزم بتعليمات عدم اطلاق الرصاص.
وقالت الجهات الرافضة انها تخشى تورط الجميع بالدم العراقي بسبب "عناد" تلك القوات التي تستمر باطلاق النار.
العودة إلى الخلاني
في ساعات الصباح الاولى من يوم امس، بث ناشطون صوراً لمحتجين وهم يعيدون انتشارهم في ساحة الخلاني وعلى جسر السنك، فيما تجمع آخرون على "كراج السنك" متعدد الطوابق، وهو الموقع الثاني بعد بناية المطعم التركي التي تطل على المنطقة الخضراء.
بالمقابل اكد علي سعد، احد المتواجدين في ساحة التحرير لـ(المدى) ان انسحاب الجيش ومكافحة الشغب من الخلاني كان بسبب "خوف القوات من غضب المتظاهرين بعد انفجار ساحة التحرير وحجم التواجد في الساحة عقب ذلك الحادث".
وكانت عدة عبوات انفجرت في محيط الساحة ليلة الجمعة على الاحد، احداها تسببت بانفجار سيارة بين التحرير وساحة الطيران، وادت الى مقتل شخصين اثنين وعشرات الجرحى، بحسب ما قاله متظاهرون.
لكن خلية الاعلام الامني المرتبطة بمكتب رئيس الوزراء، قالت ان "مواطنا استشهد واصيب ١٦ آخرين بانفجار عبوة أسفل عجلة قرب ساحة التحرير ببغداد".
واضافت الخلية في بيان اصدرته امس، ان "القوات الأمنية تجري تحقيقا لمعرفة ملابسات الحادث".
وحدث الانفجار عقب "مليونية" دعا اليها المتظاهرون للضغط على الحكومة من اجل الاستقالة واجراء انتخابات مبكرة.
وكان المتظاهرون في وقت مبكر من نهار الجمعة، اسقطوا عددا من الكتل الكونكريتية قرب ساحة الخلاني، فيما تراشقوا مع القوات الامنية بالحجارة والتي ردت عليهم بالقنابل المسيلة للدموع.
واكد معتصمون في بيان ثالث أصدروه في غضون اقل من اسبوعين، انه بعد كل خطبة لمرجعية النجف تزداد "عمليات قمع المتظاهرين بالرصاص الحي والقنابل المختلفة".
وقال البيان الذي وزع امس على صحفيين وفي ساحة التحرير، ان السلطة ردت بعد الخطبة الاخيرة "بإطلاق الرصاص الحي في ساحة الخلاني وقتل أربعة متظاهرين وإصابة العشرات، قبل أن تضرب ساحة التحرير ومحيطها بالعبوات الناسفة والقنابل الصوتية".
واشار البيان الى أن التراخي الأمني في محيط ساحة التحرير والمداخل المؤدية إليها، يؤكد "عدم رغبة الحكومة بتأمين التظاهرات، والذي هو الواجب الأساسي للقوات الأمنية، وما الانفجارات اليومية إلا دليل على ذلك". وكشف المعتصمون في البيان عن سعيهم "لتأمين ساحات التظاهر ومداخلها، راجين من أحبتنا المتظاهرين التعاون مع اللجان التنظيمية، للحفاظ على سلامتهم".
واضاف المعتصمون أن "احتفالاتكم بفوز المنتخب الوطني، والحشود المليونية التي غصت بها ساحة التحرير وباقي ساحات التظاهر، يومي الخميس والجمعة، قد أغضبت السلطة ومن معها، فانتقلوا من مرحلة تخويف الناس بالانفجارات الصوتية، إلى سفك الدماء داخل ساحات الاعتصام السلمي".
أم قصر و"مجنون"
وفي اقصى الجنوب، اشارت قيادة شرطة البصرة، امس، في تصريحات صحفية الى تعرض القوات الامنية لاطلاق نار من منازل سكنية.
وجاءت تلك التصريحات عقب عودة محتجين الى اغلاق ميناء ام قصر مجددا. وكانت السلطات هناك قد توصلت الى اتفاق مع عدد من المتظاهرين قبل اسبوع لفك الحصار مقابل وعود بالتعيينات على غرار ما حدث في بغداد.
وقال احمد العبادي، النشاط البصري لـ(المدى) ان "المحتجين اكتشفوا زيف الحكومة وعادوا مجددا الى غلق الميناء".
وفي تطور لاحق اعادت القوات في البصرة التفاوض مرة اخرى وفتح طريق "ام قصر"، فيما تجمع محتجون آخرون قرب حقل مجنون في جنوب المدنية.