TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > نافذة من موسكو..التاريخ لن يغفر

نافذة من موسكو..التاريخ لن يغفر

نشر في: 24 نوفمبر, 2019: 06:58 م

 د. فالح الحمـراني

من لا يتقن قراءة التاريخ لن يكون له تاريخٌ ناصعٌ، لأنه يتجاهل الحقائق الموضوعية على الأرض، سوف يتخبط في تصرفاته ويرتكب الكبائر بالقتل والتدمير الوحشي من أجل فرض مفاهيمه،

وبالتالي مصالحه التي لم تعد تتماشى تاريخياً مع متطلبات وخصائص المرحلة، هذه هي مشكلة كافة الزعامات الديكتاتورية بما في ذلك في العراق، تخلفها عن وعي التاريخ، عن الوعي الاجتماعي، جهلها في قراءة الواقع الموضوعي، جدبت ليس عقليتها وحسب وإنما خيالها أيضاً.

إن البيان الذي أصدرته، من اطلقت على نفسها قوى سياسية عراقية! يفضح هذه القوى نفسها، بأنها لم تدرك حقيقية ما يجري في البلاد، وما هو المطلب الحقيقي للشعب العراقي الذي جاء بها للسلطة، أو بتعبير أدق ركبت على أكتافه للوصول الى سدة الحكم والنفوذ والمال، ومن ثم ركلته بعنف لتبقى هي في القمة. الشعب، الناخب يريد نزلوها من أبراجها " العاجية"، وبيانها يكشف رفضها لذلك، ومن الناحية الموضوعية أن هذه القوى التي شاركت في الاجتماع " سيئ الصيت" هي المستفيد الوحيد ( وليس الشعب) من بقاء الوضع الذي أسس له الاحتلال. وكما قال أحد المحللين الروس المعنيين بالشأن العراقي: لا أحد ( من القوى التي تحكم البلاد) ينوي بجدية تغيير أي شيء، وهناك توافق تام بين الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية( الحاكمة). و تدور في نفس الوقت كلها في حلقة مفرغة لمواصلة نهب الثروة الوطنية لهذا البلد ومستعدون للحفاظ على هذا الوضع بأي ديماغوجية". ولكن تلك القوى لم تدرك بأن التاريخ سيدرج المتورط منها في الفساد والقتل، في لائحة واحدة القوى التي يمقتها شعب العراق، القوى المقيتة التي اقترفت الكبائر والمحرمات الدينية والإنسانية مثلها، لديمومة بقائها في السلطة رغم نضوب مرحلتها موضوعياً، فعلى ذمة من سيُسَجل سفح دماء المئات من الشباب العراقيين الذي اغتيلوا فقط لأنهم طالبوا بحقوقهم المشروعة طالبوا كما جاء على شعارتهم بوطن، أليس أن الشباب اغتيلوا في العهود السابقة لنفس المطالب؟ السؤال الحيوي والمشروع هو : لماذا أذن ندين الأنظمة السابقة ونتهمها بالوحشية، إذا كانت بعض مؤسسات نظام اليوم تمارس نفس أساليبها، وبطريقة رعناء. التاريخ لن يغفر. لن يغفر لأن عدد الشهداء أقل ( ربما سيتضاعف لا شاء الله) ، فالحديث عن النهج والأسلوب : " فمن قتل نفساً واحدة من غير حق كأنه قتل الناس أجمعين". 

