النفطِ والكورونا

آراء وأفكار 2020/03/11 07:23:20 م

النفطِ والكورونا

د. عماد عبد اللطيف سالم

قيلَ الكثير ، وكُتِبَ الكثير عن النفط ، واقتصادنا "النفطي" ، وعن نفط "نظامنا" الأسود ، الذي "سوّدَ" وجوهنا جميعاً.

كَتَبْنا مُحذّرينَ ، ومُنذِرينَ ، ومُتوَعّدينَ ، ومُهدّدينَ أولئكَ القَيّمينَ على "نظامنا" الإقتصادي، بالويلِ والثبور ، إنْ لم يضعوا حدّاً لمحنتنا "النفطيّة" .. ولم يأتِ ذلكَ بأيّ نتيجة.

فهذا "النظام" ،كما يبدو، لا يخافُ من أمثالنا ، ولا يحتاجُ اليهم ، ويترفّعُ عنهم ، ويعتقِدُ أنّهُ في منزلةٍ أعلى وأسمى منهم جميعاً .

هذا "النظام" لايخافُ من دَم أبنائهِ النازفِ منذ ستّة أشهر ، ولا يخافُ على مصادرِ الرزقِ الشحيحةِ لفقرائه ، ولا يخافُ حتّى من "الثورة" التي وصلتْ إلى عتباتِ بيتهِ "الأخضرَ" ، الذي تتلطّخُ جدرانهُ الآن ، ببركات ولَعنات الريعِ النفطيّ.

ولأنّ"النظام" لايخافُ من ضياعِ غنائم سُلطتهِ المُطلقة على رقابنا النحيلة ، فيجبُ علينا نحنُ أيضاً أن لا نخاف من هذا "الإنهيار" الآني ، لأسعار النفط العالمية.

ذلكَ أنّ ليس من مصلحة روسيا-بوتين (وهي من أكبر مُنتجي ومُصدّري النفط في العالم) ، أن ينخَفِضَ سعرُ النفط أكثر فأكثر ، وإلاّ فإنّ السيّد فلاديمير بوتين سيجدُ نفسهُ خارجَ"ساحة" الكرملين.

وليسَ من مصلحة أمريكا –ترامب(وهي من أكبر مُنتجي النفط الصخري في العالم ، ومن أكبر المستهلكين للنفط في العالم) ، أن ينخَفِضَ سعرُ النفط أكثر فأكثر ، وإلاّ فإنّ السيّد دونالد ترامب سيجد نفسهُ (في نهاية هذا العام) خارجَ"ساحة" البيت الأبيض.

و ليس من مصلحة المملكة السعوديّة(وهي من أكبر مُنتجي ومُصدّري النفط في العالم ، والحليف الستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية) ، أن ينخَفِضَ سعرُ النفط أكثر فأكثر ، وإلاّ فإنّ السيّد سلمان ،والسيّد محمّد بن سلمان ، سيجدان نفسيهما خارجَ"الساحة" قبل صلاة الجمعة القادمة ، في الحَرَم المكّي الشريف.

وليس من مصلحة أسواق المال العالميّة ، من طوكيو إلى نيويورك ، أن ينخَفِضَ سعرُ النفط أكثر فأكثر ، وإلاّ فإنّ هذه الأسواق ستنهار ، وستتكبّدُ الشركات الكبرى خسائر هائلة ، وستُعلِنُ الكثير من البنوك الكبرى إفلاسها على الفور.

وحتّى الصين(وهي من أكبر مُستهلكي ومُستورِدي النفط في العالم ، بما في ذلك نفطنا العراقيّ"الثخين") ، والتي يُفتَرَضُ أنّ من مصلحتها أن ينخَفِضَ سعرُ النفط أكثر فأكثر(عسى أن يُعوّضها ذلك عن خسائر محنتها من فايروس كورونا، و من تداعيات الحرب التجارية مع أمريكا-ترامب على صادراتها ووارداتها الرئيسة) .. حتّى هذه الصين ستُدركُ سريعاً أنّ السيّد ترامب لن يسمح لها بإستغلالِ هذه الفرصة ، وسيقرُصُ "إذن" السيّد بوتين ، وسيُنَسّق مع السعودية ، من أجل التوصُّل إلى تحديد أسعارِ نفطٍ "مُعتَدِلة" ومُرضية للجميع ، ولاتُلحِق الضرر بالمصالح الأمريكيّة ، وبعكسه فإنّ السيّد شي جين بنغ ، سيجد نفسهُ خارجَ "ساحة" تيان آن مين.

أمّا "جماعتنا" ، فَإنّهُم سيشربونَ "الصافي" ممّا "يخبطهُ" الآخرون بهذا الصدد .. فهُم في نهايةِ المطافِ لا يَهِشّونَ ولا يَنِشّونَ ، رغمَ أنّ "نوقهم" و "جِمالِهم" كُلّها ، سارحةٌ مارِحة ، في أسواق النفطِ العالميّة.

لهذا كُلّه ، فإنّ اسعار النفط ستستعيدُ توازنها سريعا ، ولكن بمعدلاتٍ أقلّ من أسعارها ماقبل كورونا .. وسيبقى "جماعتنا" يأكلون و "يُوصوصون" من بركات "مولانا" خام برنت .. إلى أنْ يقضي اللهُ أمراً كان مفعولا ، ويجدونَ لنا رئيس مجلس وزراء جديد ، يأكُل و"يوصوص" معهم ، سواء أكانَ سعر النفط 100 دولار ، أو 10 دولار للبرميل.

وبهذه المناسبة "السعيدة" ، وفي الوقتِ الذي أزُفٌّ اليكم فيه هذه "البُشرى" .. فإنّني أودُّ تذكيركم بأنّ السيّد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي (وكانَ حاضِراً إجباريّاً في حينه) ، لم يقطَع رواتبنا عندما اصبحَ سعر النفط في حدود عشرين دولار للبرميل في نهاية عام 2014 ، وكُنّا يومها في أقسى أيّام محنتنا مع "داعش" .. وبإنّنا بناءً على ذلك ، لن نسمحَ للسيّد عادل عبد المهدي(الغائب طَوْعيّاً) ، ولا لأيّ شخصٍ يحِلُّ محله(سواءِ اكانَ حاضراَ "إجباريّاً" أو غائباً "طوعيّا") ، أنْ يقتَطِعَ فِلساً واحداً من رواتبنا ، لحين زوال هذه الغُمّة عن هذهِ الأُمّة

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top