وتتنوع أسباب تلوث مياه شط العرب بدءاً بما يلقى فيه من مياه الصرف الصحي ونفايات المنازل والمخلفات الصناعية والنفطية إضافة إلى المد البحري المالح المتدفق من الخليج العربي.

ويرى مهدي التميمي مدير مفوضية حقوق الإنسان في محافظة البصرة إن موضوع تلوث شط العرب يعتبر من الملفات المهمة لدى المفوضية,وتتولى متابعتها ولديها اتصالات مع الحكومة المحلية المتمثلة بالنائب الثاني لمحافظ البصرة، ومع الدوائر ذات العلاقة كالبيئة والبلدية وغيرها من الدوائر.

ويقول حول نتائج تلك الجهود "حصلنا على جميع قرارات وزارة الصحة ولكن للآسف ليس بشكل مباشر، انما من خلال التعاون مع الحكومة المحلية وهي من أوصلت إلينا النسب الكلية للتلوث من مياه الصرف الصحي والمستشفيات في المحافظة من خلال رميها النفايات دون معالجة ، وكذلك التلوث بالانبعاثات الشعاعية والغازية نتيجة استخراج النفط، والعوادم التي ترمى في النهر من شركات الكهرباء". و تشير النسب إلى وجود (98% ) تلوث جرثومي (و45%) تلوث كيميائي".

من جانبه كشف مجلس محافظة البصرة، السبت، عن تسجيل تلوثات كيميائية في المياه بمناطق جنوب شط العرب جاءت بالأنهر مع المياه القادمة من المحافظات المجاورة.

وقالت عضو المجلس أنوار مدلل أن “عدداً من المتطوعين المختصين سحبوا نماذج من مياه شط العرب بالمناطق الجنوبية لغرض الفحص بعد مشاهدة وجود اختلاف بلون المياه”.

وأضافت أن “نتائج الفحص أظهرت وجود تلوث كيميائي بمياه شط العرب من جهة المناطق الجنوبية للشط”، مشيرة الى أن “تلك الملوثات جاءت مع المياه بالأنهر القادمة من المحافظات المجاورة”.

وتابعت أن “هناك مخاوف من عودة الكارثة التي حلت العام الماضي من أمراض نتيجة تلك الملوثات”، مشيرة الى أن “السبب الرئيس وراء تلك الملوثات هي المخلفات الصناعية التي ترمى بالأنهر من قبل المحافظات فضلاً عن الغوارق في شط العرب”.

وكان مكتب حقوق الإنسان في محافظة البصرة قد كشف ، أن نسبة التلوث الكيميائي بمياه نهر شط العرب وصلت إلى 100%، بينما وصلت نسبة التلوث الجرثومي إلى 60%، مما يشكل خطراً كبيراً على حياة المواطنين.

الباحث الدكتور جبار حافظ في جامعة البصرة كلية التربية أجرى مجموعة بحوث ركزت على التلوث الشعاعي ابتدأها من الفاو جنوباً الى القرنة شمالاً، تناول فيها عينات من التربة على مستوى الأنهر و المحاصيل الزراعية وعلى مستوى شط العرب والأنهار المتفرعة منه ومن أعماق تلك الأنهار، وتضمنت بحوثه أنهار ابي فلوس وحمدان وشط الكرمة والبصرة.

وكشفت الدراسات عن نسب غير مقلقة من التلوث الاشعاعي. وهو يقول بهذا الصدد " أن تراكيز العناصر المشعة هي ضمن الحدود المسموح بها، أي لا تتطلب اتخاذ أية إجراءات من الجهات المختصة، كما أنه ليس هنالك أي تلوث خطير".

إنها النتيجة ذاتها التي خلص إليها خاجاك اورتانيا مدير قسم الشعاع في المنطقة الجنوبية قائلاً لـمراسل " نقاش" أنه " وبحسب الفحوصات والمراقبة المستمرة فإن مياه شط العرب خالية من أي تلوث إشعاعي لكن هناك تلوثاً يتزايد بالمواد الكيميائية بسبب الظروف الطارئة التي خلقتها الحروب".

ويبلغ طول شط العرب (190كلم) من منطقة كرمة علي شمالي المحافظة حتى نقطة مصبه في الخليج العربي، بينما يصل عرضه إلى (2 كلم) في بعض النقاط. وأدت التغيرات التي طرأت على القطاعات الاقتصادية في محافظة البصرة وطبيعة النظام الهيدروجيني لشط العرب خلال العقدين الماضيين إلى حدوث تحولات ملحوظة.