التاريخ لن يغفر لأولئك الذين أوصلوا الوضع الى طريق مسدود، ولم يعملوا إبان حكمهم على إعادة بناء اقتصاد البلاد، وتحصين أركان الدولة ( اللاطائفية) وفسحوا المجال لغزو داعش للعراق ونهشه، فيما أصبحوا هم وبطاناتهم أثرياء وأصحاب نفوذ ومليشيات وحمايات. إن الضعف الاقتصادي الهيكلي للبلاد واحدة من المشاكل التي تثير الاحتجاجات الدائمة. لن يغفر لأولئك الذي ابقوا اقتصاد البلاد يعتمد اعتماداً كبيراً على إنتاج النفط والغاز الطبيعي (تمثل صادرات الطاقة 99 ٪ من الصادرات العراقية وتوفر 84 ٪ من الإيرادات الحكومية). ولم يدركوا بأنه من أجل مواصلة الإنتاج في مرافقه، فإن قطاع الطاقة في حاجة ماسة للإصلاح. واكتفوا بان يذهب نصف ميزانية الدولة إلى معاشات الدولة ورواتب موظفي الدولة، بالإضافة إلى المساعدات والإعانات التي تلبي الاحتياجات الاجتماعية. وهذا ما أعاق تنويع الاقتصاد العراقي، وأدى إلى فقر الدم في القطاع الخاص والاعتماد المفرط على الوظائف في القطاع العام، التي تتوقع من الحكومة أن تقدم خدمات رخيصة وغير موثوق بها في كثير من الأحيان. واجهضوا فكرة الإصلاحات، على الرغم من أنها لكنها ليست كافية لحل هذه المشكلات الهيكلية. ورغم ثراء العراق اعتمدوا على منح الدول المعنية باستقرار العراق، فضلاً عن المساعدة المقدمة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في العمل على حل القضايا الأساسية، لكنها لم تؤدِ إلى التغييرات اللازمة. واعتمدوا تكتيك الحلول المرحلية الذي يؤدي في النهاية إلى تفاقم المشاكل الكامنة وراء عدم الكفاءة الاقتصادية الهيكلية في العراق، ولكنه يسهل عليهم البقاء في السلطة. وأدى الإنفاق المفرط للرواتب والإعانات الحكومية والصرف على المؤسسات التنفيذية والتشريعية، والتي تعتبرها الحكومة ضرورية لضمان الاستقرار، إلى زيادة الدَيَّن العام والعجز الهائل في الميزانية. وجزئياً من أجل تلبية الطلب بصورة عشوائية على الوظائف، تضاعف توظيف القطاع العام ثلاث مرات من 900 ألف في عام 2004 إلى حوالي 3 ملايين اليوم؛ أدى التضخم اللاحق كجزء من نمو الأجور إلى زيادة في الإنفاق على الوظائف من 7 ٪ من إجمالي الميزانية في عام 2004 إلى أكثر من 40 ٪ اليوم. وحتى مع تجميد التوظيف في القطاع العام، على سبيل المثال ، فإن معدل نمو التكاليف في الإنفاق الحكومي تصاعد في عام 2016 ، ومع ذلك، تعتمد الحكومة على تلك الوعود ( العسلية) القديمة لقمع الاحتجاجات الحالية، بما في ذلك الوعود باستحداث المزيد من الوظائف إلى القطاع العام، وكذلك دفع الأجور المترتبة ودعم الإسكان، والتي لن تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة التي تجد نفسها فيها. إن العراقيين يرفضون اليوم وعود الحكومة المعتادة، كما كانوا من قبل. بما أن الوعود السابقة بتوفير فرص العمل وتحسين جودة الخدمات ظلت حبراً على ورق، فإن هذه الموجة من الوعود، وليس من المستغرب، لم تقنع المحتجين العراقيين بمغادرة الشوارع. وهذا يعني أيضاً أن هذا النمط المألوف لن ينجح في المستقبل. لقد أصبح فشل جميع الحكومات العراقية في الوفاء بوعد الإصلاح أمراً مألوفاً لدرجة أنها وفرت بالفعل منبراً استخدمه القادة الوطنيون ، مثل مقتدى الصدر ، لكسب الدعم الشعبي.

