 بغداد/ محمد جاسم

 عدسة/ محمود رؤوف

استذكر بيت المدى في شارع المتنبي الشخصية الوطنية والفنان المسرحي"يحيى فائق" صاحب الفرقة التمثيلية العربية المسرحية التي رفدت المسرح العراقي بالكثير من الاعمال الناضجة في عقد الثلاثينيات.ارتبط اسم الرائد فائق بما كانوا يسمونه (المسرح اليساري) منذ منتصف الثلاثينيات، بالتعاون مع زميله الكاتب المسرحي صفاء مصطفى زوج اخته، واحد اساتذة معهد الفنون الجميلة الاوائل لاحقا، الذي اخرج له في فرقته كل اعماله تقريبا، ويعتبر اول من تناول في الكتابة المسرحية في العراق المشاكل الاجتماعية بواقعية ورصانة، ومن زاوية طبقية واضحة.

لم يكن يحيى فائق فنانا مجردا ومحايدا عما يدور حوله في الشارع، بل كما يصف نفسه في بعض الاوراق التي تركها، ونشرت نتف منها فيما بعد في الصحف، عن بداياته مع المسرح اليساري كفعل واع ".. كنت في مطلع الاربعينيات من الشباب الوطني المحب لشعبه والساعي من اجل سعادته، وكنت آنذاك مولعا بالفن المسرحي وملأ حياتي منذ الصغر، ولم اكن اعرف ان هناك رسالة للفنان، ودورا اجتماعيا هائلا، كنت انتمي الى عائلة موسرة، لم اتخوف من السلطة بل كنت استهزئ بها وبقيود التخلف والعادات القديمة، وكنت بطبيعتي من الرافضين للاغلال الاجتماعية، وعلى ثقة من ان شعبنا سينطلق يوما من سجنه، ويلحق بركب التقدم والحضارة، لكني لم اعرف كيف وبأي وسيلة".

من مؤسسي الدراما الإذاعية

ادار الجلسة الدكتور سعد عزيز عبد الصاحب بحضور جمهور غفير من فناني المسرح والمثقفين. قال د. سعد:- مرت الذكرى 37 لرحيل فنان الشعب الرائد يحيى فائق، الذي كان رجل نهضة بحق. ومتعدد المواهب والقدرات الابداعية. فهو احد الاعمدة التي اسهمت في تأسيس الحركة المسرحية والسينمائية في العراق. ولد في كربلاء عام 1913 وهي نفس مواليد زميله الفنان حقي الشبلي. ولد في عائلة محافظة وثرية. كانت ترغب في ان يدرس ابنها الطب لكنه درس المسرح بدلا من ذلك. اذ كانت ميوله الى التمثيل والاخراج والشعر والتصوير. بدأ نشاطه الفني عام 1929 فأسس الفرقة العربية للتمثيل 1932 وتواصلت عروضها الى عام 1954 كان يخرج ويمثل في مسرحياته التحريضية والتعبوية والثورية. لذا يعد فائق اول من اسس لمسرح شعبي وطني وسياسي. وكانت عروضه غالبا ما تهيج الجمهور الذي كان يخرج منها متظاهرا الى الشارع. من اهم اعماله مسرحيات (الوطن والبيت، هذا مجرمكم، حكم قرقوز). بعد ثورة 14 تموز عام 1958 اسس فرقة المسرح الجمهوري وقدم مسرحية (الفجر الثائر) من تأليفه واخراجه. واخرج بعدها مسرحية سقط المتاع التي عرضت على قاعة الشعب، ثم ابتعد عن المسرح بعد انقلاب 8 شباط 1963. واضاف سعد: لم يقتصر نشاط فائق على المسرح وحسب بل يعتبر من مؤسسي الدراما الاذاعية وقدمت فرقته روائع الادب العالمي. كانت تذاع اسبوعيا ومن اذاعة بغداد. كما اهتم بالسينما وشارك ممثلا في فيلم عليا وعصام. واخرج اول فيلم وثائقي عراقي روائي ملون بعنوان العتبات المقدسة عام1951، لكنه منع لاسباب طائفية. واخرج الكثير من الافلام التسجيلية وحصل على عضوية نقابة السينمائيين البريطانيين. واسس شركة سينمائية للافلام باسم افلام العراق الحديث بالاشتراك مع الفنانين عزيزعلي وكريم مجيد. وانتجت ثلاثة افلام وثائقية ملونة عن النهضة الصناعية والزراعية في العراق. كما اخرج للتلفزيون العديد من الاعمال آخرها سهرة تلفزيونية بعنوان الابواب المسدودة اعدها عن رواية عبد المجيد لطفي ومثل فيها كارلو هارتيون وحامد الاطرقجي.

