د. أثير ناظم الجاسور
لم تكن الولايات المتحدة الامريكية خصوصاً بعد طي آخر صفحة من صفحات الحرب الباردة قد واجهت خطراً يهدد امنها الداخلي بعد الغارة الجوية من قبل اليابان على الأسطول الامريكي في المحيط الهادئ في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي في 7 ديسمبر عام 1941 قياساً
بالذي تعرضت له في سبتمبر عام 2001 اسقطت فرضياتها للأمن خصوصاً وإن أغلب النظريات التي استندت عليها كانت إلى حد وقت قريب من الهجمات عناصر كثيرة أهمها الجغرافية التي تعد واحدة من العناصر الرئيسة لمفهوم الامن الامريكي، اضافة إلى أن بعد انتهاء الحرب الباردة وبالرغم من أهمية وجود عدو حتى وإن خلقته هي في سبيل بقائها واستمرارية سيطرتها على القرار العالمي إلا أن كل الاعداء التي تصورها التفكير الاستراتيجي الامريكي لم يكونوا بذات المستوى والقدرة كالاتحاد السوفيتي السابق، فشرعت لعملية توسيع حلف شمال الاطلسي كي يضم عدداً من دول اوروبا الغربية لاحتواء روسيا ومنعها من التمدد مستقبلاً، بل ذهبت أبعد من ذلك سواء في فترة الحرب الباردة وما بعدها على التوغل داخل الجماعات المتشددة خصوصاً بعد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان 1979 فهي لم تكتفي بدعم هذه الجماعات لا بل مولت ودربت المقاتلين المتشددين في مناطق عدة ليكونوا قوة ساندة لها للقضاء على السيطرة السوفيتية إلا انها كانت مصرة على ان يكون لها ند قوي حتى وإن كان شكلياً في التغلغل في مناطق عدة تساعد من خلالها على احتواء الخصوم الذين يطمحون لبناء تجمعات ونفوذ كان لهم في السابق.
جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أو غزوة منهاتن كما يسميها تنظيم القاعدة لتعطي الفرصة للمحافظين الجدد أن يبلوروا سياسة خارجية جديدة تعتمد على استخدام القوة، بالتالي فإن هذه الأحداث لعبت دوراً في تغيير التفكير الاستراتيجي الامريكي في تقسيم المناطق وتحديد مناطق الخطر خصوصاً وان منفذي الهجمات بالرغم من انتمائهم لجماعة ارهابية متشددة من صنع الولايات المتحدة كما تشير إليه العديد من الكتب والتقارير إلا أن الاكثر خطوة كانوا من جنسيات دول هي في الأصل حليف أساسي لها في منطقة الشرق الاوسط تحديداً، وعليه قررت الإدارة الامريكية أن تستند على روح التعاطف الذي غمرها من جراء الأحداث واستندت على المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الاطلسي التي تؤكد على " اي اعتداء على دولة من دول الحلف كأنما هو اعتداء على الحلف بالكامل" فقررت تغيير تفكيرها نحو العالم مستندة على مجموعة من القضايا أهمها تأكيد سيطرتها على العالم والسعي للحفاظ على مصالحها وتحقيق أهدافها، وسواء كانت وجهتها افغانستان ومن ثم العراق أم غيرهما وفيما بعد تم تبديل الخطة في كل الأحوال نفذ الولايات المتحدة ما تطمح اليه لكن ما هي النتائج؟.
بعد كل التطورات التي حصلت والتغييرات التي حلت بأفغانستان والعراق تقفز مجموعة من الاسئلة وكلها تبحث عن حقيقة ما هي النتائج التي من المفترض ان تتحقق؟، اذا كانت الولايات المتحدة تحاول ان ترسم خارطة سياسية عالمية باسم الديمقراطية فان النموذجين لم تتحقق بهما الديمقراطية المنشودة بسبب الفوضى التي خلقتها الولايات المتحدة سواء بطريقة ادارة ملفات البلدين السياسية والاقتصادية أم في إدارة القضايا الامنية التي كانت المحرك الأساس في عرقلة استقرارهما طيلة هذه السنوات، فهي حاولت أن تصنع نموذجين يحتذى بهما من حيث التحرر الاقتصادي من سيطرة الدولة ومن خلال استغلال جغرافية كل منهما، بالتالي لن تنفع لا سياسة السوق الحر ولا الديمقراطية التي بُنيت على أسس هشة قابلة للسقوط مع اي اهتزاز داخلي فيهما بسبب السياسات المتبعة في إدارة الدولة.