يقول الباحث الدكتور صفاء عبد الأمير الاسدي في جامعة البصرة أنه تم قياس تراكيز المعادن السامة مثل ( النيكل والكروم والرصاص والخارصين واليورانيوم والكاديوم ) في المياه السطحية والرواسب القاعدية في أربع مواقع من مجرى شط العرب، بهدف استكشاف التاثيرات الطبيعية والبشرية التي أدت الى هذه التحولات، مقارنة مع الرواسب فظهرت تراكيز منخفضة وتوزيع موحد لمعظم المعادن السامة في النهر.

ويضيف حول ذلك " أظهرت النتائج أن رواسب النهر ملوثة بالمعادن السامة، غير أن مستوياتها ما زالت ضمن الحدود المسموح بها للاستخدام اليومي والري وبقاء الأحياء المائية، كما لاحظنا من خلال هذه النتائج أن المصادر الرئيسة لتلوث شط العرب بالمعادن السامة هي الترسبات الجوية من الانبعاثات الغازية الناتجة عن استخراج النفط إضافة إلى مولدات الديزل الكهربائية، إذ يعمل الجريان السطحي من المناطق الزراعية بعد هطول الامطار الى جرف الملوثات حتى مجرى النهر"

ويتابع " إن تحكم ظاهرة المد والجزر أثر بشكل كبير في توزيع المعادن السامة في شط العرب كما تلعب الخواص الفيزيائية والكيميائية للمياه والرسوبيات دوراً مهماً في تراكم المعادن مقارنة بتأثير المجاري الزراعية والصناعية والمنزلية الذي يعتبر محدودا"

مديرية البيئة في البصرة تقوم بحملة رقابية على كل مصادر التلوث كما يقول أحمد حنون مدير دائرة البيئة متحدثاً لمراسل "نقاش" عن طبيعة عملهم بالقول "تتولى فرقنا مراقبة مصادر المياه الخام إذ تم تحديد نقاط رصد على طول عمود نهر دجلة والفرات وشط العرب بينما يتم سحب نماذج بشكل دوري لأجراء فحوصات في مختبرات المديرية"

وهو يبدي قلقه قائلاً "يتم تصريف مياه الصرف الصحي بدون معالجة الى المصادر المائية ما يضر بيئة النهر، لكن الشيء المهم الذي لوحظ من خلال الفحوصات الدورية في 2019 أن الأملاح الذائبة قد انخفضت بالمقارنة مع عام 2018، وذلك بسبب زيادة الاطلاقات المائية العذبة لنهر دجلة والواردة من ناظم قلعة صالح من جهة محافظة ميسان، على خلاف ما حدث في 2018 التي بلغت شُح المياه العذبة فيها درجة كبيرة جداً".

حنون يؤكد على عدم حدوث أية حالة مرضية في العام الجاري وهو يعزو ذلك إلى انخفاض الأملاح الكلية في مياه شط العرب، إضافة إلى كميات السيول الواردة الى محافظة البصرة ما زاد من كميات المياه وأدى إلى مقاومة اللسان الملحي القادم من البحر "

ويقول إن "مديرية الموارد المائية هي المسؤولة عن هذه الاطلاقات إذ اطلقت في عام 2018 بين ثلاثين الى أربعين متر مكعب في الثانية وهذه كمية قليلة جداً أما في العام 2019 ، إذ اطلقت أكثر من(90) متراً مكعباً في الثانية".

شط العرب لا يعاني من التلوث الفيروسي والمد البحري المالح ومخلفات المستشفيات والمصانع فحسب، فهناك مئات الغوارق التي لم يتم انتشالها منذ سنوات والتي يصفها حنون بالحالة غير الصحية ويقول " تعود تلك المخلفات إلى الحرب العراقية الإيرانية إذ قامت المديرية بمخاطبة الشركة العامة للموانئ بضرورة الإسراع بانتشال جميع الغوارق المتواجدة في شط العرب بغية المحافظة على نوعية المياه".

مشكلة الغوارق المزمنة تبدو مقلقة للمهتمين ومنهم الكابتن البحري خالد الثعالبي رئيس مؤسسة البحريين العراقية الذي يقول لمراسل " نقاش" حول ذلك "نعاني من تأخر وإهمال حكومي في معالجة المشكلة، ومن الضروري التخلص من هذه الغوارق كونها تعيق الملاحة وتزيد من كميات الطمي التي بدورها تتسبب في تغيّر حركة التيارات وتقلل من نسبة جريان التيار المائي إلى مصب النهر".

وباستثناء قناة البدعة القادمة من نهر الفرات والتي تزود بعض مناطق البصرة بمياه الاسالة فأن المحافظة تعتمد بشكل كلي على مياه شط العرب في الاستعمال البشري والزراعي والصناعي، كما يعد شط العرب ممراً مائياً مهماً يربط العراق بالخليج العربي.