نافذة من موسكو..بــين فـيــروس كــورونـا وصـفـقـة القـرن

د. فالح الحمراني 2020/02/02 06:49:20 م

نافذة من موسكو..بــين فـيــروس كــورونـا وصـفـقـة القـرن

د. فالح الحمراني

ليس من قبيل الصدفة أن تنشغل هذه الأيام وسائل الإعلام، والأجهزة الحكومية والمؤسسات المدنية في مختلف أنحاء العالم بقضيتين رئيستين هما الحدث الأهم في عام2020 .

الحديث يدور عن ما يسمى ب "صفقة القرن" التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد لتسوية النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وفورة فيروس كورونا الجديد، وتداعياتهما على الوضع الدولي، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. صفقة القرن دلالة على أن فيروسا ينخر القاعدة القانونية للنظام الدولي، ويهشم القواعد التي استند عليها، وفيروس كورونا الجديد الذي يشير الى تحول كبير في ظاهرة تكييف الفيروسات، وتحولها الى مصدر خطر على الوجود البشري على الكوكب الأرضي.

هناك إجماع بين مختلف المراقبين السياسيين بما في ذلك في أميركا وإسرائيل على أن ما يسمى بصفقة القرن، لن تؤدي إلى تسوية للنزاع الشرق أوسطي في المستقبل المنظور. ولا يمكن حماية حدود إسرائيل المقترحة دون وجود جيش الدفاع الإسرائيلي في المناطق المخصصة للدولة العربية الفلسطينية. ورفض الطرف الرئيس في معادلة السلام والتسوية في الشرق الأوسط أي السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة ، هذه الخطة بالفعل وتستعد الآن لدائرة جديدة من المواجهة المسلحة مع إسرائيل، على الرغم من حقيقة أن العديد من الدول العربية تركت الحكم الوطني وحده، ودعمت الخطة المقترحة.

وبالإضافة الى تداعياتها القاتلة، على تطلعات الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة وتقرير مصيره بنفسه، فان الصفقة جاءت في إطار التغيرات الحاصلة في خارطة العلاقات الدولية، والانطلاق في تحركها ليس بالاستناد على القانون الدولي والاتفاقيات الملزمة، وإنما على مقاربات من هيمنوا على الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية على هذا الكوكب أي الغرب، وحددوا تطوره الحضاري على مدى أكثر من خمسة قرون. أحد مظاهر هذا الموقف هو مفهوم جديد: بدلاًً من الإحالة إلى القانون الدولي، كما كان معمول به على مدى سنوات طويلة، فإنهم يدعون الجميع إلى احترام "النظام القائم على القواعد". ما يعني هذا؟ إن حق الشعوب في تقرير المصير على سبيل المثال، عندما يلبي مصالح الغرب، يعلنون أنه لا يقبل الجدل، وعندما لا يلبي مصالح الغرب يكون غير قانوني.

إن صفقة القرن في هذا المضمار تشكل سابقة خطرة، إنها إحدى تجليات "الفيروس" الخطير الذي ينخر في العلاقات الدولية، التي من الأرجح أن تقوم على الديمقراطية، والعدالة، والتكافؤ بين جميع الأطراف، لا أن تتولى الدولة أو الكتلة الدولية الأقوى في رسم حدود الدول وتغير الأنظمة السياسية، وخنق اقتصاديات الدول الأخرى، انطلاقا من رؤيتها، من مصالحها، وحتى من " ارتياح" رؤسائها و " سخطهم" على هذا الطرف أو، وكذلك من شراء تعاطف الناخبين المحليين للتصويت لهم. يمر العالم في تغيرات عميقة، ربما تعمل بعضها لجعل حياة البشر أكثر رفاهية وسهولة، وقدرة على التنمية المستدامة، ولكنها من ناحية أخرى تنسف القيم والثوابت ومبادئ العدالة والمساواة بين البشر، وتعود الى مبدأ " الغاب" حيث أن القوى عسكرياً واقتصادياً هو " سيد الموقف" في الساحة، وعلى الجميع تقديم الطاعة والقبول " بنزواته". 

ويلوح أن الطبيعة في " علاقاتها " مع الإنسان تنسف أيضا القواعد، وتخلق وسائل الدمار الجديدة لوجوده، ربما رداً على تعديه على توازن الطبيعة، وعدم احترام قوانينها، وكان فيروس الكورونا هو إحدى تجليات ذلك السلوك البشري. يبدو أن فيروس كورونا الجديد ينتشر بسرعة البرق ، كما يتزايد عدد الوفيات باستمرار. لا شك أن الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها الحكومة الصينية، والتي عزلت اليوم 43 مليون شخص، هي إجراء فعال لمكافحة انتشار الفيروس. وإذا تمكنت السلطات حقًاً من وضع معظم سكان ووهان وغيرها من المناطق المتأثرة تحت الإقامة الجبرية لعدة أسابيع ، فمن المحتمل أن يتجاوز خطر حدوث وباء أسرع من المتوقع.

