قناطر: نرفع من شأنه دماً وبطولات

طالب عبد العزيز 2019/12/10 09:00:36 م

قناطر: نرفع من شأنه دماً وبطولات

 طالب عبد العزيز

منذ عقود طويلة، والعراق لم ينتج زعيماً شريفاً ووطنياً حقيقياً، ومنذ عقود أيضاً، ظلت متوالية السوء تلاحقه، نعم، منذ تأسيس الدولة العراقية الى اليوم لا يمكننا الاحتفال باسم طاهر، نبيل واحد منهم ،

ومن أحب استثناء نوري السعيد أو عبد الكريم قاسم أو صدام حسين فهذا شأنه، أما في فترة الستة عشر عاماً الماضية، فالعراق أنتج لنا أحط وأسوأ السياسيين في العالم، وفي حقبة تعدُّ أكثر ظلاماً وتخلفاً ودمويةً، إذ لم تشهد حقبه سيئة السمعة مثلما شهدته خلال السنوات هذه.

لكنَّ الشعب العظيم هذا انجب لنا قافلة من العظماء، وتربع على عرش العظمة في مفاصل كثيرة من سيرته، وعبر أجيال من الكبار، الكبار الذين، حدثتنا الكتب عنهم، أو أدركنا بعضهم، بغض النظر عن موقفنا السياسي والاجتماعي والثقافي منهم. هذا وطن يسع بعظمته الجميع، فإذا بالغت مجموعة على قيمة علي بن ابي طالب فيه، ستبالغ أخرى بقيمة عبد الكريم قاسم أو مصطفى جواد فيه، وإن حطّت جماعة من شأن نوري السعيد فإنها، ذات المجموعة، لن تختلف مع غيرها على قيمة الجواهري فيه، أو الأب ماري انستاس الكرملي، وحين نتصفح تاريخ البلاد العظيمة هذه بأعين وأقلام العرب، سنجد إنها منارة للمجد، وامة كبيرة، نالها من الحيف الكثير، وغمط حقها كثيرون.

واضح أننا لم ننتج زعيماً سياسياً يستحق الاحترام، بل وليس لنا في السياسة من شيء يُحترم، إذ كل الذين تناوبوا على حكم العراق، ومنذ حقب سحيقة كانوا قتلة وسفاحين ، ولا نستثني الذين قدسهم الذاكرةُ الشعبية منهم أبداً، نحن أمة أنتجت من السيّافين والمتعطشين للدم أكثر مما غُرس في أرضها من نخل، ومن الخونة والعملاء والاذناب في الفترة الأخيرة بخاصة، ما فاق عدد أشجار البرتقال في ديالى والرمان في كربلاء، لكنها، ذات الأمة المعطاء هذه، انتجت لنا من الأبطال والشهداء والصديقين ما فاق هؤلاء مجتمعين. فهل نحن أسوأ أمة بحق أم نحن أعظم أمة؟

ما ذنب شعب جميل سقت أرضه نهرين عظيمين، وكتبَ بطينته أول حروف الابجدية في التاريخ، وخُطّت على ألواح مسلاته أولى القوانين، وغرست في أرضه أكرم الأشجار، وصنع رجاله أروع الملاحم والقصص، التي تباهي بها التواريخ، وحقق أبطاله أجمل البطولات، وقارع مناضلوه أقبح الانظمة، ودحر شبابه اعتى النظم والمنظمات المتطرّفة، ورسم فنانوه أجمل اللوحات، وكتب شعراؤه أهم وأجمل القصائد. فلا غَيرة لأحد كغيرة العراقيين على أهلهم وبلادهم، ولا كرم لأحد والعراقيون أحياء، ولا سماحة في روح إلا وكانوا عنوانها، ولا فرح إلا وكانوا ربابته الأولى، ولا شجن في نفس إلا ولهم فيه نصيب، ولا دمع في عين كالذي يتصبب من أعين امهاتهم.

نعم، نحن أمة بالصفات النبيلة هذه، وعلى الجمال والعظمة تلك ، لكننا بالحكام السفلة أولئك، يقتلوننا فنزداد حياةً وجمالاً، ويفتكون بنا فنعلوا بأجساد شهدائنا على هاماتهم، ويحطون من شأن العراق بنذالتهم وخستهم، فنرفع من شأنه شعراً ودماً وبطولات.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top