موسيقى الاحد: الثورة الفرنسية والموسيقى

موسيقى الاحد: الثورة الفرنسية والموسيقى

ثائر صالح

تشير المعطيات أن برنار سارَّت (1765 – 1858) أحد أعضاء الحرس الوطني اقترح تشكيل فرقة موسيقية للحرس، ومن ثم تمكن من تجميع 45 موسيقياً عشية الانقضاض على الباستيل يوم 14 تموز 1789.

وأصبح سارَّت قائد هذا الفصيل فيما بعد، وقادها موسيقياً فرانسوا جوزيف غوسّيك (1734 – 1829)، صاحب انشودة "تقدمة الى الحرية" (1792) التي اقتبس منها بيتهوفن جملة موسيقية افتتح بها انشودة الفرح في سيمفونيته التاسعة. وتعاون مع الفرقة كذلك أيتين-نيكولا مييل (1763 – 1817) الذي يعد أول مؤلف موسيقي رومانتيكي. 

أسهمت الفرقة في المهرجانات الثورية، وفي الاستعراضات العسكرية وسوح القتال كأي فرقة لموسيقى الجيش آنئذ. لم يكن تمويلها منتظماً، وكثيراً ما غطى سارَّت التكاليف من ماله الخاص في الوقت الذي دار نقاش بين بلدية باريس والحكومة الفرنسية حول من سيموّل هذا الجمع من الموسيقيين الذين يقومون بمهمة حساسة اجتماعياً وسياسياً وثقافيا. لاحقاً، مع انحسار الإرهاب في أواخر 1794، اقترح سارَّت وغوسّيك ومييل انشاء معهد وطني للموسيقى. وقد طالب الموسيقيون بتمويلهم من قبل الدولة الجديدة بعد أن فقدوا مصدر رزقهم الأساسي الذي جاء من النبلاء ومن الكنيسة بسبب الثورة الفرنسية.

بعد قرار الجمعية الوطنية في آب 1795 بتأسيس المعهد الوطني للموسيقى، افتتح كونسرفاتوار باريس في تشرين الأول 1796 وكان مختلفاً عن السابق في الحرية التي منحت للموسيقيين أنفسهم في تحديد المعايير الخاصة بعملية الإبداع الموسيقي، بينما كان ذلك خاضع لذوق ومزاج مخدوميهم السابقين. امتدت الاستقلالية التي حصل عليها الكونسرفاتوار الى كتابة مناهج دراسية جديدة وإنشاء مكتبة موسيقية للمدونات ومتحف للأدوات الموسيقية موزعة حسب التطور التاريخي وحسب التوزع الجغرافي، وكان تأسيس مطبعة خاصة بالكونسرفاتوار من ضمن الخطط. ولنتذكر أن الثورة الفرنسية أعطت الحياة الثقافية والعلوم دفعة قوية، ونعلم مثلاً أن الاحتلال الفرنسي لمصر رافقه تواجد علماء في شتى الحقول خدمة للأطماع التوسعية الفرنسية. تحول الكونسرفاتوار الى أفضل مؤسسة تربوية موسيقية في أوروبا بفضل الإدارة الذاتية وإدارته من قبل متخصصين ولا يزال حتى اليوم أحد أفضل المعاهد الموسيقية تنظيماً في العالم، وأصبحت مناهجه وطرق إدارته تستعمل في كل مكان.

نعود الى الموسيقى ذاتها فنقول أن الأغنية كانت الشكل الأكثر شيوعاً في مراحل الثورة المختلفة، وما نشيد المارسييز إلا مثال على ذلك. ونجد كذلك أعمالاً درامية لكن من نوع جديد يختلف عما كان شائعاً في السابق منها الأوبرات التي ألفها جان جاك روسّو، وتندرج هنا أعمال أندره غريتري (1741 – 1813). وثالثاً نجد الأعمال الموسيقية التي الفت خصيصاً للمناسبات احتفالاً بنصر عسكري أو تكريماً لرجال الثورة. هذه الأشكال الثلاثة من الموسيقى ديمقراطية بطبيعتها، فقد خاطبت العامة وجماهير الشعب وكانت تؤدى أو تقدم في الأماكن العامة على الأغلب. وكان الجمهور يشترك في الغناء الى جانب المغنين "المحترفين" الذين كانوا أعضاء في دور الأوبرا أو مختلف جوقات الغناء في تعزيز للدور الاجتماعي للغناء الجماعي. ومن المثير أن صاحب هذه الفكرة لم يكن سوى ماكسيميليان روبسبيير(1758 – 1794) المحامي الثوري وأحد أكثر شخصيات الثورة الفرنسية أهمية، وهو الذي أرسل الآلاف الى المقصلة قبل أن تقتله هو أيضاً في نهاية المطاف.

 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top