بعد الإطاحة بالنظام الدكتاتوري عام 2003 ، شارك العراقيون في ثمانية انتخابات محلية ووطنية على الأقل. لكن لم يستطع أحد الرؤساء تحديث الاقتصاد المنهار أو تحسين القوة الشرائية للسكان. إن كافة المعطيات تشير على العكس لقد ازداد خلال هذا الوقت، الفقر وانهار الأمن وحسب. إن انعدام الثقة في مؤسسات نظام الدولة ليس بالأمر الجديد؛ فقد اندلعت الاحتجاجات السابقة بسبب مطالب وضع حد للفساد والمجيء بوجوه جديدة إلى الحكومة. الجديد في هذه المرّة هو اتساع الإحباط الذي يتجاوز السياسات الطائفية التقليدية في العراق. لا يستهدف الغضب العام أي تجمع أو حزب أو راعي خارجي. على سبيل المثال، واللافت أيضاً إن تأثير رجال الدين المؤثر سابقاً ، الذي كان لهم مكانة وتأثيراً بين جميع العراقيين، يضعف اليوم بين جيل الشباب، الذي يسمع من سنة إلى أخرى نفس الوعود من المصادر التقليدية للسلطة. يشير هذا إلى احتمال طرح مواطني العراق متطلبات أصعب على الحكومة حلها. ويدفع العراقيون حكومتهم لمعالجة القضايا السياسية المعقدة، مثل مكافحة الفساد على نطاق واسع، بدلاً من مجرد تقديم نفس الحلول القديمة. لكن الجهود الفعالة للحد من الفساد في العراق تتطلب إصلاحات هيكلية واسعة النطاق من الدولة. ليس من المستغرب أن الطبقة السياسية ليست متحمسة بشكل خاص لهذا المسار المعقد والمثير للجدل ، والذي سيؤدي إلى اضطرابات واسعة النطاق ويتطلب إعادة تنظيم قطاع الطاقة على المدى الطويل. ومع ذلك ، اتخذت الحكومة خطوات صغيرة في هذا الاتجاه. في 8 تشرين الأول (أكتوبر) ، جمدت الحكومة العراقية أنشطة مجالس المحافظات ، وبعد ذلك بيومين ، تم الإعلان عن إعادة ترتيب الحكومة. الآن صدر قانون لخفض الإعانات لموظفي الخدمة المدنية. على المدى القصير ، يبقى السؤال مفتوحاً عما إذا كان هذا سيكون كافياً. إن التاريخ لن يغفر لأولئك الذين باتوا يستخدمون الماكنة العسكرية بمختلف أشكالها لقمع إرادة الشعب بالتغيير وبناء الدولة العصرية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

نتائج اجتماعية سلبية محتملة لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

العمودالثامن: لماذا تصمت نقابة المحامين؟

العمودالثامن: المندلاوي وشعار "مشيلي وامشيلك"

العمودالثامن: حين تغضب النقيبة !!

تشريع زواج القاصرات في العراق خيانة لهنَّ

العمودالثامن: عصر المرتشــين

 علي حسين كانت كلمة (مرتشي) حين تقترن بشخص ما فهي كافية لتضعه أسفل سلم التوصيف الأخلاقي في المجتمع، ويذكر البعض منا أن الاختلاس أو سرقة المال العام كان يلقى ردعاً يصل لحد الفصل...
علي حسين

كلاكيت: الكوميديا التي لا تنشغل فقط بالضحك..

 علاء المفرجي على الرغم من أن الفنان الكبير قاسم الملاك، لم يبدأ مسيرته الفنية أواخر الستينيات ممثلاً كوميدياً، بل تنوعت أدواره منذ ذلك الحين بين الكوميديا والأدوار التراجيدية، وغيرها من الأدوار. فكان أن...
علاء المفرجي

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوبفي مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 6)التجربة اليابانيةاليابان، المعروفة بتنظيمها الاجتماعي وثقافتها الغنية، تعد واحدة من اكبر الاقتصادات في العالم. بعد الحرب العالمية الثانية، شهدت اليابان نهضة اقتصادية هائلة، حيث تحولت من بلد مدمر الى قوة اقتصادية...
د. محمد الربيعي

مقالة إخوان الصَّفا: القائل والعاقل

رشيد الخيون تضاعفت الأقوال المسموعة على مدار الساعة، والقلة ممَن يخضعها لعقله، كي يميز الغث مِن السَّمين، وبقدر ما نفعت التكنولوجيا، الفكر النير، خدمت الجهل، لأنها تُدار بيد الإنسان، إذا كانت يد عاقل أو...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram