... والجرحُ الوطني ما يزالُ ينزفُ مَنْ يقودُ الإصلاحَ السياسي ؟

آراء وأفكار 2020/01/20 07:04:50 م

... والجرحُ الوطني ما يزالُ ينزفُ مَنْ يقودُ الإصلاحَ السياسي ؟

رضا المحمداوي

فرضتْ التظاهرات الجماهيرية وحركات الإحتجاج الشعبي نفسَها على المشهد السياسي العراقي المأزوم بقوة شعبية فاعلة ومؤثرة وخصوصاً تلك التي شهدتْها بغداد بشكل كبير وملفت ،

ومن بعدها العديد من المحافظات العراقية في الوسط والجنوب، وفي عودة سريعة الى مجريات الأحداث يمكن التذكير ،هنا، بأن مثل هذه التظاهرات والحركات الإحتجاجية الداعية الى الإصلاح كانت قد بدأتْ منذ السنوات الأخيرة من حكومة رئيس الوزراء السابق: حيدر العبادي، وحظيَتْ بدعم المرجعية العليا في النجف الاشرف ،ولا بأسَ في التذكير ،هنا، بأن تلك التظاهرات قد رَفعتْ شعار القضاء على الفساد وإصلاح العملية السياسية، لكن حكومة حيدر العبادي في المحصلة النهائية، ولإسباب عديدة لا يسعني الخوض فيها الآن، قد فشلتْ وخيَّبتْ أمال الجماهير المحتجة في رسم خط الشروع في تحقيق الإصلاح بمفهومهِ الشامل والعام.

وفي عوْد ٍعلى بدء تجددّتْ حركات الإحتجاج الشعبي مرة ً اُخرى ووصلتْ إلى الإعتصامات والعصيان المدني والإضراب العام وتعطيل مؤسسات ودوائر الدولة وذلك إبتداءً من يوم 1/ 10 / 2019 والتي تزامنتْ مع ذكرى مرور عام واحد على تشكيل حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ،لكنها هذه المَرَّة كانت بوتيرةٍ متصاعدةٍ في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب رغم العنف المفرط وإستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين العزل ، وجاءتْ نتائج هذه المعالجة العسكرية الفاشلة وأعداد الضحايا من الشهداء والجرحى والمصابين، على العكس مما أرادَهُ عادل عبد المهدي الذي وَجَدَ نفسَهُ في زاويةٍ ضيقةٍ حرجةٍ دفعتْهُ وتحت الضغط الشعبي إلى تقديم إستقالتهِ يوم 29/ 11/ 2019 . 

إستطاعتْ حركات الاحتجاج الشعبية الأخيرة بزخمها المتصاعد والمستمر على مدى شهور أنْ ترسم خطوط عامة وبطبيعة ثورية لمفهوم الإصلاح السياسي الذي عبرّتْ عنه تلك الحركات الشعبية قبل أن يجيء دعم مرجعية السيد علي السيستاني لها وتبنيّ مطالبها وأهدافها .

وبالمفهوم الديمقراطي العام يمكن النظر الى تلك المظاهرات والحراك الشعبي على أنها تمثّل خط المعارضة الشعبية بطابعها العفوي الذي غَلَبَ عليها في بدء إنطلاقها وظهورها ونزولها الى الشارع قبل أن يصل صداها الى مديات ثورية حاسمة وبأسلوب التظاهر السلمي .

- والآن ... مَنْ يمُثّلُ هذه الحركات الإحتجاجية وقواها الشعبية والاجتماعية الفاعلة التي سَعَتْ الى تكوِّنِها وتحريكها ؟

-هل هناك أحزاب وكتل سياسية تتبنّى مشروع المعارضة الشعبية الإجتماعية وتجيَّرها لحسابها السياسي الخاص لتكون صوت المعارضة الحقيقية السياسية تحت قبة البرلمان بمقاعد ونواب برلمانيين لهم خطابهم السياسي المعاكس لصوت الاغلبية السياسية الحاكمة او التي تُمثّلُ أو تتبنى وجهة نظر الحكومة ؟

لقد أفرزتْ الإنتخابات الاخيرة عام 2018 إصطفافات جديدة للكتل والأحزاب السياسية الكبرى المهيمنة على المشهد السياسي العراقي ،سواءٌ أكانتْ في الحملات الدعائية الانتخابية أم في التفاهمات والتجاذبات السياسية التي أعطتْ - بعد جهد جهيد - الضوء الأخضر لتشكيل حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، وقد حملتْ تلك الاصطفافات عناوين رئيسة مثل ( التغيير) و(الإصلاح ) و(الإعمار) .

لكن مثل هذه العناوين وتفرعاتها لم تستجبْ ،في واقع الحال، لمفهوم المعارضة الشعبية والحركات الإحتجاجية التي رفعتْ عالياً في شعاراتها وهتافاتها مطالب الشعب وطالبتْ ب(الإصلاح ) الذي يصلح ما أفسدتهُ العملية السياسية .

بمعنى آخر أنَّ مفهوم المعارضة لم يكنْ حاضراً في تلك العناوين والمسميات السياسية في الحكومة الجديدة حيث لم تكنْ هناك مناهج عمل حكومية تنطوي على المعاني الحقيقية لمفاهيم (الإصلاح)و(التغيير ) و(الإعمار) ولذلك بقيتْ العناوين واجهات برَّاقة ولامعة لكنها لا تعمل وفق آليات سياسية صحيحة .

إزدواجية سياسية 

لا بُدَّ من التأكيد هنا أن التظاهرات والحراك الشعبي كان ردة فعل متوقعة - إن لم تكن حتمية - للفساد السياسي الذي طَبَعَ ما يُسمَّى عندنا ب (العملية السياسية) بميسمِهِ الخاص ، وأبرز ملامح ذلك الفساد السياسي يتمثّل لنا بالفساد الاداري والمالي الذي يُغذِّيه الفساد السياسي نفسه ويعتاشُ عليه، بل هو يعمل على تنشئتهِ وتنميتهِ، ويمدَّهُ بكافة أسباب الديمومة والإستمرار ضمن آليات النظام السياسي بكافةِ ملابساتهِ وظروفِهِ المُعقَّدة والمتشابكة، 

والوجه الآخر للفساد السياسي يتمثّلُ لنا بالعلاقة الفاشلة والمُعَطَّلة بين الحكومات المحلية ومجتمعاتها من جهة وخاصةً تلك المحافظات التي شهدتْ التظاهرات والإحتجاجات الجماهيرية ، وبين الحكومة المركزية من جهة أُخرى ، حيث يتجسّدُ لدينا التشتت والضياع في القرارات والبرامج والأولويات والتخصيصات المالية والمشاريع الخدمية ، والتي لم تُقدِّمْ سوى مسلسل (الفساد) بحلقاته اليومية التي لا تنتهي .

يتبع

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top