في الواقع ، فإن الوضع مع الفيروس هو نفسه مع أي الحوادث الطارئة التي ننظر وقوعها : نموها ومؤشراتها لا تعتمد على الواقع والحس السليم بقدر ما تعتمد على الترقب والانتظار الشخصي. أصبح القناع الواقي رمزاً لهذه التوقعات. على أي حال، هناك شيء واحد واضح: الخطوات الحاسمة للحكومة الصينية سيكون لها تأثير دائم في جميع أنحاء العالم. لأن الخوف من كورونا ينتشر أسرع من الفيروس نفسه.

الفيروسات الجديدة أحدثت طفرات خطيرة. فمنذ فترة طويلة تعتبر كورونا غير ضارة نسبياً، وهي مثيرة للزكام الذي نواجه. لكن الفيروسات قادرة على التحور، ويمكن أن تتحول إلى أشكال خطيرة وهو ما شهدناه مراراً وتكراراً في القرن الحادي والعشرين. تغيرت مواصفات فيروسات كورونا وتفشت متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميريز)و متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) ، وكانت الحيوانات هي الناقلات لها. كلا المتغيرات من الفيروس كانت في الواقع خطيرة للغاية. في ما يسمى ب "السارس" ، توفي واحد من كل عشرة مرضى في المستشفى. كان وباء "ميرز"، للوهلة الأولى، أكثر دراماتيكية: فقد توفي ثلث المرضى في المستشفى بسبب فيروس مُمْرِض، وكانت الجِمال هي ناقلاته .

هل فيروس كورونا شديد الخطورة؟ أصبح من الواضح لاحقًاً أنه في شبه الجزيرة العربية كان هناك عدد أكبر بكثير من المصابين بفيروس "ميريز" والذين لم تظهر عليهم أعراض حادة. لم يكن لديهم حاجة حتى لطلب المساعدة الطبية. لذلك قد يتضح أن الوضع مع فيروس كورونا الجديد مشابه للحالة مع "ميريز"، على الرغم من أن عدد المرضى الداخليين والوفيات يتزايد بشكل كبير في الوقت الحالي. ولكن هذا يرجع أساساً إلى حقيقة أن الوباء الآن في ذروته. ومع ذلك ، مثله مثل أي وباء آخر، فإن هذا المرض سوف يتراجع عاجلاً أم آجلاً ، لأن المصابين سوف يصابون بالحصانة ولم تعد العدوى قادرة على الانتشار. وحتى هذه المرة ، قد يحدث أن فيروس كورونا أقل خطورة مما كان متوقعاً. وفقاً للأرقام الرسمية ، يموت واحد من بين كل 40 مصاب بفيروس كورونا. هذا يشير إلى انه أقل خطورة بكثير من "السارس" أو"ميريز".

في الوقت نفسه، لا تؤخذ في الحسبان حقيقة أن الكثير من الأشخاص في أووهان وفي أجزاء أخرى من الصين المصابة بالفيروس ببساطة في منازلهم ويتعافون من تلقاء أنفسهم، لأنه حتى الآن لا توجد لقاحات فعالة ضد كورونا الجديد. أولئك الذين يذهبون إلى المستشفى بسبب الأعراض الشديدة بشكل خاص للمرض ربما يكونون مجرد غيض من فيض. والإحصاءات ببساطة لا تأخذ في الاعتبار جميع الحالات.

مع وضع كل هذا في الاعتبار ، فقد يتضح على المدى الطويل أن فيروس كورونا ليس أكثر خطورة من الأنفلونزا العادية، التي تنتشر في جميع أنحاء العالم من سنة إلى أخرى، ووفقًاً للطفرات، فإنها تقتل الآلاف أو حتى عشرات الآلاف من الناس مراراً وتكراراً. بالمناسبة ، في نصف الكرة الشمالي ، أصبحت الأنفلونزا مستعرة الآن.

هذا هو السبب في أنه ينبغي لنا أولاً وقبل كل شيء التفكير في الأنفلونزا، وليس بشأن فيروس كورونا، ومن الاحتياطات الوقائية الهامة هي غسل أيدينا جيداً بعد كل رحلة في حافلة أو لمس مقابض الأبواب في المناطق العامة الخ. وربما ستتعافى الإنسانية من الكورنا قريباً، ولكن هل ستقضي على الفيروس الذي ينخر في العلاقات بين البشر؟.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top