انقلب كل شيء فالجماعات التي كانت تسميها الإدارة الامريكية مقاتلو الحرية عقب الاحتلال السوفيتي لأفغانستان كانت هي العدو الذي هدد المصالح الامريكية في مناطق مختلفة وعليه كانت الستراتيجية الامريكية تتحدث عن جماعات ودول داعمة لها سواء كانت مارقة أم فاشلة، بالتالي فان الولايات المتحدة عملت على أن يكون البلدين ساحات لتصفية الحسابات واحتواء هذا الخصم أو ذاك، وبعد سنوات من الخراب الذي أصاب العديد من الدول بسب هذه الجماعات لا تزال الولايات المتحدة مصرة على ان تعمل بطريقة التخادم الغير مباشر بينها وبين هذه الجماعات للضغط على خصومها وحلفائها في ذات الوقت وهي ذات الطريقة التي تتعامل بها مع الدول التي تعدها أيضاً مهددة للمصالح الامريكية، فالنفس الطويل الذي تتحلى به السياسة الخارجية الامريكية يتخلله بين الحين والآخر عمليات تغيير وتبديل للستراتيجيات التي تعمل وفق التطور الفكري المعلوماتي والتكنولوجي، بالمحصلة هي تعتمد على مجموعة من الأخطاء والإجراءات التي تصدر من هذا الطرف أو ذاك من أجل التحرك باسم الحرية وحقوق الانسان والديمقراطية، بالتالي فان التوجهات التي تنطلق منها الإدارة الامريكية في عمليات التغيير وبناء التحالفات قد جعلتها في قلب دائرة الصراع لاسيما وإنها اليوم لا تتنافس مع قوى هامشية بل هناك قوى منافسة وأخرى صاعدة تعمل على تأكيد توجهاتها وهي بالضرورة تهدد بشكل أو بآخر المشاريع الامريكية في العالم.
السؤال اليوم هل تستطيع الولايات المتحدة ان تتحالف او تهادن الجماعات التي تسببت في تهديد أمنها لابل استهدفته بالصميم وزعزعت استقرارها لفترة طويلة؟، الجواب نعم على اعتبار إنها تتوجه من منطلق المصلحة فهي اليوم تحاول أن تطوي صفحات من عمليات القوة الصلبة التي اتبعتها في العديد من المناطق بعد ان استنزفت مواردها وقدراتها، في الدوحة عاصمة قطر تحديداً في 29 شباط / فبراير 2020 تم توقيع اتفاقية سلام بين الولايات المتحدة وطالبان الحركة الارهابية المهددة للسلم والامن العالمي كما صنفتها الولايات المتحدة ووضعتها على قائمة الارهاب، وهذا يذكرنا بنفس العملية عندما كانت الطائرات الامريكية تسند عصابات داعش الارهابية بالسلاح والمؤن في العراق وسوريا، فبعد حرب طالت 18 عاماً أيضاً قد نتساءل من جديد ما هي الغاية من توقيع هذه الاتفاقية؟، التي تحتم على الولايات المتحدة أن تسحب قواتها وقوات الناتو بعد 14 شهر بعد تفي طالبان بتعهداتها؟، بالتالي هناك ضمانات بين الطرفين ما هي شكل هذه الضمانات؟ قد تلعب الولايات المتحدة اليوم على مسالة تلطيف الاجواء مع الخصوم سواء كانوا جماعات ام دول بعد أن شعرت بخطورة الموقف في العديد من المناطق هذا ما يدفع إلى استنزاف قوتها وهذا ما لا يريده المحافظون على الاقل في الوقت الحالي، فالدرجة الأساس في عمل الادارة الامريكية ووحدات صنع القرار المؤثرة فيها هو تحقيق المصلحة والأمن القومي الامريكي، وايضاً هي تعمل على احتواء خصومها في المنطقة من خلال تسكين الجماعات التي قد تكون في المرحلة القادمة بالنسبة للتفكير الامريكي بعيدة عن دائرة الصراع القادم وساندة لمشاريعها التي ستنطلق في القريب القادم وتحت مسميات مختلفة.
اترك تعليقك