بغداد/ المدى
تلقت قوات امنية اوامر بالانسحاب من محيط ساحة التحرير قبل 4 ايام من "مجزرة الجمعة"، قبل ان تعود صباح امس قطعات الجيش "بدون سلاح" الى هناك لتحمي المتظاهرين بعد ليلة دامية راح ضحيتها اكثر من 80 جريحا وقتيلا - وفق احصائية حكومية - بهجوم مسلحين مجهولين على متظاهرين وسط بغداد.
وجرى الهجوم الاخير بعد سلسلة من الهجمات بـ"السكاكين" تعرض لها متظاهرون في ساحة التحرير، قبل ان تتحول في المساء الى هجوم بالرشاشات استمر لنحو 10 ساعات نفذه مسلحون تم نقلهم قرب الساحة، بباصات وعجلات مدنية.
وشهدت ليلة الحادث عمليات حرق طالت مرآب السنك الذي يتواجد فيه المتظاهرون منذ اسابيع، كما نقلت اخبار عن حدوث حالات اعتداء جنسي على مسعفات في المفارز الطبية في محيط ساحة التحرير، فيما برز دور "القبعات الزرقاء" التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والذي تعرض مقر اقامته فجر امس الى قصف بطائرة مسيرة. وبحسب مصدر امني تحدث امس لـ(المدى)، ان معلومات عن "هجوم مسلح ضد المتظاهرين في بغداد كان قد وردنا قبل اكثر من اسبوع"، مبينا ان منفذي هجوم الجمعة، محسوبين على فصيل مسلح، دون تحديد هويته.
واضاف المصدر ان "آخر المعلومات اكدت ان الهجوم سيحدث مع دخول عناصر من تلك الجماعات المسلحة على خط التظاهرات لتخريبها".
وكانت (المدى) قد كشفت قبل استقالة الحكومة، عن "سيناريوهات مسلحة" لقمع الاحتجاجات في الجنوب وفي ساحة التحرير تزامنت مع انباء "الانقلاب المزيف" في المنطقة الخضراء والذي اتهم بتنفيذه جهاز مكافحة الارهاب.
وهجوم الجمعة هو اليوم الاول الذي يسقط فيه قتلى منذ الاسبوع الماضي، حين وافق البرلمان على استقالة حكومة عادل عبد المهدي، عندها ساد هدوء حذر في بغداد ومدن الجنوب قبل ان تعلن فصائل مسلحة نيتها الانخراط في التظاهرات.
ودعا بيان يعتقد انه صادر من بعض الفصائل المسلحة، جمهوره للخروج بتظاهرة "طرد المخربين" يوم الخميس (الماضي) لإفشال ماقالت انه "مخطط تفعيل الفوضى في العراق"، مطالبا بالإبقاء على "سلمية التظاهر حتى تحقيق المطالب الحقة".
وقال البيان الذي صدر يوم الاربعاء الماضي ان طلب الذهاب الى التظاهرات جاء "امتثالا لأمر المرجعية بضرورة تعاون المتظاهرين لطرد المخربين والاشرار"، فيما دعا البيان الى التجمع قرب شارع فلسطين في الساعة التاسعة صباحا للانطلاق الى ساحة التحرير.
وردد متظاهرون يوم الخميس الماضي، بلغ عددهم بالمئات في ساحة التحرير، شعارات "ادلل يالسيستاني ادلل ولدك طبوا للتحرير"، و "تاج تاج على الراس سيد علي السيستاني"، قبل ان ينسحبوا بعد وقت قصير.
ونقلت محطات فضائية تابعة لفصائل مسلحة احداث يوم الخميس، بعد اسابيع من مقاطعة مجريات الاحتجاج في ساحة التحرير، عقب بيان لتلك القنوات قبل شهر، اعتبر ما يجري هناك "عملا تخريبيا وليس احتجاجيا".
يوم خطبة الجمعة
في يوم (الجمعة) وهو موعد خطبة المرجعية في النجف، اعلنت جهات قريبة من الفصائل المسلحة، عن تجمع جديد للمشاركة في ساحة التحرير.
وحدد الموعد عقب خطبة المرجعية، والتجمع قرب مستشفى الجملة العصبية، شرق ساحة التحرير، وهو المكان الذي قتل فيه عشرات المتظاهرين في الموجة الاولى للاحتجاجات مطلع تشرين الاول الماضي، على يد قناصين مجهولين.
وتسربت معلومات خلال نهار الجمعة، عن خروج المئات من المسلحين من المنطقة الخضراء، مستقلين 7 سيارات باص نوع "كوستر" باتجاه ساحة التحرير. وبعد الظهر، تعرض عدد من المتظاهرين في الساحة الى عمليات طعن بـ"السكاكين". وقالت علا محمد، مسعفة في ساحة التحرير لـ(المدى) ان "نحو 20 حالة وصلتنا الى المفارز الطبية قد تعرضوا للطعن".
وكانت جماعة "القبعات الزرق" التابعين للتيار الصدري، وفق ناشطين، لديهم معلومات بعمليات الطعن، ونشروا نحو 100 عنصر لحماية المحتجين.
وقدر عدد المتظاهرين التابعين للفصائل المسلحة نهار الجمعة في ساحة التحرير، بـ"5 آلاف" شخص، قبل ان تحترق خيمتين قرب بناية المطعم التركي، وحدوث حريق اكبر في الساعة الثامنة من مساء اليوم نفسه، في مرآب السنك وسماع اصوات الرصاص.