الوطنية ليست بالكلام بل بالفعل الايجابي

وقال الدكتورعقيل مهدي:- حين كنا نذهب الى التلفزيون كنا نجد ما يسمى بالدولة العميقة بالفن ويمثلها رموز كبار من بينهم يحيى فائق المعلم المسرحي واسماء اخرى. كما ان ابنه علاء كان من دورتي بالكلية وتخرجنا سوية واصبحنا معيدين فيها. وحين جاء موعد الراتب حصلت اشكاليات ادارية ادت الى عدم صرف راتبي فقال لي علاء صاحب الاخلاق الحميدة والتربية الفاضلة خذ راتبي وانا انتظر الى حين صرف راتبك وهو موقف نبيل لا يقوم به الا الشخص المتربي على النبل والاحترام. كان صديقا لحقي الشبلي الفنان الكبير و يعملان من اجل خلق الجمال والقيم السامية في الفن. ويحيى اسميه النبل الذي يمشي على الارض. وعلينا اليوم ان نعيد حساباتنا لخلق حياة اجمل بعيدا عن صراع التناحر والتسقيط والقتل. ونعمل كما كان يفعل جيل الريادة في المسرح. وكما يقول رسولنا الاعظم (ص) "حين تأتيك مشكلة تؤثر على الغير لاتنقلها بل اوقفها عندك واقطع دابرها". اما اليوم نرى الكثير من المتناحرين والحساد يعملون على اسقاط الآخر بلا سبب. اخيرا اقول ان الوطنية ليست بالكلام بل بالفعل الايجابي السليم واشاعة قيم الجمال.

اهم رجال السينما التي ارتبطت بالوطن

وقال الناقد السينمائي علي حمود الحسن:-

اشعر ان المدى في جلساتها ليوم الجمعة وكأنها آخر معقل للمانعة من اجل هوية عراقية. للاسف العراق منذ 2003 ولحد الان صارت كل رموزنا الثقافية والفنية في مهب الريح او طواها النسيان وبشكل مخطط له. وتلعب المدى دورا مهما في اعادة الشأن واستذكار هذه الرموز المنسية. اما يحيى فائق فهو من اهم رجال السينما العراقية التي ارتبطت بالوطن بشكل حقيقي. كان يهتم بان يكون المنجز في السينما او المسرح او الاذاعة مؤطرا بالهوية الوطنية للعراق. كانت امه سورية ووالده عسكري في جيش الدولة العثمانية فعاش فائق حياة مرفهة وثرية، لذلك شارك في الكثير من المشاريع الفنية. والفن اعطاه معنى للحياة. وحصلت نقلة نوعية في السينما العراقية من خلال فيلم عليا وعصام الذي انتجه استوديو بغداد الذي يملكه اليهود في العراق.. وتعاقدوا مع مخرج فرنسي اندريه شوتان وكذلك المصور جاك لامار. وقد تقدمت مجموعة من الفنانين الشباب منهم يحيى فائق وابراهيم جلال والسعدي ونجحوا في الاختبار. وجعل المخرج من فائق مساعدا له فتعلم منه الكثير. و كان جمهور مسرحياته يخرجون الى التظاهرات. كذلك العمل في وحدة الافلام في وزارة النفط ايضا جعل كل العاملين يصبحون روادا في السينما، وكان يحيى فائق واحدا من هؤلاء، ومعه المصور وليم سايمون. وقد صوروا لقطات مهمة ايام الفيضان رغم الخطورة التي واجهتهما. اما فيمله عن العتبات المقدسة فكان جميلا ولطيفا لشابة وشاب تحدث بينهما علاقة حب. لكن التصوير جرى في المراقد الشيعية ولم يصور منه في الشيخ عبد القادر او ابو حنيفة فثارت ثائرة الاخرين ومنع الفيلم عام 1951. لكنه سوق في الباكستان وغيرها وحصلت الشركة المنتجة على عوائد كبيرة. وعمل فائق ايضا في الافلام الوثائقية كثيرا واخرج العديد منها.

يجب ان نخلد رموزنا بمتاحف فنية

وقال الدكتور زهير البياتي:- يحيى فائق قدم الكثير من الافكار التي عمقت قيمة المسرح لدى الناس. وجعل من الفن رسالة انسانية سامية. اما ابرز اعماله في فرقة المسرح الجمهوري كتب عنها عادل كاظم احد اعضاء الفرقة وهو عمل فخم وذو قيمة فنية عالية. نحن ازاء كبير مثل يحيى لم تؤرشف حياته وفنه ارشيفا يناسب اعماله ودوره الكبير في السينما والمسرح. وكان يجب ان يكون لدينا متحف فني يضم كل شيء عن الفنان واعماله ودوره واشيائه. لذا اطالب بتخليد فائق وغيره من الرواد من خلال العديد من الخطوات التي تسهم في حفظ تاريخهم الفني.