أوامر الانسحاب
يقول المصدر وهو ضابط يعمل في جهاز امني حساس انه "منذ يوم الثلاثاء الماضي تلقينا اوامر بالانسحاب من ساحة التحرير، دون معرفة السبب". وكانت عناصر هذا الجهاز متواجدة منذ اكثر من شهر لرصد "محركي الاحتجاجات".
واضاف المصدر المتواجد في العاصمة: "قبل الامر الاخير كنا قد تلقينا اوامر بتخفيف التواجد في الساحة، لاسباب لانعرفها ايضا"، لافتا الى ان الاوامر دعت الى "عدم المبيت في الساحة والانسحاب بعد غياب الشمس وتقليص اعدادنا من 35 الى 10 اشخاص فقط".
ويقوم بعض عناصر الجهاز منذ اندلاع الموجة الثانية للاحتجاجات في 25 تشرين الاول الماضي، بالتواجد الدائم في الساحة بملابس مدنية لمراقبة الاحداث والتقاط صور للنشاطين.
من جهته كشف المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة عبد الكريم خلف، عن اندلاع "نزاع مسلح" داخل مرآب السنك وسط بغداد، لافتاً إلى نشوب حرائق. وقال خلف، في خبر نقلته قناة "العراقية" الرسمية مساء الجمعة ان "نزاعا مسلحا داخل مرآب السنك قد اندلع ونشوب حرائق، والنتائج غير معروفة".
هجوم بأسلحة ثقيلة
استمرت اصوات الرصاص الى الخامسة من فجر يوم امس، فيما رصدت مقاطع فيديو بثت في مساء الهجوم على منصات التواصل الاجتماعي، دخول نحو 100 مسلح من ساحة الخلاني قادمين من منطقة النهضة، شرق الساحة، بسيارات حمل ونقل عام.
وبينت مقاطع اخرى نشرت بعد ساعات من الفيديو الاول، انسحاب المهاجمين وهم يستقلون 5 سيارات نوع "بيكب" و2 باص نوع "كوستر" و"كيا حمل" واحدة. بالمقابل تسربت وثائق من احد الاجهزة الامنية التابعة لوزارة الداخلية، تبين رصد حركة لمسلحين في 4 عجلات، لم تحدد نوعها، بالقرب من شارع فلسطين متجهين الى وسط العاصمة.
وقال احد شهود العيان المتواجدين في ليلة الهجوم لـ(المدى) ان "التيار الكهربائي قطع عن ساحة الخلاني وشارع الرشيد وسط رمي كثيف للعيارات النارية"، مضيفا ان عدد القتلى خلال الساعات الاولى من الهجوم كان "12 شهيدا".
وقالت المسعفة في ساحة التحرير علا محمد وهي صيدلانية في احدى المستشفيات، ان مستشفى الشيخ زايد، وسط بغداد، استقبل في ليلة الهجوم "53 قتيلا وجريحا"، و"19 قتيلا" في مستشفى الكندي، مشيرة الى ان احد الضحايا اصيب "برصاصة تستخدم ضد الدروع". ونشرت مقاطع فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي في ليلة الهجوم، اظهرت ملابس نسائية ملطخة بالدماء، فيما قال الشخص الذي صور المقطع بانها "تعود لمسعفات تم اغتصابهن قرب ساحة الخلاني".
من ناحيتها أعلنت قيادة عمليات بغداد أن ما حصل في شارع الرشيد الجمعة، كان بسبب سيطرة المتظاهرين على منطقتي السنك والخلاني، وعدم وجود القوات الأمنية.
بالمقابل أعلن الناطق باسم الداخلية خالد المحنا، مساء الجمعة، أن حصيلة ضحايا إطلاق النار من قبل مسلحين مجهولين على المتظاهرين وسط بغداد بلغت ٤ قتلى و٨٠ جريحا.
القبعات الزرق
وتضاربت الاخبار عن دور "القبعات الزرق" التابعة لسرايا السلام في مجزرة الجمعة، بين استخدامها للسلاح وطردها المهاجمين وبين نفي تلك الاخبار.
لكن صورا كانت قد نشرت على "فيسبوك"، بعد وقت قصير من الهجوم اظهرت وصول عدد من السيارات التابعة لافواج السرايا في مناطق الاشتباك.
وتسربت معلومات، في صباح امس، عن اتفاق بين "القبعات الزرق" وقيادة عمليات بغداد لضبط الامن في ساحتي الخلاني والوثبة.
وفي تطور لاحق للاحداث، دعا مقرب من الصدر، الى "مليونية" لمقر اقامة مقتدى الصدر في الحنانة وسط النجف، بعد نشره اخبار عن استهداف منزل الصدر بطائرة مسيرة.
وقال صالح العراقي المقرب من الصدر، في مواقع التواصل الاجتماعي، ان الهجوم على منزل الصدر جاء "ردا على الاوامر التي صدرت من سماحته (للقبعات الزرق) بحماية الثوار ليلة البارحة في بغداد والنجف سابقا".
وفي وقت متأخر من يوم امس دعا صالح العراقي اتباع التيار الصدري الى مغادرة الحنانة.
بدوره اكد الضابط في الجهاز الامني ان "2 من اصحاب القبعات الزرقاء قتلوا في هجوم الجمعة"، نافيا علمه بدور اصحاب القبعات في صد الهجوم.